عن "دار هاشيت أنطوان" ببيروت تصدر بعد أيام رواية للفنانة والكاتبة السورية "واحة الراهب" بعنوان "الجنون طليقاً" بعد روايتها الأولى "مذكرات روح منحوسة" التي صدرت منذ عامين، وتتخذ الرواية من مشفى للأمراض العقلية على أطراف دمشق مسرحاً لها، حيث يتم تصوير فيلم سينمائي فيه، وتُرتكب أثناء التصوير جرائم تجعل من الكل يشكون بأنفسهم وببعضهم وتصبح هذه الجريمة الفردية مرآة تعكس صورة حقيقية للمجتمع في ظروف الحرب ليغدو الجنون شاملاً وعاماً.
بدأ شغف "واحة الراهب" بالكتابة منذ الصغر إذ نشأت قارئة نهمة للكتب، وساهم المحيط الأسري الذي عاشت فيه بتنمية بذور الموهبة الكتابية في داخلها، فوالدها الراحل "هلال الراهب" كان روائياً ورساماً وديبلوماسياً، وعمها د. الراحل "هاني الراهب" روائي معروف نال العديد من الجوائز الأدبية، ودرست واحة في أكاديمية الفنون الجميلة بدمشق قبل أن تنتقل إلى باريس لدراسة السينما، وهناك أنجزت أول سيناريو في السنة الأولى لدراستها، وأتيح للسيناريو أن يُنتج كفيلم سينمائي بعنوان "منفى اختياري" نال الجائزة الفضية في مهرجان "قليبة" بتونس عام 1987.
وبعد تخرجها وعودتها إلى سوريا عملت في المؤسسة العامة للسينما، ونشرت كتابين عن وزارة الثقافة بدمشق أحدهما بعنوان(صورة المرأة في السينما السورية) والثاني (سيناريو فيلم رؤى حالمة) كما كتبت سيناريوهات لأفلام سينمائية وتلفزيونية ومشاريع مسلسلات كثيرة، لكن لم تكتب لها فرصة الخروج إلى النور. وبعد اضطرارها للخروج من سوريا بسبب المضايقات الأمنية وظروف الحرب كتبت روايتها الأولى (مذكرات روح منحوسة) واتبعتها برواية "الجنون طليقاً".
تقول "الراهب" لـ"زمان الوصل" إنها اختارت لروايتها هذا العنوان "لأن الجنون والعقل باتا في عالمنا المعاصر على حافة واحدة وعلى شفير الهاوية"، مضيفة أن "الجنون والعقل اختلطا وتداخلا بما ضيّع الفواصل الفارقة بينهما، حين تعم الجرائم لتصبح عامة، فيصبح حينها الجنون حقاً طليقاً".
وأضافت: "الجرائم الصغيرة عادة ترتكب بشكل فردي ولكن عندما تصبح جرائم عامة على مستوى شعب ووطن وتدمير مدن بأكملها تصبح جرائم جماعية كبرى تطال البشر الأبرياء".
وتتحدث الرواية التي تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط عن جرائم تتوالى على فريق يصور فيلماً سينمائياً في مشفى للأمراض العقلية، وتكشف عمق الدواخل النفسية للجميع، ودوافع بعضهم لارتكاب تلك الجرائم، بحيث يختلط الجنون بالعقل. وتضمحل الفوارق وتزول بينهما في ظل إطباق حصار فُرض على جميع المقيمين وحتى الضيوف من فريق التصوير بسبب الحرب الدائرة حولهم منذ سنوات، ولا يعدْ بمقدورهم التحرك من هذه المنطقة– مشفى الأمراض العقلية- ويتفاقم الخوف من وجود القاتل طليقاً مما يدفع الجميع للاشتباه ببعضهم البعض وحتى بأنفسهم، ويعجز المحقق عن الوصول إلى القاتل.
وحول جوانب الاختلاف بين عملها الروائي الأول"مذكرات روح منحوسة" وعملها الجديد على المستوى الفني والمضمون لفتت مؤلفة "الجنون طليقاً" إلى أنه لا يوجد اختلاف بين العملين من حيث جوهر الأفكار، وإنما من حيث الأسلوبية ومضمون الحكاية المختلفة تماماً، فالرواية الأولى -كما تقول- تشرح حالة الخوف من خلال بطلها الأساسي "كنان" تلك الحالة التي ينتجها الاستبداد، ومدى تأثيره على عطب أبناء المجتمع وإخصائهم وإمحاء شخصيتهم جسدياً ونفسياً وفكرياً، وحتى على المستوى الوجودي فلا يعودوا يعرفون أنفسهم إن كانوا أحياء أم موتى.
وأردفت أن الأمراض النفسية التي تلم بـ"كنان" تجعله يحس بتناقض عبثي فيشعر نفسه في لحظة ما دودة مسحوقة، ويتملكه بالوقت ذاته إحساس طاغ بتضخم دماغه إلى حد تفوقي، إلى حين قيام الثورة فيشعر بوجوده وكينونته من خلال انتمائه لها مما يجعله يستعيد شيئاً من توازنه.
وتابعت الكاتبة المولودة في القاهرة أنها لجأت في "مذكرات روح منحوسة" لاستخدام اللهجة العامية وعندما يحس "كنان" بأمراضه لا يعود متمكناً من السيطرة على لغته الفصحى، وهو يصيغ مذكراته هذه، مضيفة أن "قلب اللغة من الفصحى إلى العامية مؤشر على تغير نفسي وانتكاسة لحالة البطل النفسية، كما أن تخيلاته هي انعكاس لحالته ولرواسب بيئته وتربيته، بينما تطغى على رواية "الجنون طليقاً" اللغة الفصحى وتتناول العوالم النفسية لشرائح عدة من المجتمع، إن كانوا فريق تصوير في فيلم سينمائي أو نزلاء مشفى للأمراض العقلية أو كانوا مدراء ومسؤولين يحكمون المشفى ويكتشف القارىء في النهاية أن للجرائم الفردية جذوراً جماعية هي المؤسس لها.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية