أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"فيسك".. إدلب حاوية قمامة والجيش السوري يستعد لمعركة تحرير الجولان

من تقرير "فيسك"

قد يبدو الأمر مجرد مزحة سخيفة تتماهى مع تاريخ طويل للنظام في إنتاج الشعارات وتصديرها وحشو العقول بها.. ولكنه ليس مزحة أبدا، فهذا هو على الأقل ما حاول تقرير بريطاني إقناعنا به، تمت كتابته بقلم من يسمى "خبيرا بارزا" في الشأن السوري، ونشر في جريدة تنصب نفسها بين الصحف الأكثر رصانة في بريطانيا، بل حتى في عموم أوروبا.

فقد كلف الصحافي البريطاني "روبرت فيسك" نفسه كتابة تقرير مطول يناهز 9 آلاف حرف (نحو 1700 كلمة)، ليقول لنا ودون أن يخجل من نفسه، ولا حتى تخجل صحيفته "ذي إندبندنت".. ليقول لنا وبالفم الملآن إن جيش بشار الأسد مقبل لا محالة على تحرير الجولان، وإن معركة اجتياح إدلب لن تكون الأخيرة ولا الكبيرة، لأن الدور قادم على الجولان المحتل لاسترجاعه من براثن الصهاينة.

ولا يبدو التقرير الأخير غريبا عن تاريخ "فيسك" المغرق في الارتزاق لآل الأسد، حيث كان الرجل الصحافي الوحيد في كل العالم الذي منّ عليه النظام بتسريب بعض الصور من مذبحة حماة 1982، وهو تسريب لو لم يكن مقصودا لكان من المفترض أن يجعل من رأس "فيسك" مطلوبا للنظام، لكن العكس حصل حيث يجيء الرجل ويغدو إلى حضن بشار وأبيه حافظ من قبله، ويحظى بتسهيلات خاصة لا تعطى إلا له، فيقابل المسؤولين السياسيين والعسكريين ويتنقل معهم في مكاتبهم وعلى خطوط المعارك الأولى، ليكتب لاحقا تقارير دعاية سوداء مغلفة بطبقة من "حيادية" و"موضوعية" مزعومتين.

ولكن "فيسك" مع كل هذا التاريخ غير النزيه، يبقى ولسبب غير معروف أحد الوجوه التي حرص الإعلام البريطاني والعالمي طويلا على تعويمها، وهو ربما يذكرنا بنموذج سوري تم تعويمه بنفس الطريقة قبل سنوات؛ ليكون مصدر المعلومات الأول و"الأوثق" حول وقائع الحرب في سوريا.

وانطلاقا هذا الاعتبار، وسعيا لوضع القارئ في صورة درك الارتزاق الذي هوت فيه صحف غربية وصحافيون غربيون، وجدتُ من الضروري أن أترجم المقال الذي كتبه "فيسك" ونشره مؤخرا في صحيفته "ذي إندبندنت"، تحت عنوان: "عندما تنتهي معركة إدلب، أين سيذهب بعدها المقاتلون الذين أقسموا اليمين على عدم الاستسلام".

بعد العنوان مباشرة تبرز الصحيفة قول "فيسك" إن "الجيش السوري يتدرب على القتال في التلال، من أجل خوض للمعركة النهائية في الجولان الذي تحتله إسرائيل، فالمعركة النهائية لن تكون في إدلب المحكومة من قبل جبهة النصرة، ومن المفترض أن الجولان على الطريق".

وفي بداية تقريره، يحاول "فيسك" ظاهريا أن يرسم بقلمه لوحة لطبيعة المنطقة في إدلب، لا يتورع عن تضمينها إشارات واضحة تدين "الإسلاميين" بكل الخراب الذي لحق بسوريا، دون أن ينبس ببنت شفة عن الطرف المقابل (أي النظام ومليشياته المغرقة في الطروحات الدينية المتطرفة).

ويواصل: "أرسل الإسلاميون طائرة بدون طيار مطلية بلون فضي فوق الخطوط السورية قبل ساعات من وصولي، تم إسقاطها بنيران البنادق، كانت العبارة التي دونتها النصرة على الجناح هي الكلمات التالية: إذا تلقيت هذه الرسالة، فهناك ما هو أسوأ، ووقعت الرسالة باسم طارق بن زياد من الأندلس".

وبكل خبثه المعهود، يسعى "فيسك" للتقليل من حجم المذبحة التي يمكن أن تشهدها إدلب حال هجوم الاحتلال الروسي والنظام عليها، فيقول: بالعودة إلى الوقت الحاضر، هل سنكون حقا أمام برلين عام 1945 بمأساتها الكبيرة،؟ هل سنكون أمام مشهد "خسارة بشرية" غير مسبوقة، كما تعبر الأمم المتحدة عن خشيتها؟ وأمام "المجزرة" التي يحذر منها أردوغان؟ وأمام الهجوم "المتهور" الذي يزمجر ترامب بخصوصه؟ أو أمام "استئصال خرج الإرهاب" بحسب سيرغي لافروف ، الذي يتحدث كما تتحدث إسرائيل حين تشير إلى حركة "حماس" في غزة؟ لقد أصبح لافروف خبيراً "إرهابيا" تماما، فيما نحن نتجه إلى هرمجدون (معركة الملحمة الكبرى بالتعبير اليهودي).

ويتابع: "أعتقد أنك يجب أن تتمتع قليلا بحس المحقق، عندما تقود سيارتك خلال هذه الطرق والممرات ونحو التلال، حيث يتم إخفاء أسلحة اللواء جهاد السلطان في التحصينات الأرضية.. هذه الأسلحة ليست للعرض... بعد ساعات من مغادرتي جورين (ريف حماة)، أطلق متمردون إسلاميون رشقة من الصواريخ والقذائف على الخطوط الأمامية السورية، وانفجرت في أرجاء المدينة. كان الهجوم قصيرا، وكان الثاني خلال أسبوع، وكان من الواضح أنه كان يهدف إلى استفزاز الجيش السوري. وبما أن المشتبه بهم المعتادين -المعارضة المسلحة في جسر الشغور- لا يمكن القبض عليهم، فإنهم يستطيعون، حسب اعتقادي، أن يتوقعوا ردا بإطلاق نيران المدفعية والصواريخ عليهم.

ويمضي "فيسك" واحد من أول الأشياء التي لاحظتها في مكتب اللواء سلطان، الذي يحمل لقب رئيس اللجنة الأمنية في إدلب، صورتين كبيرتين في مكتبه للرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، وعلمين أحدهما سوري والآخر روسي بنفس الحجم، قد لا تكون هذه عملية روسية- سورية مشتركة على الأرض، فقد شاهدت فقط مركبة شرطة عسكرية روسية واحدة طوال فترة رحلتي في حماة.

وحسب "فيسك" فإن اللواء جهاد سلطان، كان برتبة ملازم أول يخدم في سلاح المدرعات إبان نشوب معركة "السلطان يعقوب" في لبنان، والتي وقعت أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وهو –أي سلطان- يتحدث اليوم عن الأصدقاء الروس، ويصر على أن الجيش قادر وانطلاقا "من ساعة الصفر" أن يكون وسط "جسر الشغور" خلال أسبوع واحد.

ويواصل الصحافي البريطاني: يزعم اللواء سلطان، وهو رجل مدبب الرأس قصير الشعر، يخدم في منطقة حوض العاصي منذ 3 سنوات، أن لديه العديد من "المساعدين" في محافظة إدلب الذين يرسلون له معلومات عن مقاتلي المعارضة وأسلحتهم. يظهر الهاتف المحمول قائلا: "واحد منهم أرسل لي هذه الصورة". في الصورة يظهر عدد من الرجال الذين نصبوا ما يبدو أنها مشنقة حديدية كبيرة، على ما يبدو في بلدة معرة النعمان ، التي تسيطر عليها الآن النصرة (تصحيح بسيط ومقتصب من زمان الوصل للصحافي "الكبير": المشنقة نصبت في مدينة حارم وليست في معرة النعمان، ومعرة النعمان هي من أشد مدن الريف الإدلبي التي ناوءت وجود النصرة فيها).

ويقر "فيسك" أن النظام والروس قصفوا معرة النعمان مرات عدة، وأن الدم جرى فيها، مذكرا بأن الدم جرى من قبل في هذه البلدة خلال التاريخ. حيث كتب الصليبيون أنفسهم كيف "أُجبروا على أكل أجساد خصومهم العرب المسلمين"، عندما ضربتهم (أي الصليبيين) المجاعة.

ويشير "فيسك" إلى خريطة أمام "سلطان" لونت فيها مناطق النظام بالأحمر بينما ميزت مناطق النصرة وحلفاؤها بالأسود (يصر فيسك على إقحام النصرة في كل الفقرات، ويتغافل عن ذكر أي فصيل آخر)، مشيدا بـ"الجنرلات السوريين الكبار"، ومنهم القائد الشرس الذي يعرفه كل سوري بلقب "النمر"، حسب تعبير "فيسك" الحرفي، والجنرال "صالح" الذي يلقبه رجاله بـ"القيصر" (هنا أيضا تصحيح بسيط ومقتصب من زمان الوصل، الجنرال المقصود هو العميد صالح عبدالله المقلب لدى تابعيه وجمهوره بلقب السبع وليس القيصر).

ويصل "فيسك" إلى بيت القصيد في كل تقريره الدعائي، ليقول: "لكن أين سيذهب كل المقاتلين الذين أقسموا اليمين على عدم الاستسلام لاحقا (أي بعد إدلب)؟ هذا هو السؤال. عندما استسلموا (الفصائل) وسلموا معاقلهم في المدن السورية الكبيرة، تم نقلهم جميعا إلى حاوية قمامة الإسلاميين في إدلب (هل كان هناك لدى "فيسك" تخاطر مع بوق مليشا حزب الله سالم زهران الذي ظهر على تلفزيون النظام ونعت أهل إدلب وسكانها بالنفايات مطالبا بإعادة تدويرهم.. إم إن "الصحافي الكبير" وهذا البوق يستمدان تعبرياتهما من مصدر واحد؟!).

وعلى أساس أن ناقل الكفر ليس بكافر، يمضي "فيسك" ناسبا الكلام لـ"سلطان" عن وجود ممر بري بين إدلب والحدود التركية، وهناك مراكز" خفض التصعيد" العسكرية التركية تبعد 12 ميلا فقط عن مقر الجنرال، الذي يقول إنه يمكن للسوريين البقاء أما الأجانب فيجب أن يغادروا.

ويعرض "فيسك" ما يسميه أطروحة "الجنرال سلطان" التي تنفي وجود المدنيين في كثير من قرى إدلب، مدعيا –أي فيسك- بشكل غير مباشر أن "المقاتلين الإسلاميين" أسكنوا عائلاتهم في جسر الشغور، ومصرحا بخطورة هذه الخطوة، وكأنه يبرر استباقيا تدمير المدينة واستباحتها.

ويلفت "فيسك" إلى حديث اللواء جهاد سلطان حول الذين عادوا إلى صفوف جيش النظام بعد أن "فروا" منه، وكيف أجبر الفقر الرجال على الانضمام إلى المعارضة، ثم بحلول عام 2015 ، "أدرك هؤلاء أنها لم تكن معركة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد دعمنا أصدقاؤنا الروس بأسلحة مناسبة في الوقت الذي كانت سوريا تحارب".

ويختم فيسك: "يوافق سلطان على أن الجيش السوري قد تدرب على القتال في التلال استعدادا للمعركة النهائية في الجولان الذي تحتله إسرائيل، وليست المعركة النهائية الخاصة بإدلب التي تحكمها النصرة، ومن الواضح أن إدلب تقع في الاتجاه المعاكس للجولان، ومن ثم يفترض أن معركة الجولان آتية. وهذه قصة أخرى".

إيثار عبدالحق - ترجمة - زمان الوصل
(142)    هل أعجبتك المقالة (146)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي