تشير تجارب الشعوب إلى أن القائد "الكاريزمي" هو أحد سبل نجاة الأوطان في اللحظات التي تنهار فيها المؤسسات ويتمزق نسيج المجتمع وتتوه بوصلته جراء حرب خارجية أو أزمات داخلية، كتلك التي أوجدتها "الثورات المضادة" لثورات الربيع العربي.
الساحة السورية، واحدة من الساحات التي اختلط فيها حابل الثورة - التي انقض عليها الأعداء من كل حدب وصوب- بنابل المصالح الدولية والتدخلات الخارجية والمخاوف من امتدادها إلى الساحات الأخرى.
وإذا كان ما سبق منع أن يكون للثورة السورية داعم أو صديق حقيقي، كما هم أصدقاء النظام، وبالتالي أخر وصولها إلى مبتغاها الأخير، فإن أسباباً ذاتية كثيرة منعت هذا الوصول، قد يكون أبرزها عدم إفراز الثورة لشخصية "كاريزمية" سياسية كانت أو عسكرية لا تخفي انتماءها السوري وصبغتها الوطنية الجامعة بعيداً عن الاتتماءات السياسية بكافة أشكالها، أو على الأقل أن تحقق الحد الأدنى من هذا الانتماء، كما فعل الراحل ياسر عرفات الذي مرت قبل أيام الذكرى السنوية لوفاته "11- 11 2004".
ياسر عرفات "أبو عمار" شأنه شأن أي سياسي له ما له وعليه ما عليه، لكن يسجل للرجل أنه جعل من مواقفه وسلوكه مع أصدقائه وخصومه في الساحة الفلسطينية أولا وفي الساحات العربية والدولية ثانيا حالة ساطعة الوضوح تشير إلى أن هناك قضية اسمها القضية الفلسطينية، وإن كانت هذه القضية لا يمكن أن تموت بموت شخص ولا أن تحيى بوجوده، لكنها كانت في حياة الرجل أكثر حضورا، وفي الحد الأدنى استطاع أن يمنع حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية رغم كل الضغوطات التي واجهها.
"أبو عمار" المحسوب في بداية مشواره على التيار القومي، لم يؤطر نفسه في هذا التوجه، ولكنه كان شديد الانتماء إليه عندما يتعلق الأمر بمسألة يرى أنها تخدم قضيته، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، فهو ناصري حتى النخاع وملكي "رجعي" عندما يتطلب الأمر، ولا ضير عنده أن يكون يساريا بالمفهوم الماركسي، ويقبل يد الشيخ أحمد ياسين، ولا أرى أن ذلك مأخذ على الرجل بل ميزة له، ففي الحالة الفلسطينية وشبيهاتها ليس من وظائف القائد التشدق الفكري بل إتقان "فن الممكن".
الحديث عن "ضرورة" القائد الكاريزمي، لا تعني بشكل من الأشكال النكوص باتجاه "القائد الأوحد الملهم" الذي انتفضت عليه الشعب أصلا، ولكن عندما تتوه البوصلة لابد من أن تفرز الثورة من بين جنباتها ذاك القائد، هكذا فعلت فرنسا عندما اجتاحها الألمان، لقد جعلوا من شارل ديغول أسطورة، ومثلهم الانكليز في تعاملهم مع ونستون تشرشل عندما كاد هتلر أن يفتك بفهم، بل حتى الأخير كان بشكل أو بآخر يمثل حالة قيادية "كاريزمية" حولت ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى إلى قوة ضاربة خلال ثلاثينيات القرن الماضي وأول الأربعينيات وصولا إلى خسارة الحرب العالمية الثانية.
أخيرا، ولأن "علم حكومة الإنقاذ" بات حديث الساعة على الساحة السورية، أدعو "ابو محمد الجولاني" وأعضاء حكومته إلى مشاهدة أفلام "انتوني كوين".. فللرجل كاريزما لا يمكن إنكارها.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية