من الإجحاف بمكان تشبيه ما يحدث في فرنسا بما حدث في سوريا في ربيع العام 2011، إذ لا يمكن مقارنة نظام حكم ومؤسسات رفضت أن تطلق رصاصة واحدة على المحتجين الذين خرجوا في سلوكهم عن النمط الأوروبي المعتاد، فالاحتجاجات غلب عليها الطابع العنفي التخريبي وأدت لشل الحركة في أهم مناطق العاصمة الأكثر جذبا للسياح في العالم، بنظام قال أتباعه -خلال الشهر الأول للثورة السورية، والذي لم يشهد كسر زجاج نافذة- لا ضير بقتل مليون إنسان، مقابل ألا تتحقق مطالب المتظاهرين، ولم تكن بعد قد وصلت حد المطالبة بالإسقاط، بل نُسب إلى الفاعلين في النظام قولهم "سنعيد عدد سكان سوريا إلى 9 ملايين نسمة"، أي إلى ما كان إليه قبل استلام الأسد الأب للحكم.
لكن من الإجحاف أيضاُ مقارنة من خرجوا في سوريا مطالبين بالحرية وبمفاهيم الكرامة، عزل من أي سلاح سوى صوتهم ولافتاتهم وما تيسر من صور مرتجفة حاولت نقل المذبحة التي بدأها النظام مع صرخة الثورة الأولى، بالمحتجين في فرنسا، فهؤلاء برعاية قوة القانون، وسلطة الإعلام ورهبة حقوق الإنسان، رغم عمليات السرقة والتخريب وحرق الممتلكات العامة والخاصة التي نقلها الإعلام على الهواء مباشرة.
المقارنة بين الموضوعين تسقط إلى الذهن مشهدا سورياليا غير قابل للتصديق، ولكنه كان مشهدا سورياً بامتياز، كيف لا والنظام "بمؤسساته" التي يفترض أنها وجدت لخدمة المواطن والدولة، هي من كانت تدفع المتظاهرين إلى التسلح عبر الإمعان في القتل والتعذيب والاغتصاب، ناهيك عن ترك الأسلحة ملقاة على جنبات الطرق، بينما تولى إعلامه وإعلام حلفائه مهمة التحريض بهدف خلق شرخ طائفي ومذهبي لم تعهده سوريا من قبل.
كثر ممن هم الآن في صفوف الثورة السورية أو ما تبقى منها، ومثلهم أيضا ممن اختار الاستمرار تحت عباءة النظام أو ما تبقى منه، يدركون أن النظام فوت العديد من الفرص خلال الفترة السلمية للثورة، السلمية التي اعترف بشار الأسد بها، ليس للمحافظة على سوريا من الدمار الذي لحقها، فحسب، بل أيضا فوت فرصة المحافظة على نفسه واختار أن يشعل حريقا مازال مستمرا منذ ذلك الربيع وحتى يومنها هذا، حيث تعلن حكومة ماكرون تعليق الزيادات على أسعار المحروقات التي تسببت باحتجاجات "السترات الصفراء" فيما تشير الأخبار الواردة من "جرجناز" إلى أن 360 عائلة اضطرت لمغادرتها إلى العراء جراء قصف النظام للبلدة وخرق اتفاق التهدئة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية