ضخت قضية الصحافي المختطف، وربما المقتول، جمال خاشقجي الدماء في عروق المعارضة السعودية، من الناحية الإعلامية على الأقل، وهذه المرة بعيدا عن الأجندات السياسية لهذه الفضائية أو تلك، فمسألة خاشقجي لا تحتمل الكثير من التأويل المؤامراتي، وإلى أن يثبت العكس، تتلخص الحالة بأن الرجل دخل قنصلية بلاده ولم يخرج منها، أما البقية فهي تفاصيل ربما لن تتأخر كثيرا حتى تظهر للعلن.
لا يوجد معارضة سعودية بالمعنى التقليدي، وشأنها في ذلك شأن عموم دول الخليج العربي وغيرها من البلدان التي لا تصنف ديمقراطية، وربما في الحالة الخليجية لا يوجد معارضة لا داخلية ولا خارجية، إنما مجموعة أشخاص لكل منهم خلفية ايديولوجية خاصة، لا يجمعهم تيار أو حزب مثلما لم يتشابه دافعهم لتبني موقف معارض لأنظمة الحكم في بلدانهم.
ولم يعرف عن هذه المعارضة عقدها لمؤتمرات أو ندوات، إنما اقتصرت على الظهور الإعلامي المقتضب، وهو عادة لا يرتبط بالفعل المعارض بقدر ما يرتبط بالتعليق على هامش حدث ما له على علاقة بالحالة السعودية، فاقتصرت نشاطاتهم على كتابات في العالم الافتراضي عبر "تويتر" و"فيسبوك" وفيديوهات على مصورة، وهذه على أهميتها بقيت محدودة التأثير، إلا أن الأمر لم يعد كذلك منذ اللحظة التي خرجت فيها مسألة اختفاء جمال خاشقجي إلى العلن، فباتت تغريداتهم متابعة من قبل المتابعين وشبه مصدر لوسائل إعلام كبرى، وهذا أمر طبيعي، وقد لا يكون على قدر كبير من الأهمية، لكنه كذلك عندما يحظى بتفاعل في الداخل السعودي، إذ ومن خلال متابعة بسيطة لا تستند إلى إحصائيات علمية، يمكن ملاحظة زيادة التفاعل مع ما يقدمه المعارضون السعوديون، من منشورات وفيديوهات، وهي إن صحت، تعكس حالة من التململ وعدم الرضا المجتمعي عن الواقع الحالي في المملكة.
قصة خاشقجي مع تداعياتها السياسية والإعلامية ستنتهي آجلا أم عاجلا سواء أدت لتصعيد دبلوماسي قد يصل حد القطيعة بين الرياض وأنقرة أم تم طيها ضمن تسوية ما، لكن من المؤكد أيضا أن هذه القضية لن تمحى من وجدان الكثير من السعوديين قبل غيرهم من العرب، ليس حبا بجمال ولا كرها بالسعودية، لكن هذا الحادث وبشكل مجرد يضاف إلى سلسلة من الحوادث والسياسات التي تسير عكس حركة التاريخ في منطقة متحركة لم تعد فيها الشعوب آخر من يعلم، ولن تعود الساعة إلى ما قبل انطلاق ثورات ربيع العرب رغم كل العابثين بعقاربها.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية