
له مدرسة جديدة في الشعر يلخصها بطريقته في إلقاء الشعر ومواجهة الناس، هؤلاء الناس الذين يجلس بينهم ويستمع إليهم أكثر مما يتكلم.
وهو عاتب على وزارة الإعلام السورية واتحاد الكتاب العرب، فهما لا يشجعان الشعر العامي حسب قوله.
مزج في لهجته بين المحلية والفصحى والعامية، يحفظ جميع أشعاره ، ويعتبر أن القصيدة إلهام حقيقي ...
إنه الشاعر السوري عمر الفرا الذي التقته "العرب" فكان هذا الحوار :
ــ أستاذ عمر لو تحدثنا أولا عن بداياتك الشعرية؟
أنا معلم مدرسة،درست اللغة العربية للمرحلة الابتدائية والثانوية، وكتبت أول قصيدة شعبية عام 1973 عندما كنت في خدمة العلم وهي بعنوان "البندقية" ،أما أول قصيدة كتبتها فهي باللغة الفصحى حيث كتبت الكثير من الأشعار الفصيحة منذ كان عمري 14عاما ، كما كنت أحضر أمسيات شعرية واستمع إلى الشعراء مثل عبد الرحيم الحصني وعمر أبو ريشة رحمهما الله ، وشاعرا آخر كان فحلا اسمه "ميشيل قبق" وهو من حمص ، لكنه للأسف لم ينتشر ، كنت استمع إليهم بشغف شديد وأتصور أن ما اسمعه سهل عليّ أن اكتبه وكنت أتصور أنني شاعر ، منذ أواخر المرحلة الابتدائية تصورت أنني سأكون شاعرا.
ثم كنت بين خيارين : إما أن أمارس نشاطي الشعري أو أتفرغ للوظيفة، فاخترت الشعر وأنا حاليا أعيش شاعرا وليس لي أي عمل أخر.
أما بالنسبة للإلقاء فقد كنت في البدايات ألقي الشعر بين فقرة وفقرة من مهرجان أو أمسية ما ، ثم بعد أن عرفني الناس دعيت إلى أمسية وتجرأت وألقيت الشعر لوحدي ، في البداية لم يكن أحدا يطلع على شعري لا أهلي ولا أصدقائي ،كنت أخاف أن القي شعري أمام الناس، تنتابني الريبة والشك وأخاف أن يقولوا أنني مجنون،فأنا ابن بيئة بسيطة تسخر من الشخص عندما يكتب الشعر،لذلك شاهدوني أول مرة في التلفزيون وعرفوا لأول مرة أنني شاعر، نزلت عليهم كبيرا لذلك احترموني واحترموا شعري وقصائدي.
ــ بمن تأثرت من الشعراء؟
تأثرت بالشاعر عمر بن أبي ربيعة والمتنبي سيد الشعراء وبشار بان برد وامرؤ القيس حامل راية الشعراء، أما من العصر الحديث فقد أحببت نزار قباني وقد سميت ابني على اسمه، وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب وسميح القاسم .
في حين لم أتأثر بأحد من شعراء العامية ، بل انتهجت- كما قال النقاد- مدرسة جديدة في الشعر وحدثت العالم بما يفهمون وما يحلمون به ويمر بهم من عادات وتقاليد ،حاولت أن أعطي الناس وامنحهم كل ما يهمهم، وتكلمت باسمهم وعشت وجلست بينهم وكان حديثي قليل جدا، كنت استمع أكثر مما أتكلم واستمع إليهم بدقة شديدة ، فلربما من خلال ما يتكلمون أكتب قصيدة ، كنت صوت الناس .
ــ لماذا اقترن اسمك مع قصيدة "حمده" رغم وجود قصائد أجمل منها ؟
لا أعرف ،أحيانا النجومية حظ، حتى بالنسبة للناس ، مثلا قد تجد شخصا ذكيا ومبدعا أكثر من الآخر لكن الشخص الثاني ينتشر صيته ويتألق أكثر بين الناس، "حمده" حتما ليست أجمل من كل قصائدي ، لذلك في كثير من الأحيان عندما أصعد إلى المسرح أرى الناس يهتفون "حمده ..حمده" ، لكن لدي قصائد جديدة أجمل منها فكنت أتعمد أن لا ألقي "قصيدة حمده"لأثبت لهم أن أمسيتي تنجح بدون "حمده".
ــ تجربتك مميزة وتكاد تكون الشاعر العامي الوحيد في سوريا ، لماذا لم نر تجارب أخرى متميزة في الشعر العامي مقارنة مع مصر مثلا ؟
للأسف الشديد وسائل الإعلام في سوريا لا تشجع الشعر العامي سواء الإذاعة و التلفزيون أو الصحف، كلهم لايشجعون الشعر الشعبي ، وينشرون باللغة الفصحى فقط ، أيضا اتحاد الكتاب العرب لا يشجع القصيدة العامية، على كل حال تخطيت هذا الموضوع في أمسياتي وفي مقابلة الناس وجها لوجه .
حيث اعتمدت على إلقاء الشعر وعلى مواجهة الناس في أمسياتي، والزمن خدمني كثيرا من خلال التلفزيون والانترنت،وأشرطتي موجودة مع كثير من الناس في بيوتهم وتتنقل الأشرطة من مكان إلى مكان ، إضافة إلى اللهجة التي يفهمها الجميع ، وهي ليست لهجة محلية صرفة، بل تجمع بين المحلية والفصحى والعامية،أحيانا أكتب بعض الكلمات العامية المغرقة في محليتها ، ثم يسألني الناس عن معناها فاستبدلها بكلمات فصيحة ، حتى أن الأطفال حفظوا قصائدي ويلقونها في رحلاتهم ، لقد كتبت لكل الناس، لست شاعرا نخبويا.
ــ ماالذي يلهم عمر الفرا ؟
أحيانا تمر علي حوالي خمسة أو ستة أشهر لا أكتب فيها أية كلمة ،وأحيانا أكتب خلال أسبوع واحد ثلاث قصائد وهذا ليس لي به أي إرادة ، القصيدة تأتي لوحدها وتختار موضوعها ومفرداتها ولغتها إن كانت شعبية أو فصيحة، قصيدتي تأتيني بلا موعد وعفو الخاطر وأحيانا تأتيني في نومي وأجلس وأكتبها ، القصيدة إلهام حقيقي .
ــ يقول بعض النقاد إن عصر اليوم هو عصر الرواية، ما ردك ؟
هذا عصر العمل الجيد، فكيف ما تكون مبدعا بعمل ما ينتشر هذا العمل سواء قصة أو مسرحية أو شعر،هذا هو الواقع، ليس من اليوم فقط بل على مر العصور،فالعمل الجيد يفرض نفسه.
ــ كيف تنظر إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة مثل "الفيديو كليب الشعري" في إيصال الشاعر إلى الناس؟
لا بأس المهم أن تصل إلى الناس بأي طريقة ،الوسائل الحديثة حققت أمورا جميلة جدا سواء للشاعر أو غيره، مثلا هنالك مناطق في الوطن العربي لأول مرة اذهب إليها، ورغم ذلك وجدت الناس تحفظ قصائدي ،فوسائل الاتصال حققت هذا الانتشار ،وأنا لا أخشى أن يذهب شعري بعد موتي.
ــ هل ترجمت قصائدك إلى لغات أخرى ؟
نعم ،ترجمت قصيدة الياسمينة إلى الانكليزية، وقصيدة "رجال الله" ترجمت أيضا وذلك لدراسة فلسفة الموت عند المقاومة وحزب الله، لأنني قلت فيها "لهم في الموت فلسفلة"، فأراد الباحثون في الغرب أن يعرفوا ماهي هذه الفلسفة.
رجال عاهدوا صدقوا..وقد شاؤوا كما شاء
صفاء النفس وحدهم..فجلّ حديثهم صمت, وكان الصمت إيماء
إذا هبوا كإعصار فلا يبقي ولايذرُ
لهم في الموت فلسفة ، فلا يخشونه أبدا ، بذا أُمروا
لأجل بلادهم رفعوا لواء النصر..فانتصروا
جنوبيون يعرفهم تراب الأرض, ملح الأرض, عطر منابع الريحان
جنوبيون يعرفهم سناء البرق, غيث المزَن, لون شقائق النعمان
نجوم الليل تعرفهم وشمس الصبح تعرفهم..وبوح الماء للغدران
وقد عرفوا طيور الحب, فك السيف, شعر الفرس والإغريق والفينيق والرومان
لهم علم ومعرفة بمن سادوا..ومن بادوا..وموسيقا بحور الشعر وكيف يحرر الإنسان
جنوبيون كان الله يعرفهم, وكان الله قائدهم وآمرهم, ، وفيكانوا بكل تواضعٍ
كانوا رجال الله يوم الفتح في لبنان
ــ كيف كان لقاؤك مع حسن نصر الله ؟
طلب حسن نصرالله لقائي بعد تمنيات كثيرة كانت لي في مقابلات صحفية وغيرها، وأعلنت عن ذلك مرارا،وفي يوم 11 - 5ــ 2007 أرسل في طلبي وحدثني خلال ساعة ونصف عن متابعته لشعري وعن المعركة ،وقال لي: لقد كنت شريكنا في الحرب و الانتصار .،على كل حال انطباعاته هذه تترجمها حالة المقاتلين والثوار، حيث كانت قصائدي معهم عبر الـ "أف أم " وتذاع لهم كل يوم عدة مرات، كما ألقيت بين يديه قصيدة للمقاومة وقصيدتين كتبتهما له هو.
والشعر مقاوم كالبندقية وربما أشد إيلاما على العدو ،ولكن يؤسفني أنني كنت الشاعر العربي الوحيد الذي وقف مع المقاومة اللبنانية.
ــ هل تعتبر أنك تميزت في الشعر العامي أكثر من الفصيح؟
كثير من الإخوة المهتمين بشعري والنقاد قالوا: إننا لا نميز بين القصيدة الشعبية والفصيحة لعمر الفرا فكلاهما هو .
أما بالنسبة للشعر النبطي فهو يعتمد على قافية في الصدر والعجز ، لكنني أكتب قصائدي على شكل الشعر العربي الحديث "شعر التفعيلة" دون الاعتماد على قافية واحدة.
ــ هل لديك طقوس معينة للكتابة؟
لا طقوس ولا أي شيء، أنا إنسان بسيط ، لكن عادة أجلس لوحدي ، لا أريد أن يكون بجنبي شخص نائم،وأحيانا تأتيني القصيدة وأنا نائم ، فأجلس وأكتب رؤوس أقلام على ورق كي لا أنساها.
القصة الطريفة أنني كتبت قصيدة في المنام واستيقظت من نومي وأنا أحفظها ، تكاسلت و قلت بما أني أحفظها، أكتبها صباحا، لكن إلى الآن لا أعرف عن القصيدة أي كلمة أو أي شي ،ومن وقتها أضع ورقة وقلم قرب وسادتي.
وأريد القول :لا أحب أن يشاركني شاعر في أمسياتي، لسبب بسيط هو أنني لم أشارك أحدا من الشعراء في أمسياته إلا كرهني ، رغم أنني أصفق له أكثر من الناس واستمع له بشغف وحب سبحان الله !! ربما حسد، لذا أحب أن أكون لوحدي.
ــ هل تحفظ جميع أشعارك ؟
أنا أحفظ شعري كله،كيف أتمنى أن يحفظ الآخرون قصائدي ،وأنا لا أحفظها، فالأجدر بي أن أحفظها أنا أولا .
ــ حدثنا عن مشاركتك مع أحمد فؤاد نجم وسميح القاسم وعباس جيجان في قطر،ماذا تحب أن تقول لوزارة الثقافة القطرية.؟
كلهم أحبائي وإخوتي وأصدقائي ،وتشرفني هذه المشاركة ، حيث كان الموضوع لأجل غزة فلم نلق إلا قصائد معينة للمعركة والجهاد ..الخ ، هؤلاء الناس في وزارة الثقافة كرمونا كثيرا بضيافتهم واستقبالهم الجميل وبكل شيء ،وأتمنى أن تكون لي ألف زيارة إلى قطر فهي بلد حبيبة وشقيقة وأحب الناس فيها وأحسست أن الناس يبادرونني نفس الحب .
ــ ما هو أكثر موقف طرافة حصل معك ؟
كنت أمشي إحدى المرات في الشارع ، فلفتت نظري طالبة جامعية تقف في الجهة المقابلة ، وهي تضع يديها على خصرها، وترمقني بنظرات غريبة ملؤها الحقد والكراهية، صراحة خفت وقلت لها عندما وصلت إليها: مابك.. خير؟
فقالت لي:ما أريدك .. ما أريدك ثم ذهبت، فقلت لها حسنا وضحكت كثيرا،لقد شبهت نفسها بحمده بطلة قصة "حمده"،وشبهتني بابن عمها.
ــ ماهي مشاريعك القادمة ؟
أخر ديوان لي كان بعنوان "رجال الله" وقد طبع لدى المقاومة اللبنانية وفي مطابعها ،والآن لي ديوانان قيد الطبع، الأول فصيح لم اسمه، والآخر شعبي اسميته "عمي طافش" ويحتوي 17 قصيدة.
ــ لو تحدثنا قليلا عن حياتك الشخصية؟
تزوجت عام 1972، ولي أربعة أولاد: نزار، بشار، سيف وليلى، معظم أصدقائي من الناس العاديين استمع لهم دائما وأتحدث معهم ،أما من حيث الموسيقى، فأنا أحب أن استمع إلى فيروز وعبد الحليم.
ــ عمر الفرا :
ــ ولد عمر الفرا في تدمر من البادية السورية عام 1949.
ــ درس اللغة العربية في البادية السورية ومدينة حمص لمدة 17 عاما.
ــ اشتهر بطريقته المميزة في إلقاء الشعر ، واقترن اسمه مع "قصيدة حمده" التي تتحدث عن فتاة بدوية تحدت العادات والتقاليد ورفضت الزواج من ابن عمها،ثم تنتحر متحدية أهلها وعاداتهم الجاهلية.
ــ له خمسة دواوين معظمها بالعامية وهي : الغريب، كل ليلة، قصة حمده ، حديث الهيل، الأرض النا.
وفي إحدى قصائده الغزلية يقول :
مشنشلة بطول وحلا
و ساق اندمج
و مهفهفة و مزريفة كنها الصبح حين انبلج
شلون الحجل عقب الضمى شاف النبع خف و كرج
مشيتها تشبه مشيته و تزين الخطوة بغنج
تتمايل و تحت الخصر تنورة تعبانة لجج
أول فراشة تعلمت أسلوب مشيتها و درج
عمدا تجي تمشي بغنج
لجل انها ترميني بحرج
أو انها ترميني ببلا
و انا ما احب درب العوج
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية