أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من باريس إلى جرجناز.. حسين الزعبي*

من مظاهرات باريس - جيتي

من الإجحاف بمكان تشبيه ما يحدث في فرنسا بما حدث في سوريا في ربيع العام 2011، إذ لا يمكن مقارنة نظام حكم ‏ومؤسسات رفضت أن تطلق رصاصة واحدة على المحتجين الذين خرجوا في سلوكهم عن النمط الأوروبي المعتاد، ‏فالاحتجاجات غلب عليها الطابع العنفي التخريبي وأدت لشل الحركة في أهم مناطق العاصمة الأكثر جذبا للسياح في ‏العالم، بنظام قال أتباعه -خلال الشهر الأول للثورة السورية، والذي لم يشهد كسر زجاج نافذة- لا ضير بقتل مليون ‏إنسان، مقابل ألا تتحقق مطالب المتظاهرين، ولم تكن بعد قد وصلت حد المطالبة بالإسقاط، بل نُسب إلى الفاعلين في ‏النظام قولهم "سنعيد عدد سكان سوريا إلى 9 ملايين نسمة"، أي إلى ما كان إليه قبل استلام الأسد الأب للحكم.‏

لكن من الإجحاف أيضاُ مقارنة من خرجوا في سوريا مطالبين بالحرية وبمفاهيم الكرامة، عزل من أي سلاح سوى ‏صوتهم ولافتاتهم وما تيسر من صور مرتجفة حاولت نقل المذبحة التي بدأها النظام مع صرخة الثورة الأولى، ‏بالمحتجين في فرنسا، فهؤلاء برعاية قوة القانون، وسلطة الإعلام ورهبة حقوق الإنسان، رغم عمليات السرقة ‏والتخريب وحرق الممتلكات العامة والخاصة التي نقلها الإعلام على الهواء مباشرة.‏

المقارنة بين الموضوعين تسقط إلى الذهن مشهدا سورياليا غير قابل للتصديق، ولكنه كان مشهدا سورياً بامتياز، كيف لا ‏والنظام "بمؤسساته" التي يفترض أنها وجدت لخدمة المواطن والدولة، هي من كانت تدفع المتظاهرين إلى التسلح عبر ‏الإمعان في القتل والتعذيب والاغتصاب، ناهيك عن ترك الأسلحة ملقاة على جنبات الطرق، بينما تولى إعلامه وإعلام ‏حلفائه مهمة التحريض بهدف خلق شرخ طائفي ومذهبي لم تعهده سوريا من قبل.‏

كثر ممن هم الآن في صفوف الثورة السورية أو ما تبقى منها، ومثلهم أيضا ممن اختار الاستمرار تحت عباءة النظام أو ‏ما تبقى منه، يدركون أن النظام فوت العديد من الفرص خلال الفترة السلمية للثورة، السلمية التي اعترف بشار الأسد ‏بها، ليس للمحافظة على سوريا من الدمار الذي لحقها، فحسب، بل أيضا فوت فرصة المحافظة على نفسه واختار أن ‏يشعل حريقا مازال مستمرا منذ ذلك الربيع وحتى يومنها هذا، حيث تعلن حكومة ماكرون تعليق الزيادات على أسعار ‏المحروقات التي تسببت باحتجاجات "السترات الصفراء" فيما تشير الأخبار الواردة من "جرجناز" إلى أن 360 عائلة ‏اضطرت لمغادرتها إلى العراء جراء قصف النظام للبلدة وخرق اتفاق التهدئة.‏

*من كتاب "زمان الوصل"
(184)    هل أعجبتك المقالة (204)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي