أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الرقابة أمّ المشاكل في الدراما العربية

يأتي النجاح الكبير الذي حققته الدراما السورية خصوصا والعربية بصورة عامة على صعيد المشاهدة والانتشار في ظل تعثر المسرح والسينما في عدد من الدول العربية، ليطرح جملة من الأسئلة حول الأثر الاجتماعي لهذا الفن سواء على الصعيد الإيجابي أو السلبي.

وإذا كانت الفضائيات العربية ساهمت إلى حد كبير في انتشار الدراما كفن جماهيري، فإن البعض يرى أن هذه الأخيرة حاولت في السنوات الماضية إلقاء الضوء على عدد كبير من الظواهر الاجتماعية المهمة، وخاصة تلك التي كان الحديث عنها يدخل في إطار المحرمات، مشيرا إلى أن بعضها نجح في تغيير بعض الأنماط الاجتماعية السلبية السائدة، في حين يرى البعض الآخر أن الدراما ساهمت -إلى حد ما- في تكريس بعض القيم والتقاليد البالية، من خلال تقديمها بصورة إيجابية وإغفال الجوانب السلبية فيها.

وترى المخرجة واحة الراهب أن الدراما لا يمكن أن تحدث تغييرا أو "ثورة بالمعنى الآني أو الفعل السريع"، مشيرة إلى أن دورها ينحصر -بالدرجة الأولى- في تسليط الضوء على هموم الناس، "ولكن هذا التراكم الكمي من الصور والمشاهد للأحداث التي تقدمها الدراما سيؤدي مع الزمن إلى تغيّر نوعي في ذهن المشاهد يدفعه للبحث عن حلول."

وتضيف "الدراما السورية ارتفعت بذائقة الجمهور إلى درجة كبيرة لدرجة أن المحطات العربية الأخرى أصبحت تقلد الدراما السورية من خلال الارتقاء بمستوى الصورة والصدق في معالجة الظواهر الاجتماعية."

وتقول الراهب إن الدراما قد تحرّض المشاهد نحو بعض المظاهر الإيجابية كالمقاومة والترابط الاجتماعي، "ولكنها في ذات الوقت قد تكرّس بعض المفاهيم المتخلّفة التي تسيء للمرأة، وتقدّمها بشكل تبدو وكأنها قانعة بعبوديتها وسيطرة الرجل عليها، وتحاول الدراما تسويق ذلك وكأنه شيء إيجابي فيتمثّله المجتمع ويحاول البعض تقليده."

وتتابع الراهب "هناك بعض الأعمال الدرامية تحاول إرجاعنا إلى الأُطر الضيقة للمجتمع المتخلف، فبدل أن نتحدث عن الأمة العربية أصبحنا نغرق الآن بأطر ضيقة جدا لنعيش بمفهوم القبيلة والعشيرة، ولذلك أنت ترتهن لأفكار التخلف في القبيلة وليس للأفكار الكبرى والانفتاح على العالم الواسع."

فيما يؤكد الكاتب غسان زكريا أن الفعل الاجتماعي الفوري الذي تحدثه بعض الأعمال الدرامية هو فعل مؤقت سببه العدوى الاجتماعية وحب التشبّه ببعض الشخصيات، "وقد وجدنا ذلك في بعض الأعمال كـ'الجوارح' و'باب الحارة' حيث تأثر الناس ببعض الشخصيات وحاولوا تقليدها، ولكن هذا التأثير انتهى مع نهاية عرض المسلسل."

ويرفض زكريا منع بعض الأعمال الدرامية بذريعة أنها تثير النعرات الطائفية، مشيرا إلى أن ذلك يدل على أن الطائفية موجودة أساسا في المجتمع "وإذا كانت هذه القضايا موجودة فهي ستطفو على السطح سواء بوجود عمل درامي أو بدونه، عموما أنا لست مع هذه العقلية، وأرفض مبدأ المنع أو الوصاية."

من جانبها تؤكد المخرجة إيناس حقي أن إحداث تغيير اجتماعي هو "مسألة صعبة تتطلب خطوات كثيرة لا أعتقد أن الدراما وحدها تستطيع ذلك، لكنها تستطيع توجيه نظر المجتمع، نحو مشكلة، بمعنى أنها تلقي الضوء على المشكلة وتناقشها، ولكن يجب أن يكون هناك محللين اجتماعيين يساهمون بالتغيير الاجتماعي."

وتقول حقي إن الدراما إذا أرادت أن تكون جادة وتطرح مواضيع تهم الناس، يجب عليها أن تكسر التابو في تناولها للظواهر الاجتماعية، "يجب أن تثير الجدل من خلال تكريس الجانب التنويري في المجتمع ومحاربة الجهل والفقر والتخلف، وقد وجدنا ذلك في بعض الأعمال السورية التي عُرضت خلال الموسم الماضي كـ'ليل ورجال' الذي يحارب الشعوذة، و'ليس سرابا' الذي يطرح قضية الزواج بين الأديان."

وتؤكد حقي أن الدراما يجب أن تبحث في جميع المواضيع، ولكنها توصي بالحذر خلال معالجة مواضيع إشكالية، لأن "أي خطأ في المعالجة قد يؤدي إلى نتائج اجتماعية عكسية."

وتشير حقي إلى أن الرقابة تلعب دورا سلبيا في منع بعض الأعمال الهادفة، متسائلة: "ما الهدف من وجود شخص يُقرر عن المجتمع ما يجب أن يشاهده، الدراما في النهاية موجهة للمجتمع، وبالتالي عليّ أن أقدم له عالما موجودا لا عالما افتراضيا أو غير واقعي، ليس فيه مشاكل ولا هموم للناس، وفي هذه الحالة ما الفائدة من تقديم هذه الأعمال؟ وأي رسالة تحتويها؟".

فيما يقول الباحث الاجتماعي د. طلال مصطفى "تعتبر الدراما والمسرح إحدى فروع علم اجتماع الفن، ولكن الدراما أكثر جماهيرية، باعتبارها تدخل كل بيت ويشاهدها الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية."

ويؤكد مصطفى أن الدراما تؤدي وظيفتين: الأولى أنها تعكس التغيرات الاجتماعية بشيء من الموضوعية، والثانية أنها تلعب دورا في عملية التغيير الاجتماعي، من خلال تغيير الأنماط القيمية والمفاهيم الاجتماعية.

ويضيف "أحيانا قد تؤدي الدراما الوظيفتين معا، فمثلا قد تصور الواقع الدوني للمرأة وتدعو إلى نوع من الثورة لتسوية أوضاع المرأة مع الرجل، أو تعرض لنماذج من النساء القادرات على مواجهة الواقع الاجتماعي التقليدي، كما أن هناك بعض الأعمال الدرامية تكرس فكر المقاومة وتحاول ترسيخه لدى الناس، ونذكر هنا على سبيل المثال 'التغريبة الفلسطينية' التي صورت المعاناة الفلسطينية وأعطت نماذج إيجابية للشخصيات الفلسطينية المقاومة."

ورغم أن مصطفى يشير إلى وجود بعض الأنواع الدرامية التي تسعى للتهريج والتسلية وتمضية الوقت، ولكنه يؤكد بالمقابل خطورة بعض الأعمال الاجتماعية التي تعكس الواقع الاجتماعي السلبي وتسوق له وكأنه إيجابي، متخلّية عن الوظيفة الثانية للدراما وهي الدعوة إلى التغيير من خلال إيجاد حالات اجتماعية أخرى إيجابية، وترك خيار المقارنة للمشاهد."

ويتابع "تحاول بعض الأعمال تجميل العلاقة بين الابن والأب التي تقتضي خضوع الأول للثاني، كما تحاول تكريس النظرة الدونية للمرأة وطاعتها العمياء لزوجها وخير مثال لذلك مسلسل "أهل الراية" و"باب الحارة" الذي يُصوّر المرأة بشكل سلبي دون إيجاد مقابل إيجابي، فهي ملتزمة بالبيت،عملها في المطبخ ومهمتها طاعة الزوج فقط، في حين أن الفترة التي يتحدث عنها العمل (مرحلة الحكم الفرنسي) كان تحوي نماذج إيجابية للمرأة الفاعلة اجتماعيا، لكنه لم يتطرق لها."

ويقول مصطفى إن البعض وجد إيجابيات كثيرة في باب الحارة لأنه دعم نمطا ثقافيا سلفيا سلبيا يؤيده هو، مشيرا إلى أن "هناك اتجاهات سلفية تقول إن عمل المرأة الأساسي هو المطبخ."

ويضيف "لا شك أن نجاح مثل هذا النوع من الأعمال يعود لحنين البعض -وخاصة الشباب- نحو الماضي على اعتبار أنه أفضل من الحاضر، ويعود ذلك إلى الهزيمة الثقافية والاجتماعية التي يعانيها هؤلاء بسبب فشل الاتجاه التحديثي في العالم العربي وعدم قدرته على إنجاز التغيير الاجتماعي."

ويعتقد مصطفى أن الحل الوحيد يكمن في إعطاء الوظيفة الحقيقية للدراما "فنحن بحاجة لتصوير الواقع الاجتماعي كما هو، والدعوة للتغيير الاجتماعي أو إحداث فعل اجتماعي، ويجب أن لا ننسى أنه ليس هناك تغيير اجتماعي بالمعنى المطلق."

ويضيف "على الدراما أن تصور الواقع بسلبياته وإيجابياته، فحين تتناول المرأة مثلا يجب أن تقدم صورة المرأة التقليدية الملتزمة بالمنزل، وبنفس الوقت تقدم صورة للمرأة العاملة الملتزمة بقضايا بلدها، وهذا الأمر ينطبق أيضا على الشباب الذي يحاول البعض تقديم الجوانب السلبية (بطالة-مخدرات-إيدز)، ويغفل الجوانب الإيجابية (العمل- المقاومة)".


حسن سلمان - ميدل ايست اونلاين
(121)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي