استعادة العذرية بفعل خيط وإبرة أو مايسمى "الترقيع" بات أمراً مثيراً للجدل في سوريا بعد أن سجل القصر العدلي عدد من دعاوى بهذا الخصوص فالحديث عن العذرية المفقودة كان يتم على هامش ملفات الدعارة، أما أن يتم تسطير شكاوى في هذا الصدد أمر لم تعرفه المحاكم السورية من قبل.
وجاء في تحقيق لمجلة أبيض أسود السورية أن (ع. س) لم تتمكن من النوم في تلك الليلة، حينما راودتها أفكار سوداء بالانتحار، فابتلعت عشرات الأقراص الدوائية أخفقت في إرسالها إلى عالم الموت، ومحاولة الانتحار هذه لم تكن الأولى في سجلها الطبي وفقاً لطبيبها المعالج (محمد دنان) أخصائي أمراض نفسية والذي أكد إقدامها على الانتحار ثلاث مرات على التوالي، بعد أن فضح أمرها بإجراء عملية ترقيع لغشاء بكارتها قبل حفل زفافها بأسبوع تقريباً، أما الزوج المخدوع، فقرر فضح المستور، طارقاً باب القصر العدلي ومسطراً شكوى غش بحق زوجته التي مثلت لمرات عدة أمام القضاء، للإجابة على أسئلة محرجة لم تستطع احتمالها فقررت الانتحار، كيف لا وقد طاردتها الفضيحة منذ لحظة اكتشاف أمرها ليغدو القصر العدلي المكان الوحيد الذي يحق لها ارتياده وبرفقة ذويها، أما قصة هذه المرأة كما يرويها أحد القضاة المشاركين في الاستجواب فهي علاقة حب أفقدتها عذريتها.
تؤكد أنها كانت العلاقة الوحيدة في حياتها، غير أن الزوج بات ينسج قصصاً وأقاويل عن علاقات متعددة لزوجته السابقة، جعلت من الموت رحمة بالنسبة لها والغريب في تلك القصة والتي تتكرر في مجتمعنا، هو تسطير محضر في تفاصيلها، فهذه القضايا جديدة على أروقة القصر العدلي، ولم يسبق له أن تناول قضايا مشابهة إلا في حالات الدعارة، غير أن عام (2008) كان مختلفاً فسجل (خمس) حالات من هذا النوع، وفقاً للمصدر ذاته في القصر العدلي، وهو ما يضاف اليوم إلى قضايا الغش والتدليس، واستعادة العذرية بفعل خيط وإبرة، يقول: (كان الأمر صاعقاً في البداية، فالحديث عن العذرية المفقودة كان يتم على هامش ملفات الدعارة، أما أن يتم تسطير شكاوى بخصوص ذات الموضوع، أمر لم يعرفه القصر العدلي من قبل).
وفي توصيف الحالات يؤكد المصدر أن معظم الفتيات ينتمين لبيئات فقيرة، تعاني من نقص الوعي الاجتماعي يتم عرضهن على الطبابة الشرعية التي تثبت إجراءهن لعمليات ترقيع.
الشاهد الوحيد
خمس قضايا وجدت طريقها إلى المحكمة وأشبعت تمحيصاً ودراسة، غير أن تركيبة المجتمع السوري القائمة على ثقافة العيب تتكفل بدفن أضعاف هذه القضايا وإبقائها ضمن دائرة التكتم والسرية، خوفاً من الفضيحة، لذا فإن العيادات النسائية هي الشاهد الأكثر مصداقية على الحالات التي تزداد يوماً بعد يوم، فحوالي خمس فتيات يطرقن باب عيادة الطبيب (ا.س) اختصاصي في التوليد وأمراض النساء، ولكل فتاة حكايتها الخاصة، فمنهن من فقدت عذريتها للمرة الأولى، ومنهن من أجرت عملية ترقيع سابقاً، فكانت المرة الثانية أو الثالثة التي تخوض فيها تجربة مماثلة، فالسنوات الأخيرة على حد وصف الطبيب حققت أرقاماً قياسية في ازدياد عدد الفتيات اللواتي يرغبن باستعادة عذريتهن.
والأجر يخضع لاعتبارات عدة، يحددها الطبيب طبعاً، حيث تحولت عمليات الترقيع إلى تجارة رابحة مئة بالمئة، تتخطى الرقم المعلن عنه وهو (5000) ل.س فقط لا غير، حيث يتضاعف الرقم ويتضخم في محاضر الجلسات الواردة في القضاء، والتي تؤكد إحداها أن أحد الأطباء طلب مبلغ (5000) ل.س، والمبلغ السابق بدا أكثر رحمة مما يتقاضاه طبيب آخر (100000) ل.س وهكذا تجد المرأة نفسها محكومة بقدر لا مفر منه فإما الدفع أو الفضيحة، أما الطبيب الذي أحكم الطوق حولها فقد غدا الطرف الأقوى الذي يفرض شروطه، مبدياً امتناعه عن إجراء العملية في حال لم تمتثل فاقدة العذرية لكل إملاءاته المادية وهاهو الطبيب (ا.س) يروي قصصاً وقصصاً عن نساء يلجن عيادته لإجراء عملية ترقيع مبديات استعدادهن لدفع الرقم الذي يكتبه مما يشكل برأيه مؤشر لما يحدث في عيادات أخرى تحولت إلى سوق يحكمه رأس المال، والطبيب هنا يحاول تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح، مستغلاً ضعف المرأة وحاجتها الماسة لإجراء هذه العملية.
تحت المجهر
وفي الوقت الذي تشهد فيه معظم العيادات النسائية عمليات ترقيع يومية، ينفي أطباؤها إجرائهم لمثل هذه العمليات، ويذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك باعتباره أمراً مخالفاً لأخلاقيات المهنة، كذلك سجلات نقابة الأطباء التي لم يندرج فيها شكوى حتى الآن بحق طبيب نسائية ويعزو (عبد الحميد القوتلي) نقيب أطباء دمشق، الأمر إلى اتفاق سري يعقد بين الطبيب والمريضة فلا الطرف الأول أو الثاني يريدان كشف المستور، وهنا لابد من التطرق إلى العقوبات التي تفرض على الطبيب في حال عرف بأمره حيث تتم إحالته إلى مجلس تأديبي، وغرامة مالية تحدد وفقاً للأجر الذي تقاضاه، وطبعاً كان للمشافي الخاصة حصتها في أرباح تلك العمليات حتى أنها في أحيان عدة تتفوق على العيادات النسائية، كونها أكثر ثقة من ناحية العقامة وتدارك المخاطر الصحية حيث يتحدث الطبيب (ا.س) عن حالات هلع وخوف تسيطر على النساء قبل إجرائهن للعملية، كمشكلات التخدير والتي قد تسبب نزيف يؤدي للموت، وطبعاً هذه العملية المضمونة صحياً تضاعف الفاتورة لاحقاً، وكالعادة تنجو المشافي بفعلتها فوزارة الصحة لا تتحرك للرقابة إلا بناءً على شكوى.
وكما ذكرنا سابقاً الشكاوى تندر في حالات مشابهة لأسباب تتعلق بالتركيبة المجتمعية ومعظم الشكاوى التي ترد مديرية المشافي في الوزارة لها علاقة بالتسعيرة والأخطاء الطبية فقط.
إذاً قليلة هي الحالات التي تجد طريقها إلى العلن، مقابل قضايا تظل طي الكتمان، حيث تشير العديد من التقارير إلى تزايد عدد عمليات الترقيع في سوريا ما جعل العيادات النسائية تنجح في استقطاب فتيات من مختلف الدول العربية قصدنها بقصد الترقيع، ما دفع العديد من الأطباء إلى الإحجام عن استقبال الحالات المحلية واستبدالها بعربية تدفع بالدولار، ويؤكد أحد أطباء النسائية أن معظمهن من دول الخليج فضلن إجراء العملية بعيداً عن بلادهن ومنهن من أجرين العملية ذاتها لأكثر من مرة، وغالباً ما تكون أسماؤهن وهمية إذ نادراً ما يصرحن بالاسم الحقيقي، فالقيم المجتمعية العربية تجد في غشاء البكارة رمزاً للعفة على أن أعداد الفتيات الفاقدات للعذرية تزداد بحسب (توفيق داود) أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق، مع التأكيد بأن اعتراف المرأة بفقدانها للعذرية قد ينتهي بجريمة أسميت خطأً بجريمة شرف، تهدر الدماء لغسل عار العائلة، وسجلات القصر العدلي تفيض بجرائم من هذا النوع.
فتاوى متناقضة
منذ فترة ليست بقصيرة، أجاز المفتي (علي جمعة) إجراء عملية ترقيع للنساء لأي سبب كان قبل الإقدام على الزواج واصفاً إياه (بالأمر المباح) يقول: (إذا كانت عملية ترقيع الغشاء تؤدي إلى ستر المرأة فإن الإسلام يبيح ذلك) على حين وجد رجال دين في الكلام السابق دعوة إلى الفاحشة والرذيلة، ما آثار جدلاً واسعاً لم ينته حتى الآن بين تحليل وتحريم، أما (محمد حبش) رئيس مركز الدراسات الإسلامية فقد انحاز إلى جهة التحريم كون التساهل في إطلاق الفتاوى يهدد القيم المجتمعية التي يصعب خرقها على حد تعبير توفيق داود.
أزمة نفسية
ومحاولة إحاطة سر إجراء العملية بالتكتم يدخل المرأة في دوامة من التوتر والقلق تودي بها إلى اختلال ذهني كما يقول الطبيب (تيسير حسون) أخصائي الأمراض النفسية، كيف لا وقد فرطت برمز العفة؟ ربما هذا هو السبب الذي جعل من الانتحار حلاً مثالياً لـ(س. ع) التي تغير مجرى حياتها بعد إجراء عملية لم تنجح في منحها السترة من جديد بعد أن تكفل الزوج والتركيبة المجتمعية بتحويلها إلى (داعرة) سيلاحقها العار إلى القبر فيما نظرات الجميع من حولها تذكرها بما ارتكبته من إثم لا يغتفر.
سوريا: غش العذرية .. دعاوى غير مألوفة دونت في سجلات القصر العدلي بدمشق
عن افاق
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية