بالأمس وبعد مضي أقل من ثلاث دقائق على مشاهدتي عبر اليوتيوب لبرنامج سوري مصنف، ولا أعلم بأي حق، في خانة البرامج الكوميدية السياسية شعرت بحاجة ماسة لمشاهدة الفنان السوري (العالمي) عمر سليمان لأتخلص من الكم المرعب من السماجة وثقل الدم، و"الغلاظة" التي انتابتني بسبب محاولة تهاضم مقدم البرنامج ومفرداته وفكرته، بل شعرت وكأن عشرة من الشبيحة يلطمونني على وجهي في وقت واحد.
أما لماذا عمر سليمان، فلأنه بالحد الأدنى يقدم جرعة من الكوميدية "العفوية" ويوفر متعة مشاهدة جمهور في حالة سلطنة، على الطريقة الأوروبية، ولا داعي للتفكر باللحن أو الكلمات التي لها ما لها وعليها ما عليها، بل ربما تصنف بأنها أكثر التزاما من كلمات بعض أغاني الفنان صباح فخري ومنها على سبيل المثال لا الحصر "شفته مرة بداره حل ازراره..ولما لاحت أنواره بتحيي القلوب" ولا نعلم من أو ما هو صاحب الأنوار البهية التي تحيي القلوب.
يقول أهل الاختصاص في الدراما والسينما والمسرح إن كوميديا "التهريج" هي افتعال الموقف والمبالغة فيه بهدف إضحاك المشاهد، أما الكوميديا الحقيقية فهي التي تستند إلى الموقف الطبيعي البعيد عن "فجاجة الافتعال"، لذلك تسجل لحظات خروج الممثل عن النص خلال المسرحيات كأكثر اللحظات استفزازا لضحك المشاهد.. هذا فيما يخص الدراما والمسرح والسينما، ولكن ماذا عن البرامج السياسية الكوميدية التي باتت نسخة مكررة عن بعضها البعض، منشأها الأساسي عربيا برنامج "البرنامج" للمصري "باسم يوسف".
تتلخص الفكرة العامة لهذه البرامج، وهي معروفة للجميع، باستحضار مشاهد من لقاءات تلفزيونية تحتوي تناقضا أو فكرة مستهجنة، ويقوم مقدم البرنامج بالتعليق عليها ببعض المفردات بطريقة ظريفة لا يحتاج معها، كما يحدث حاليا، لأن يُقسم للمشاهد بكل المقدسات بأنه يقدم برنامجاً كوميدياً وأن على هذا المشاهد أن "يفرط من الضحك"ّ، رغم أن المقدم يعلم بقرارة نفسه أن أقصى ما يمكن أن ينجح، أو تنجح به برامج يتحدث عن فوائد "عسل الزلوع" يذاع الثالثة فجراً.
في الساحة السورية بشقيها الموالي والمعارض ما هو مبكي حد القهر وما هو مضحك حد القهر أيضا، إلا أننا لم نصل بعد للمرحلة التي ننظر فيها إلى الساعة بانتظار هذا البرنامج أو ذاك، لاسباب كثيرة أبزرها في الشق الكوميدي عدم الفصل بين من يستطيع الكتابة بطريقة ساخرة وبين من يستطيع أن ينقلها إلى المتلقي عبر الشاشة.
أخيراً وفي سياق الحديث العابر عن الفنان "العالمي" عمر سليمان، لفتني تزامن غيابه عن الساحة الإعلامية والفنية مع غياب قائمة طويلة من قياصرة المعارضة تبدأ بمعاذ الخطيب ولا تنتهي بسهير الأتاسي عن الساحة الاعلامية والسياسية.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية