عادت "بي بي سي" إلى سيرتها المعهودة في تلميع بشار الأسد وتبرير جرائمه، بل وحتى تصدير مرتزقته المتورطين في دماء السوريين بوصفهم مدافعين عن الحق والسلام في وجه التطرف والإرهاب.
ومن أخر ما أنتجته محطة "بي بي سي" الأم في هذا المجال، تقرير مصور تابعته "زمان الوصل"، نشر يوم الخميس 11 تشرين الأول الجاري، بعنوان " لماذا أقاتل إلى جانب قوات الأسد قرب إدلب"، ظهر فيه زعيم مليشيا الدفاع الوطني في السقيلبية "نابل العبدالله" وكبير شبيحتها، وهو يتحدث وكأنه قديس، فيما لا تزال آثار آلة القتل والدمار التي يقودها ماثلة في مناطق واسعة من ريف حماة.
تم افتتاح التقرير بلقطة شاعرية يظهر فيها "نابل" وهو يوقد شمعة، بينما يقول: "نحن دائما منقول إنو منمسك بأيد شموع المحبة والسلام، ومنقبض على الزناد بيد"، ليظهر بعدها تعليق من معد التقرير أسفل الشاشة يصف هذا المرتزق بأنه "مسيحي يقاتل إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد، إنه من مدينة السقيلبية، وهو يقود متطوعين محليين في مواجهة المتمردين".
ويعود "نابل" ليعلق: "أنا أقاتل من أجل الحق في سوريا، (أقاتل) العصابات الإرهابية المسلحة"، وهنا يتم إدراج لقطات له وهو يراقب عبر منظار ما يقول إنها سيارة مركب عليها رشاش، ليدخل معد التقرير على الخط من جديد بعبارة عريضة تخبر المشاهدين أن "إدلب تضم نحو 90 ألف مقاتل ضد الحكومة، 20 ألفا منهم هم من الجهاديين المتطرفين".
وتأكيدا على ذلك، يكمل "نابل": "هي قلعة المضيق الي مبين علينا البناء العالي هي صوامع الحبوب، هي كان مقر، ولحد الآن: مقر لجبهة النصرة"، وضمانا لراحة المشاهد وحرصا على عدم إزعاجه بالبحث تعقب "بي بي سي" هنا بعبارة حازمة تقول فيها: "فصيل تحرير الشام المهيمن والمعروف بجبهة النصرة يتبع عقيدة القاعدة"، ليبدو التقرير بالفعل وكأنه عبارة عن حوار بين شخص وذاته (مونولوج).
وترسخ هوية "المونولوج" أكثر، عندما يواصل "نابل": "لما بيكونوا بشر منتفق معهم، لمن (عندما) بتكف حكومات الغرب وأوروبا وأميركا، ومال الدم (الدعم) الخليجي عن دعمهم وعن تحريضهم في هذا الفكر الجهادي، نستطيع أن نتفق معهم".
وهنا تعلق "بي بي سي": "المدافع صامتة الآن، تركيا وروسيا تحاولان إقامة منطقة منزوعة السلاح، القائد نابل يقول إن الغرب جزء من المؤامرة الهادفة لتدمير سوريا على يد المتطرفين، الدول الغربية كانت قد دعمت بعض مجموعات المتمردين، لكنها نفت تمويل الجهاديين المتشددين".
ولا يخجل "نابل" في أن يردد ما سبقه إليه كثر من أزلام النظام، ومن أبرزهم مفتيه "حسون"، فيقول وأمام كاميرا "بي بي سي" التي تستهدف في تقريرها المشاهد الغربي: "لح يذوقوا هاد الإرهاب في بريطانيا، مخابراتهم وحكوماتهم، بريطانيا وأوربا، زرعوا الشر في بلد الخير، زرعوا الشر في بلد الأنبياء، وسوف يحصدون ما زرعوا عن قريب في دولهم".
وتمرر القناة البريطانية كاميرتها على شارع في السقيلبية مليء بملصقات كبيرة لقتلى النظام، منوهة إلى النظام يمجد قتلاه، بينما يتدخل "نابل" من جديد ليقول: "منذكر نحنا انو في ناس قدمت ما لازم يروح دمها ولازم على باقي رفقاتهم وباقي المقاتلين الاستمرار بالقتال لحين تحقيق النصر والأمن والسلم والأمان في سوريا بشكل عام".
وبختم "حيادها" الذي اعتاد عليه السوريون كثيرا خلال السنوات الأخيرة، تختم "بي بي سي" تقريرها بجملة لا تحتمل الجدل تقول فيها "الحرب ضد المتمردين تم كسبها تقريبا"، وهي عبارة تشبه إلى حد كبير عبارة "وانتصر الأسد" التي لا يمل إعلام النظام من تكرارها، بصورة تثير السخرية.
وبغض النظر عن كل التلاعب البصري واللفظي الذي تحاول "بي بي سي" أن تمرره على متابعيها، وفي خيالها أن هؤلاء المتابعين –جلهم أو كلهم- مغيب عن الواقع، ولم يسمع إطلاقا عن كيماوي الأسد ولا براميله ولا طيرانه، ولا شبيحته ولا مليشياته الطائفية، ولم يسمع قط عن إيران وروسيا ومذابحهما... بغض النظر عن كل ذلك، ألم تسمع "بي بي سي" ولو قليلا عن تاريخ "نابل العبدالله" الذي وصفته بالقائد، ولا حتى عن أفعال المرتزقة التابعين له الذين نعتتهم بـ"المتطوعين".
ألم تصل "بي بي سي" ولا صورة واحدة عن "نابل" ومرتزقته وهم يقصفون قرى "جيرانهم" بالمدافع وصواريخ بركان التي تعد "فخر صناعة" مليشيا "حزب الله"، ألم يصل القناة التي تنبذ "التطرف" نبأ إقامة "نابل" لمعسكرات تجنيد الأطفال تحت مسمى "أشبال الدفاع الوطني"، أم لم يصل القناة "المحايدة" نبأ شهادات التكريم والنياشين التي نالها "نابل" خصوصا من "فلاديمير بوتين" ومسؤوليه، والتي تمتلأ بها خزائن "نابل" ويستعرضها أمام زواره بكل تباه، ومن آخرها ساعة فاخرة تحمل توقيع "بوتين"؟!
وإذا كانت "بي بي سي" حقا غير عابئة بدماء السوريين في إدلب بالذات، بوصفهم "جهاديين ومتطرفين"، أفلا تخجل على الأقل من إبراز شخصية لها كل هذه الارتباطات الطائفية والمافيوية بنظام "بوتين" الذي ما زال صدى جريمة اغتياله للعميل "سكريبال" يتردد حتى الساعة في الصحافة البريطانية، وما زال يسيطر على مناقشات السياسيين في المملكة المتحدة، باعتباره عملا إجراميا واعتداء سافرا على السيادة الوطنية؟!
هل تستطيع "بي بي سي" أن تعطي مسوغا مهنيا واحدا، أو حتى أخلاقيا، يبرر للجمهور مغزى تقديم مجرم حرب بصفة داعية سلام ومحارب تطرف، ووضع شخصية حربية تمرست في القتل والقتال في إطار من الشاعرية والمثالية، وهل هذا يخدم في النهاية ما أرادت أن القناة البريطانية أن تقدمه للجميع كوجبة جاهزة ليرددوا معها: نعم لقد انتهت الحرب بنصر الأسد على الإرهاب!
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية