• تحول جذريا واستعاض عن خوذة المهندس بعمامة السيد.
• الوحيد الذي حظي بهتافات تحاكي هتاف الثورة السورية الأكبر.
• الثورة السورية وضعته أمام تحول جديد وجارف، أنساه تحوله الأول.
• باع أقرباء قباني البيت إلى أسرة "نظام" الشيعية، التي استوطنته من حينها، ورفضت التنازل عنه حتى لـ"نزار" نفسه.
الانفصال بين الوثائق وشهادات المصادر يقوي مصداقية الأخيرة.
أثار تدخل ممثل الشيعة الأكبر في سوريا "عبدالله نظام" في قضية "زين العابدين مراد" المحرض على حرق دمشق بمن سكنها.. أثار حفيظة فئة غير قليلة من الشيعة، وأعاد تذكيرهم بقضايا كثيرة تخص "نظام" كان يحاولون نسيانها، كما علمت "زمان الوصل" من مصادر داخل الطائفة.
وتجلى تدخل "نظام" في مسارعته إلى تطويق "النار" التي أشعلها كلام "زين العابدين"، لاسيما أن الأخير تفوه بعباراته خلال جنازة قتيل من عائلة "نظام"، ووسط حي الأمين، الذي يعد "عبدالله نظام" نفسه زعيما له ووصيا على القاطنين فيه من الشيعة.
وحسب مصادرنا، فإن شكل هذا التدخل والمسارعة فيه، جاء ليذكر أبناء الطائفة من مناطق أخرى بمواقف "نظام" المتراخية واللامبالية أحيانا إزاء ما واجهوه خلال السنوات الفائتة، لاسيما في قرى الشمال (نبل والزهراء، كفريا والفوعة)، علما أن الرجل –كما سيتضح في تقريرنا- ليس مجرد "سيد" يتربع على الواجهة الدينية للشيعة في سوريا، بل هو صلة الوصل والشريان الذي تتدفق عبره الأموال الطائلة القادمة من إيران، والتي تعرف اختصارا باسم "الإمداد".
*مد الخميني أسعد حافظ وأقلقه
وقبل فتح ملف "نظام" وما يشوبه من اتهامات يوجهها أبناء الشيعة أنفسهم إليه، ارتأت "زمان الوصل" أن تتفرد بتقديم نبذة عن الرجل وسيرته، معتمدة على مصادرها وعلى وثيقتين مخابراتيين تخصانه.
ولد "عبدالله نظام" في دمشق، وأتم دراسته حتى نال شهادة الهندسة وعين في مؤسسة الإسكان العسكري وتدرج فيها حتى تم تسلميه رئاسة أحد فروعها، وكان خلال ذلك "باباً" لتوظيف عدد من شباب الشيعة والمقربين منه، فضلا عن امتلاكه مكتبا هندسيا خاصا به.
وقد كان لعمل الرجل في حقل الهندسة ثمار عدة من أبرزها "مجمع السيدة فاطمة" في حي الأمين بدمشق.
وفي تغيير جذري، قد يبدو فجائيا ولكنه مفهوم في سياقه، انتقل الرجل من حقل الهندسة إلى حقل "الدين"، واستعاض عن خوذة المهندس بـ"العمامة" شاقا طريقه نحو الدراسة "الحوزوية" بينما كانت إيران تشق طريقها في نفس الوقت إلى عقول الشيعة في المنطقة، مخبرة إياهم أن: هاهنا "كعبتكم" وهاهنا "حلمكم" الذي جسدته "الثورة الإسلامية".
وخلال السنوات التي تلت عودته إلى سوريا "معمما"، كان "نظام" حريصا على التزام الخطوط التي رسمت لتحركاته المرصودة من مخابرات الأسد والمباركة من قبلها، حيث تتحدث إحدى الوثائق المخابراتية التي بين أيدينا عن قيام "نظام" بتشكيل هيئة شيعية سماها "هيئة علماء أهل البيت"، وضع نفسه على رئاستها بوصفه رئيسا للطائفة في دمشق.
وتنقل الوثيقة عن مصدر (سيتضح لاحقا أنه معمم شيعي من إدلب)، أن الهيئة المشكلة قوبلت بـ"ارتياح كبير" من قبل "الوسط الشيعي السوري"، خلافا لـ"امتعاض شديد" أبداه "الوسط الشيعي الأجنبي" خاصة أن الهيئة لن تسمح لـ"أي مكتب من مكاتب المرجعية الشيعية بسوريا، بل ستدقق بكل شاردة وواردة".
وهنا لابد لنا أن نفتح قوسا كبيرا للغاية، لنشير إلى تقاطع لافت بين مضمون هذه الوثيقة الموجهة إلى رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وبين أحاديث مصادرنا المشككة بتوجهات "نظام" ودوره في خدمة قضايا الشيعة الحقيقية، من منظور هذه المصادر، وصولا إلى التشكيك بانتمائه العائلي فضلا عن كونه من نسل "السادة"، وأقاويل تنسب إليه مؤداها أنه يتمنى دمار كل المكاتب الشيعية في "السيدة زينب"، وسعيه الحثيث لاستصدار أوامر من النظام تأمر بإغلاق وحظر جميع المكاتب والنشاطات الشيعية في سوريا، باستثناء ما كان تحت ولايته.
ويأخذ هذا التقاطع أهميته كونه مبنيا على الانفصال، ونقصد به انفصال المصادر عن الوثيقة المخابراتية وعدم اطلاعهم عليها كليا أو جزئيا؛ ما يحيل إلى تساؤل بحجم لغز حول دور مخابرات حافظ الأسد في توجيه "نظام" وتغيير دفة حياته، بل ربما زرعه ليكون "عينا" له على الشيعة و"معينا" على تطويعها في تلك المرحلة، التي كانت تشهد مداً خمينيا، يقلق حافظ بقدر ما يسعده.
*توحيد
الكلام الوارد أعلاه قد يبدو استنتاجا في نظر البعض، لكن وثيقة مخابراتية أخرى تحوله إلى ما يشبه الحقيقة، حين تكشف عن مصدر تكنيه "أبو ميخائيل" يتحدث عن انتخابات ستجري ضمن "هيئة علماء أهل البيت" هدفها "توحيد مواقف العلماء الشيعة" من النظام، بحيث "لا يتبنى أحد رجال الدين الشيعة موقفا مضادا" للنظام، ثم يتم احتسابه على الشيعة (توحيد كلمة مفهومة في عرف المخابرات والبعث بمعنى تدجين، وصوغ جميع الآراء من النظام في قالب واحد ووحيد).
ورغم أن الاسم الحركي الذي اختارته مخابرات النظام لمصدرها (أبو ميخائيل) يوحي بأنه مسيحي، فإن تدقيق النظر بآخر سطر من الوثيقة يفضح هوية المصدر ويكشف أنه رجل دين شيعي بارز من إدلب، حيث تقول الوثيقة إن "مصدرنا" سيشارك في انتخابات الهيئة، وهو ما يقطع بأنه رجل دين شيعي مؤثر، إذ لا يمكن أن تسوغ مشاركة شخص غير شيعي في انتخاب هيئة شيعية خالصة، ولا يمكن أن تسوغ أيضا مشاركة شخص غير مؤثر في تحديد مصير هيئة من هذا الوزن.
أما كونه من إدلب، فلأن الوثيقة صادرة عن فرع المخابرات العسكرية بإدلب، وهي موجهة من رئيس هذا الفرع شخصيا إلى رئيس شعبة المخابرات العسكرية، تعلمه بما أدلى به "المصدر" العامل لصالح فرع إدلب.
وعند هذا الحد نجد أنفسنا ملزمين بالتوقف عن الحديث حول الاختراق المخابراتي الذي لم يغادر ديناً ولا طائفة في سوريا، كونه حديثا طويلا ومتشعبا، من شأنه أن يشتت انتباه القارئ عن الموضوع الرئيس المتعلق بسيرة "نظام" ومسيرته، لاسيما خلال السنوات العجاف.. سنوات الحرب والدمار، وتدفق الأموال والحشود من كل حدب وصوب، وفي المقدمة بلا شك الصوب الإيراني.
فإلى قبيل اندلاع الثورة التي واجهها النظام بالحديد والنار والشحن الطائفي بمشورة وتحريض مباشر من طهران.. إلى قبيل هذه الثورة كان نشاط "نظام" محصورا إلى حد كبير في الجانب الديني المغلف بغطاء تعليمي اجتماعي تمثله "الجمعية المحسنية" عبر تسنمه رئاسة مجلس إدارتها، وهي الجمعية التي تعني لشيعة دمشق خصوصا ما تعنيه، لارتباطها بحياتهم وارتباط اسمها برمز ديني استثنائي لديهم (العلامة حسين الأمين).
وما إن اندلعت الثورة، حتى وجد "نظام" نفسه أمام تحول جديد وجارف، أنساه تحوله الأول من مهندس إلى "سيد معمم"، فقد وقع اختيار مرشد إيران "خامنئي" عليه من بين الجميع، ليكون رجل "الإمداد" في سوريا، أي الشخص المكلف باستلام رزم الأموال التي ترسلها طهران تباعا، من أجل أن توزع وتصرف على تلبية احتياجات الشيعة في مختلف المناطق السورية، وعلى تنوع هذه الاحتياجات (رواتب، إغاثة، طبية، تعليم...).
ورغم أنه يصعب بل يستحيل الحصول على رقم دقيق لحجم هذه الأموال الإيرانية المتدفقة نحو سوريا، فإن النظر إلى حجم تدخل طهران وانخراطها في الكارثة السورية، وحرصها على وضع كل شيعة سوريا تحت جناحها وإلحاقهم بها، بعد تنصيبها الراعي الأول والحامي الأكبر لهم.. كل هذا من شأنه أن يشير بوضوح إلى حجم الأموال الضخم الذي صب في يد "نظام"، لاسيما بعد أن استجدت قضية "حصار" بلدات الشمال الشيعية الأربع؛ ما فتح باب فساد عريضا لمستلمي الأموال و"المساعدات" العينية الإيرانية والمكلفين بتوزيعها، وفي مقدمتهم بلا شك "أمين خزائن خامنئي" في سوريا، عبدالله نظام.
*"الدولة" رمتكم
مثلت الأوضاع التي عاشها أهالي نبل والزهراء (ريف حلب)، وكفريا والفوعة (ريف إدلب) بالذات.. مثلت تجربة واقعية ومريرة للغاية، كشفت لهؤلاء كثيرا من المظاهر الخادعة، بحسب ما تنقل مصادر من الطائفة الشيعية نفسها، ومن أهالي هذه البلدات تحديدا.
وخلال ربيع العام الماضي بالذات، وبالتزامن مع إجلاء مجموعات كبيرة من "الفوعتين" تنفيذا لما عرف باتفاق المدن الأربع (الزيداني ومضايا من جهة، وكفريا والفوعة من جهة)، وصل الاحتقان الشيعي من "نظام" ومنظومته حد الانفجار، بعد فترة طويلة من محاولات الكتمان المؤسسة على مقولات من قبيل: ما بدنا (لانريد) ننشر غسيلنا الوسخ، ما بدنا نشمت الآخرين فينا، لازم نظهر متماسكين أمام الطرف الآخر...
لكن ما حصل قبيل وإبان عملية الإجلاء أسقط كل تلك المقولات، ودفع حشودا من الشيعة للخروج عن صمتهم والهتاف صوتا واحدا "الشعب يريد إسقاط عبدالهش نظام"، في محاكاة للهتاف الأكبر الذي أعلنته ثورات الربيع العربي، ومن بينها الثورة السورية، ولعل "نظام" هو الوحيد الذي حظي بهذه "المحاكاة" من لدن الموالين، وقد ساعدهم على ذلك بلا شك حنقهم الشديد عليه، واتحاد لقبه (نظام) مع النظام!
وبحسب المصادر، فقد دفع شيعة كفريا والفوعة بالذات ثمن هذا الهتاف لاحقا، وهم ينقلون إلى "مراكز إيواء" متواضعة التجهيز (حسياء ودير بعلبة)، أو يُسكنون في شقق لايلبثوا أن يُطردوا منها أو يقطع عنهم "الإمداد" الذي يمكنهم من دفع إيجاراتها.. ليجدوا أنفسهم في الشارع، ويزداد حنقهم على "نظام" كونه "آمر الصرف" المعتمد للأموال الإيرانية.
صورة لمرتزقة من كفريا والفوعة بـ"الجاكيتات" التي أرسلها "نظام" لهم
ومما ضاعف هذا الحنق، قناعة من تم إجلاؤهم حينها بأن "نظام" تعمد إذلالهم وتشريدهم في الطرقات، فقد أخبر سلطات النظام أنه سيتكفل بكل احتياجات الحشود، وطلب من شيعة بقية المناطق أن لايتدخلوا لأن الموضوع في عهدته، ولما وقع الإجلاء وتدفقت الجموع، تقاعس بل وتنصل من تعهداته وأشاع بين الناس أن "الدولة" هي من رمتهم وتخلت عنه.
ولكن حادثة الإجلاء وما شابها من ملابسات كشفت حجم التسيب و"التقصير" قياسا إلى حجم "الإمداد" الإيراني، لم تكن الحادثة الوحيدة فقد سبقتها ولحقتها حوادث كثيرة، يتناقلها الشيعة فيما بينهم، ومنها إرسال "جواكيت" قديمة بألوان مضحكة إلى أهالي "الفوعتين"، حيث لبسها بعض مرتزقة البلدتين والتقطوا الصور الساخرة، مع تعليقات تدين "نظام" شخصيا.
"نظام" الذي يطلق عليه أحد المعممين في حمص (تحتفظ الجريدة باسمه) لقب "طحينة"، مشيرا إلى أن والده كان يعمل في "الطحينة".. "نظام" هذا كان وللمفارقة متهما أيضا بالمسؤولية عن واقعة علب "الحلاوة الطحينية" التي أرسلت إلى البلدتين العام الماضي بالتزامن مع عيد الأضحى، فوصلت مهشمة وغير صالحة للاستهلاك.
ورغم أن هاتين الواقعتين أخذتا صدى شعبيا لدى شيعة الشمال تحديدا، فقد كانتا صغيرتين للغاية في مقابل قضايا أخرى تتعلق بملفات "الاستثمار" الذي انخرط فيه "نظام"بذريعة توظيف الأموال الإيرانية في خدمة الطائفة.
*المرصد الإيراني
ففي الوقت الذي كانت كثير من العائلات الشيعية بحاجة إلى "إمداد" ينتشلها من الفقر أو من حالة مرضية مزمنة تتطلب تكاليف كبيرة، كان "نظام" ومنظومته يتعذرون بعدم كفاية "الإمداد" أو انقطاعه المؤقت، فيما كانت أمور مشروعات "الاستثمار" تسير على قدم وساق وبلا عوائق.
وأمام هذا الواقع وجد كثير من شيعة الشمال والوسط والجنوب (حلب، إدلب، ريف حمص، بصرى الشام..) يصرخون محتجين، مطالبين بمعرفة الدليل "الشرعي" أو "الأخلاقي" الذي يجعل بناء المسابح أو إقامة مصنع للفطر أو إقامة فروع لـ"جامعة السيدة رقية" في مناطق نائية أو شراء استراحة كبيرة.. أهم من علاج شيعي مشرف على الهلاك، أو إيواء شيعية مشردة، ربما يكون ابنا أو أخا (ابنة أو زوجة) لشخص قتل وهو يدافع عن إيران ومشروعها ووكلائها في سوريا.
وانطلاقا من أن فئة عريضة من شيعة سوريا، لايريدون أن يفهموا أن لإيران مشروعا يتجاوزهم، فإن من البديهي مثلا أن تجد هؤلاء يستنكرون اهتمام "نظام" بعالم الرصد والفلك، واستثماره –بأوامر إيرانية- مبالغ طائلة لشراء تلسكوبات ووضعها ضمن "مجمع السيدة فاطمة الزهراء" في حي الأمين بدمشق، لتكون تحت تصرف "الجمعية الفلكية السورية".
ففي صيف العام الماضي حضر "نظام" حفل تدشين المرصد الرئيس لـ"الجمعية الفلكية السورية" ضمن "مجمع السيدة فاطمة"، الذي حوى عدة تلسكوبات، بينها تلسكوب هو الأكبر في سوريا كلها.
ولكن لماذا يهتم الإيرانيون عبر "نظام" بتمويل هذا المشروع، وما الغرض من وضع المرصد ضمن مجمع شيعي؟!.. قد يبدو ربط هذا الأمر بـ"مؤامرة" إيرانية مثيرا للضحك من الوهلة الأولى، ولكن الضحك سرعان ما يتلاشى مفسحا مكانه للدهشة، حيث إن وظيفة هذا التلسكوب الأولى تحديد مواقيت الصلوات بدقة، ورصد هلال رمضان وتعيين بداية ونهاية شهر الصوم وفق "الحسابات"، والترويج لهذه الطريقة بوصفها الأمثل والأدق، والطريقة الواجب اعتمادها لدى القضاة الشرعيين في سوريا، في ظل تلوث ضوئي ومناخي يجعل رؤية الهلال بالعين المجردة مستحيلا، وفق تصريحات مسجلة للرئيس الجمعية الفلكية والمسؤول عن المرصد "محمد العصيري".
وقد كان لافتا إلى حد كبير، أن تتناقل مختلف وسائل إعلام النظام نبأ تحديد بداية شهر رمضان لهذا العام عن طريق الجمعية و"العصيري" نفسه، الذي دعا –رغم ذلك!- للمشاركة في "أمسية الرصد" المقامة في "مجمع الزهراء".
هذا التفصيل الذي يبرز تدخل الأموال الإيرانية في مسألة تحديد مواقيت الصلوات وشهر رمضان.. قد يبدو أمرا صغيرا، لكنه في النهاية تفصيل مهم لدى "نظام" ومن يزوده بالأموال، إلى الدرجة التي تجعل شراء التلسكوبات مقدما على "إغاثة" الشيعة، وتلبية متطلباتهم، ومحاولة امتصاص غضبهم على إيران.
*لعنة دولار الخميني
تقول الأصوات المنتقدة لـ"عبدالله نظام" من داخل الطائفة، إن "السيد" استغل الأموال الإيرانية في إشاعة روح الفساد والمحسوبيات، لتشغيل و"تنفيع" أقرباءه ومحازبيه، من أمثال: آل شرف، آل خضير، أيمن الحكيم، حسن عمورة، بشار الشمعة، عماد زلزلة، المعمم نبيل حلباوي...، وهذا الأخير يرتبط بـ"نظام" بعلاقة مصاهرة.
وتشير هذه الأصوات إلى أن الأموال التي يفترض أن تكون "نعمة" على شيعة سوريا، قد تحولت إلى نقمة، حيث نمت على ضفاف نهر الدولارات الخمينية شبكات متاجرة بـ"معاناة" الشيعة البسطاء، تقاسم أرباحها "نظام" ومنظومته، وإلى جانب هؤلاء نافذون في جيش ومخابرات الأسد، وربما وإلى حد أناس محسوبون على الثورة والمعارضة، انخرطوا في صفقات تبادل أسرى ومخطوفين وإدخال مواد على اختلاف أنواعها.
ولم تكن تلك اللعنة الوحيدة لدولارات الخميني، فقد رافقتها لعنة لا تقل بشاعة عمقت الانقسام الشيعي القائم على أسس طبقية ومناطقية، فرسخت لشيعة دمشق مكانتهم أمام شيعة المناطق الأخرى (الشمال، أرياف حمص وحلب وإدلب، حطلة، بصرى الشام..)، بل إنها عززت مبدأ شيعة درجة أولى وشيعة درجة ثانية حتى ضمن المنطقة الواحدة، ففي الشمال تعمقت الحساسيات بين أهالي البلدات الشيعية، وفي دمشق ومحيطها بين الأحياء المختلفة (زين العابدين، الأمين، جعفر الصادق، مليحة..).
ويبدو أن رائحة هذا الفساد قد أزكمت في النهاية أنف المرشد "خامنئي"، ودعته لإعادة النظر في إرسال الأموال إلى "نظام" ومنظومته، لكن ذلك كله جاء بعد فوات الأوان، وشكل من جديد عامل ضغط على "الشيعة" البسطاء، الذين كانوا المتضررين الأوائل من تدفق "الإمداد" ومن توقفه!
ووفقا لوثيقة صادرة عن "أيمن الحكيم" رئيس الهيئة التنفيذية في مكتب "نظام" وصاحب السطوة الكبرى في السيطرة على "الإمداد" الإيراني، فقد تم إيقاف معظم الخدمات الصحية التي كان "نظام" يقدمها -بالوكالة- للشيعة، منذ بداية هذا العام، بذريعة "نقص الموارد المالية"، وبناء عليه وجدت الطبقة المسحوقة من الشيعة نفسها مضطرة للعض على جروح أمراضها المزمنة أو الطارئة، في مواجهةٍ كل خياراتها مرة ومعظم طرقها مسدودة، فهم يدركون حقيقة من يحكم سوريا التي يحملون جنسيتها، ويدركون كيف تجري الأمور في طهران التي تحمل لواء طائفتهم وتريدهم أن يسيروا خلفها "على العمياني"، ويعلمون طبيعة معظم "المعممين" الممثلين لهم والناطقين بلسانهم.
وقبل أن ننهي هذا القسم من تقريرنا الذي يضيق المجال حاليا عن الإحاطة بجميع تشعباته وخيوطها، تقتضي الواقعية المحضة أن نشير إلى بروز شريحة من الشيعة السوريين الموالين بدأت تدرك أن الطائفة لم تكن سوى وقود، ولكنه إدراك لم يأت سوى بعد استهلاك كثير من "الوقود"، ما جعل الحقيقة هنا موازية للفجيعة، ربما يريد الشيعة –كغيرهم- أن يفتحوا أعينهم عليها لكن كارثية الصدمة المتربصة تمنعهم.
*تبويس الشوارب
عودا على بداية التقرير، فإن الحادثة التي أملت علينا فتح ملف "عبدالله نظام" حاليا، ترجع إلى مطلع الشهر الحالي حيث ظهر أحد مرتزقة النظام (زين العابدين مراد) وألقى "قصيدة" تحمل دلالات طائفية فاقعة، تخللتها عبارات تهديد ووعيد بحرق دمشق ومن يسكن فيها (للاستزادة اضغط هنا).
وقد أحدث هذا المقطع ضجة في سوريا، حتى بين الموالين أنفسهم؛ ما استدعى من "مراد" نفسه الظهور في مقطع يحاول فيه ترقيع ما باح به، تلت ذلك إشاعة مواقع النظام لخبر اعتقاله بهدف محاسبته على ما تفوه به، دون أن يكون هناك ما يؤكد هذه الخبر.
وفي الشارع كادت التوترات التي أفرزتها "قصيدة" مراد أن تنفجر، لاسيما في دمشق القديمة، ما دعا زعماء شيعة دمشق، وفي مقدمتهم "عبدالله نظام" إلى التدخل شخصيا، ومحاولة لملمة الفضيحة الطائفية بطريقة هزلية ومثيرة للشفقة على منهاج "باب الحارة"، وهي الطريقة التي عبرت عنها إحدى المواقع الشيعية بمنتهى "الجدية"، واختارتها عنوانا لخبر صغير نشرته: "وجهاء دمشق القديمة يقبّلون شوارب بعضهم".
"تبويس الشوارب" الذي حضره مئات من "وجهاء" دمشق القديمة، بينهم رجال مخابرات وبعثيون ومخاتير ورجال دين و...، كان الشرارة التي أطلقت حنق فئتين من الشيعة على "نظام"، الفئة الأولى رفضت ما أقدم عليه "نظام" واعتبرت اعتذاره عارا وتنازلا في غير محله، لأن "زين العابدين" لم يخطأ مطلقا، وإن كان أخطأ فقد قال ذلك في سورة غضب و"فورة دم".
والفئة الثانية صبت جام غضبها على "نظام" لأن هذه "الحمية" التي أظهرها في لملمة قضية "مراد"، لم يظهر ولو معشارها عندما كان الشيعة "محاصرين" في بلداتهم، أو مشردين على الطرقات وفي مراكز الإيواء، أو منبوذين بلا طعام أو دواء.
وقد عرضنا آنفا ما يكفي من الاتهامات الموجهة إلى "نظام" والموجبة لغضب الفئة الثانية عليه، أما الفئة الأولى فيبدو أنها لم تسمع تماما ماذا قال "نظام" في معرض كلمته التي ألقاها أمام "وجهاء" دمشق، فـ"نظام" لم يقدم اعتذارا ولا حتى شبه اعتذار، بل إنه التف على القضية كلها بألفاظ غائمة عائمة.
ويوضح مقطع مصور بعض ما أورده "نظام" في كلمته، حيث خاطب الحاضرين: "أتباع أهل البيت ليسوا وجوها طارئة، هم ينتمون إلى سوريا، إلى دمشق لا إلى جهة أخرى ولا إلى بلد آخر... إننا ولدنا من حجارة سور هذا البلد، نحن وجود أصيل".
وتطرق "نظام" بمنتهى المواربة والتلميح إلى جريمة "زين العابدين مراد"، قائلا: "إن ما حصل هو شيء لا ينتمي إلينا ولا نعرفه، هو استغلال شاء سوء حظنا أن نرمى به في لحظة كنا في غفلة من أمرنا.. المسألة لا ينبغي أن تتجاوز هذه القضية.. أكرر اعتذاري من سوء حظنا عما حصل في تلك الحادثة، وأقول لكم إننا جميعا أهل البلد".
ومن الواضح أن إلماما متوسطا باللغة العربية وفنون الخطاب يكفي لتفنيد كل من وسم كلام "نظام" بأنه "اعتذار"، ولنلاحظ مثلا عبارة "استغلال شاء سوء حظنا أن نرمى به في غفلة"، حيث نجد في هذه الجملة القصيرة 4 تنصلات واضحة متتالية من الجريمة تمثلها كلمات: "استغلال، سوء حظنا، نرمى به، غفلة"، ومؤداها أن الأمر ليس مرتبطا نهائيا بالمنهج الذي يتبعه "نظام" لا من قريب ولا من بعيد، ويضاف إلى ذلك أن الاعتذار كان عن "سوء حظنا" وليس عن الجريمة، فهل بعد هذا من تنصل.
وإنه لمن اللافت أن يأتي الرد على "نظام" من داخل طائفته، حيث تعالت أصوات تقول له بصراحة أن "لعن معاوية ويزيد" ليس خطيئة تقتضي التوبة، وإن كان جريمة تستوجب الملاحقة والمحاسبة، فإن على "نظام" أن يعمد إلى معاقبة واعتقال "خطباء و رواديد (منشدي) المنبر الحسيني".
*منطقة عسكرية
قد يظن البعض أن مشهد "السوريالية" التي فرضت معالجة جريمة تحريض طائفي بـ"تبويس الشوارب"، رغم أنها كافية لإشعال حريق ينهي ما تبقى من البلاد المحروقة أصلا.. قد يظن البعض أن هذا المشهد "السوريالي" انتهى عند هذا الحد، إلا أنه في الحقيقة مجرد قطعة من لوحة تكتمل بالنظر إلى مكان عقد اجتماع "تبويس الشوارب".
فالمكان ليس سوى منزل الشاعر المعروف "نزار قباني"، هذا المنزل الذي أوحى لنزار بكثير من الصور والمفردات المنثورة بين ثنايا أشعاره، وجعله متفردا فيما يقول عن كل من سبقوه ولحقوه.
ولكن ما هي قصة منزل "نزار" وكيف آل إلى مكان لـ"تبويس الشوارب" وتصدر المعممين ليخطبوا عن "أصالتهم" في الشام، التي لاتعادلها سوى أصالة حجارة سورها؟!
قبل عقود وفي ظل النفي الذي فرضه حافظ الأسد على الشاعر "قباني" ووجود الأخير بعيدا عن بلده وداره، باع أقرباء الشاعر البيت إلى أسرة "نظام" الشيعية (ما تزال قصة البيع وملابساته غير واضحة)، التي استوطنته من حينها، ورفضت التنازل عنه حتى لـ"نزار" نفسه، الذي اختلس زيارة إلى دمشق في تسعينات القرن الماضي، وحاول إقناع عائلة "نظام" بإعادة بيعه بيته القديم ومهوى ذكرياته، لكن العائلة الشيعية تمنعت ولم تقم لـشهرة ومقام "قباني" أي وزن، فرجاها الأخير أن تسمح له بجولة ضمن البيت فأذنت له.
كان امتلاك أسرة "قباني" لهذا المنزل الكبير بمثابة سلسلة ضمن خطة إيرانية لتمليك الشيعة مزيدا من بيوتات دمشق القديمة، وهو المخطط الذي كان يجري عقب اندلاع ثورة الخميني بروية وحذر، تآكلا بعد وصول بشار للحكم ثم تلاشيا بشكل شبه كلي، بالتزامن مع حربه التي شنها على الثورة وساندته فيها إيران بالمطلق، حيث بات تمليك الشيعة وضخ الأموال إليهم من أجل إتمام هذا التمليك أمرا واضحا وشائعا، و"نظام" نفسه متهم من قبل أبناء طائفته بتجيير قسم من أموال "الإمداد" الإيراني لهذا الأمر، وحجبها عن بسطاء الشيعة وفقرائهم.
وبالمحصلة فقد تحولت ملكية بيت "نزار" إلى ملكية خاصة، بينما كان يفترض أن تشتريه "الحكومة" وتحوله إلى متحف، كما هو العرف الجاري لدي "الحكومات" التي تحترم رموزها، وقد اكتفت كل الحكومات المتعاقبة في عهدي الأسد (الوالد والولد) بمشاهدة البيت من بعيد وكأنه منطقة عسكرية يحظر الاقتراب منها أو التصوير، علما أن هذه الحكومات نفسها انتزعت ملكيات كثير من السوريين تحت ذرائع كثيرة، وما تزال المنازل والأراضي المصادرة في دمشق وسواها ماثلة أمام أعين العائلات التي انتزعت منها، تتناقل العائلات حسرتها جيلا وراء جيل، دون أن تجد تفسيرا منطقيا أو حلا يمكن أن يعيد الحق لأصحابه.
ولكن وخلال شهر آذار/ مارس من العام الجاري، حصل ما يمكن عده اختراقا كبيرا في عرف "النظام" حيث تجرأ معاون وزير ثقافته على الاقتراب من بيت نزار، وتدشين لوحة صغيرة على بوابته فيها كلمات بسيطة من شعر "نزار" (هنا جذوري، هنا قلبي، هنا لغتي).
ويبدو أن التكتم على هذا الإنجاز العظيم الذي قامت به وزارة الثقافة، أو الانزعاج من هذه الخطوة المتواضعة، أو كليهما.. هو ما دفع كل معارف الشاعر "قباني" وأصدقائه الفعليين للغياب عن "حفل" تدشين اللوحة.
*قمر يغيب وألف بدر يطلع
بين ضآلة اللوحة التي وضعتها وزارة ثقافة النظام أمام منزل كان للشاعر "قباني" يوما، وبين اتساع لوحة إسباغ اللون الواحد على دمشق المتعددة، وتجاوز الجرائم بـ"تبويس الشوارب".. بين هاتين اللوحتين تبرز وتغيب تفاصيل كثيرة، وهذا شأن دمشق التي قال فيها أحدهم: "ما بين جابيها وباب بريدها/ قمر يغيب وألف بدر يطلع"، وسبقه بيت آخر يقول فيه "عرج ركابك عن دمشق فأنها/ بلد تذل لها الأسود وتخضع"، ويبدو أن البيتين ضاعا أو فقدا من الذاكرة الدمشقية، تماما كما فقد الحجر الذي دُونا عليه، والذي كان بجانب قوس النصر في مدخل
الهيكل الغربي، كما تتبعت ذلك "زمان الوصل" في قطعة وقعها "عيسى اسكندر معلوف" عام 1933م، وفي نفس هذا الشهر (شهر أيار!).
ولعل من أهم التفاصيل التي تغيب وتطلع، هو أن يكون "نزار" من بين أوائل وأبرز السوريين الذي ذاقوا التهجير الأسدي المطعم لاحقا بنكهة إيرانية، وأن يكون ولمنتهى "السوريالية" صاحب مقطع شعري فريد في مدح "الخميني" وانقلابه، حين قال:
والخميني يرفع الله سيفا
ويهني النبي والإسلاما
هكذا تصبح الديانة خلقا
مستمرا، وثورة واقتحاما.
وهي بالمناسبة، الفقرة الختامية في قصيدة لنزار بعنوان: "مواويل دمشقية إلى قمر بغداد"، يفتتحها بذكر زوجته العراقية "بلقيس" التي قتلتها مخابرات حافظ الأسد بتفجير السفارة العراقية في بيروت.. حيث يقول: "أيقظتني بلقيس في زرقة الفجر/ وغنت من العراق مقاما".
وهي بالمناسبة أيضا، قصيدة مثيرة لأشد درجات الدهشة التي تذهب بمن يقرأها ويسقطها على الحاضر إلى ما "وراء السوريالية"، حيث حضرت فيها دمشق إلى جانب بلقيس المقتولة بيد مخابرات الأسد عبر استهداف سفارة العراق الذي عزم الخميني على تدميره بحرب استمرت 8 سنوات، وإلى جانبهم حضر مدح الخميني بوصفه وكيل الله أو يده وسيفه، وقد أنهى "نزار" القصيدة بتأكيد على هوية العراق وسوريا، اللذين دمرتهما إيران واستباحتهما طائفيا، حيث يختم:
لن يكون العراق إلا عراقا
وهشام العظيم يبقى هشاما
إيثار عبدالحق-زمان الوصل-خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية