أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القامشلي أرض خصبة لانتشار المخدرات زراعة وتعاطيا وتجارة

سجائر ومواد خلط للمواد المخدرة صادرتها اساييش بمدينة عامودا قبل أشهر

ترويج المخدرات وتعاطيها أصبح ظاهرة واسع الانتشار بين الشباب في الشمال السوري عامة وفي منطقة القامشلي بشكل خاص، كما أن تجار المخدرات زادوا نشاطهم بسبب عدم توفر قوة فاعلة على الأرض تردعهم عمّا يفعلون، وسط توفر الأسواق السرية لبضاعتهم في الوضع الراهن إلى جانب الحدود المفتوحة مع العراق وتركيا خلال السنوات الماضية، والضحية جيل من الشباب بأكمله معرض للإدمان على المخدرات مع تزايد عدد المدمنين المستمر، في هذا التحقيق نحاول رصد الظاهرة وأسبابها وآثارها على المجتمع والأسرة خاصة في ظروف الحرب والفوضى التي تعيشها البلاد، مع عرض بعض اقتراحات المختصين لمكافحتها.

*"زارع حشيشة"
قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، كان السكان يرددون جملة: "زارع حشيشة" بصوت منخفض للتعبير عن تعجبهم حين يجدون صديقاً أو قريباً أو أحد المعارف قد جمع مالاً كثيراً بوقت قصير، الأمر أصبح مختلفاً حالياً في المنطقة الواقعة في أقصى شمال شرق البلاد.

يروي علي عبد العزيز (38 عاما) ما حصل مع والده، بعد زراعته نبتة القنب الهندي أو الحشيشة في أرضه، فيقول: إن حاجزاً لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية قريب من قرية "الأميرط" شرق مدينة "رأس العين"، كان يطل على أرض والده، الذي زرع "الحشيشة" للخلاص من ديونه المتراكمة، بعد أن سدت بوجه الطرق كافة لتسديدها، نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة وشحت مستلزماتها.

يقول علي إن عناصر الحاجز كانوا يعرفون هذه النبة جيداً ويراقبون والدي وشقيقي حين يدخلون بين أعواد الذرة مع أحد شركائهم -ينادونه "أبو كاوا"- ليهتموا بمحصولهم الجديد، مضيفاً أنه وباقي أفراد العائلة شعروا بغرابة المزروعات حين أقدم الوالد (م،ع) على حرق النباتات الناتجة عن عملية التفريد بحجة أنها مصابة بمرض خطير قد ينتقل إلى باقي المزروعات في الحقل.

وبسرية تامة جنى المحصول الجديد وخزن في غرفة كانت مخصصة للأغنام بمساعدة الشريك (لا يعرف اسمه الكامل)، لكن وصول عناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية أفشل عملية البيع الأولى وسُجن الشريكان حتى دفعا عن كل شهر سجن من العقوبة 100 ألف ليرة سورية، حسب علي.

ويقول الشاب إن الشريكين استطاعا فيما بعد، بيع معظم الكمية المخبأة بين الجدران المزدوجة لغرف الحظيرة، وذلك بعد أن نقلت الكمية بمساعدة مهربين عبر الحدود السورية -التركية من أحد المعابر غير الشرعية التي تشرف عليها "وحدات حماية الشعب" قرب قرية "علوك" شرق مدينة "رأس العين" إلى الأراضي التركية، حيث تعرف الحشيشة فيها باسم "الأسرار"، مشيراً إلى أن هذه الزراعة انتقلت من جبال شمال العراق وتركيا إلى شمال سوريا مع وصول "الآبوجية" (عناصر حزب "العمال الكردستاني" (PKK) لمساندة امتداده السوري حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) وأذرعه العسكرية قبل سنوات.

*التهريب إلى "عين العرب"
أيضاً، حول الاهتمام بـ"الحشيشة" وتجهيزها للبيع، تحدث "عبد الباري" من أهالي بلدة "أبو رأسين" إنهم زرعوا قطعة من أرضهم بالقنب الهندي أو "الحشيشة" كما يعرف محلياً، وذلك بهدف تحسين وضعهم الاقتصادي الذي تدهور بعد دخول البلاد في نفق الحرب، وإنه كان تعهدها يومياً الرعاية وإزالة الرؤوس المزهرة (التفريد)، لأن هذه الرؤوس تلقح باقي الرؤوس وتجعلها تتفتح وترسل رائحة جميلة وبالتالي تفسد الرؤوس المخدرة، لذا كان يتواجد في الحقل صباح مساء، على حد قوله.

وقال "عبد الباري- 27 عاما" إن رجلاً يدعى "مصطفى" من مدينة "عين العرب" (كوباني) كان يشرف على الموضوع، وهو شخص معروف لدى "وحدات حماية الشعب" بأنه يزرع المخدرات لذا كان علينا الحذر، مضيفاً أن القرارات ضمن الإدارة الذاتية وقتها كانت تقضي بحرق الشتلات فقط، بعد ذلك تم فرض غرامات، وحالياً أمست الدوريات تصادر المزروعات ثم تفرض غرامة ومدة حبس معينة على من يزرع "الحشيشة".

وحول تجهيز "الجزء المخدر" يقول "عبد الباري" إنهم في المنطقة يجمعون الرؤوس الصالحة فقط، وتكون عند نضوجها بطول 25-30 سم أو اكثر، حسب جودة الشتلة، مشيراً إلى عدم وجود خبرات في منطقة "أبو رأسين" لصناعة عجينة منها، لذا تنقل بكراتين إلى منطقة "عين العرب" (كوباني) أو إلى تركيا لتجهّز هناك.

حسب بيانات قوات "آسايش" الكردية، وهي المسؤولة عن أمن المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شمال سوريا، حيث تملك نحو 300 حاجز أمني منتشرة بين مدن وبلدات تلك المنطقة، فإن 251 جريمة تهريب ممنوعات حصلت خلال العام 2017.

واعتقلت "آسايش" الكردية 7 أشخاص مروجين وتجار للمخدرات والحشيش وضبطت معهم كميات من المخدرات والحشيشة في 5 عمليات نفذتها خلال الشهرين الأخيرين من السنة الماضية في الحسكة والرقة، فيما ألقت القبض على شخص يتاجر بالمخدرات يدعى (م ش ا) يوم 26 -11 -2017 بناحية "شرا" التابعة لـ"عفرين" شمال حلب، وكان بحوزته 9 آلاف حبة مخدرة من نوع (كبتاجون)، وتم تحويلهم جميعا إلى لجنة الادعاء في الإدارة الذاتية. 

وسبق أن كشفت الإدارة العامة لشعبة مكافحة الجريمة المنظمة التابعة للإدارة الكردية إحصائية لكمية الحبوب والمواد المخدرة والحشيش المصادرة من قبل مكاتبها كافة في منطقة "الجزيرة" (الحسكة) من الشهر السابع للعام 2016، ولغاية الشهر السادس للعام 2017، وهي 25922 حبة و86 ظرفاً تنوعت بين حبوب "كبنتاغون فوستان و زولام وبالتان وبروغيتال وبيوغابالين وترامادول و فارما بسدو وساما فيد وهيكزول وكلونازبام وكاريزول وسيكروين و اوكسي كودون بلوس"، وهي أنواع جديدة تختلف عن الحشيش والأفيون السائدة بين المتعاطين سابقاً. 

إلى جانب مصادرة 31 غراما من الهيروئين و27 ظرفا أخرى، إضافة إلى 162629 غراما من الحشيش، وإتلاف 1872 شتلة قنب هندي.

كما أتلفت قوات "آسايش" الكردية في "عفرين" شمالي حلب كميات كبيرة من المخدرات ضمن حملة "لا للمخدرات" قي الفترة الممتد بين 1 شباط فبراير حتى 18 تموز يوليو/2017، كانت صادرتها خلال تلك الفترة وهي: "600 غرام معجون حشيش، 109 كيلو حشيش أخضر، 70 ألف حبة كبتيكول، 11 ألف و700 حبة مخدرة، 35 كيلو من مواد مصنعة من حبوب مخدرة".

و في نفس السياق أكد المركز الإعلامي لـ"وحدات حماية الشعب" (YPG) التابعة للإدارة الذاتية في "عفرين"، سجن اثنين من عناصرها بتهمة تعاطي مواد مخدرة".

*"يا مسهرني" في القامشلي
كما كل المناطق السورية زمن الحرب نشط عمل تجار الحبوب المخدرة Captagon -"كبتاغون" في الحسكة والقامشلي، والتي تشتهر محلياً باسم "يا مسهرني"، أو حبوب "الشبح" وذلك لأنها تجعل المدمن لا ينام لمدة ثلاثة أيام متواصلة، أو"حبوب النشوة" لأنها تمنح المدمن شعوراً بالرغبة الجنسية القوية".

أحمد. ع (30 عاما) ضحية أخرى من ضحايا المخدرات بالقامشلي، عاطل عن العمل، له ثلاثة إخوة وثلاث أخوات وهو الأصغر في العائلة، يتيم الأب، أُدمن على الدخان والكحول بعد أن ترك المدرسة وهو في الصف الرابع، والتحق برفاق السوء، كما يقول. 

يغيب أحمد عن البيت لفترات طويلة بعد انقطاعه عن المدرسة، دون محاسبة من أمه أو إخوته، و وجد ضالته في أصدقائه المدمنين على المخدرات، الذين كانوا أكثر قرباً له من أهله، لتبدأ مسيرته بتعاطي المخدرات مع بلوغه الأربعة عشر ربيعا.

يقول أهالي الحي على أطراف مدينة القامشلي إن أحمد شاب محبوب، لكن ظروفه العائلية وأصدقاءه أبعدته عن الحياة الطبيعية السليمة، فشارك المدمنين في تعاطي المخدرات، فجالسهم إدماناً وسهراً، غير مكترث بمحاسبة الأهل، تاركاً الحياة والمستقبل في طيات الزمن تكسوها الغبار، ملتفتاً إلى اللهو و السهر والنساء.

الإدمان أصبح طريقاً جديداً لأحمد، يتعاطى من الحشيش ثلاث سجائر يومياً وأحياناً تصل إلى 10 مع مجموعة من أصدقائه في الخلاء بعيداً عن أعين الرقباء، يحصل عليها من التجار في حييّ "الهلالية" و"قدور بك".

أحمد المصاب بالتهاب الكبد نتيجة التعاطي، يستطيع ترك المخدرات ـكما يدّعي -لكن ظروفه وتفتت الأسرة، وانتشار المخدرات بين الشباب بشكل جنوني وخاصة أصدقاءه، والتزايد المستمر في عدد المروّجين للمخدرات تحول دون ذلك.

أسرة أحمد تعيش على هامش الحياة بالقامشلي، لا تكترث للمخاطر الناجمة من المخدرات والسرقة، وحتى الانضمام إلى مجموعات مسلحة متشددة أو ميليشيات المرتزقة، فالأم امرأة أميّة عمرها 60 عاما، مشغولة بتجهيز الطعام لعائلتها، وتملك قطيعاً صغيراً من الغنم تستثمره في بيّع كميات محدودة من اللبن والحليب للدكانين المجاورة لمنزلها، لا تعرف علامات الإدمان التي تظهر على ابنها، والإخوة عمال تشغلهم قساوة عملهم عن أحمد وما يفعل.

من هنا تتعدد أسباب انغماس الشباب في بؤرة تعاطي المخدرات، منها تفكك العائلة، ورفقة الأصدقاء المتعاطين، والفقر والحرب كتلك التي تعيشها سوريا، فكان لها الدور الأكبر في انتشار المخدرات "تعاطياً و ترويجاً" داخل المجتمع.

*انعدام مراكز العلاج
لم نحصل على نسبة حقيقية للمتعاطين والمتاجرين بها، نتيجة عدم وجود مركز طبي متخصص لمعالجة الإدمان في مدينة القامشلي وعدم تعاون قسم الجريمة المنظمة التابع لقوات "آسايش".

ويعالج الإدمان في العيادات الخاصة للأطباء بسبب عدم توفر مركز متخصص في معالجة الإدمان على المخدرات بالقامشلي، ووفق مصدر طبي، فإن طرق العلاج تتم حسب نوع المادة المخدرة، حيث يعالج بعضها في المنزل ولو بإشراف طبي جزئي كالهيروئين، وبعضها الآخر يعالج حصراً في المستشفيات المختصة بالإدمان كالكحول وبنزوديازبينات، ومدة العلاج تطول بحسب فترة الإدمان".

المؤكد أن عدد المدمنين على المخدرات في مدينة "القامشلي" في تزايد مستمر والفئة العمرية المتعاطية تتراوح بين 20 -35 عاماً ونسبة الذكور أكثر من النساء، وهناك معاناة في معالجة هؤلاء المدمنين لعدم وجود مشافي متخصصة في معالجة الإدمان، وعدم وجود مراكز متخصصة، حسب أخصائي بالأمراض العصبية، فضل عدم ذكر اسمه.

مع غياب المراكز المتخصصة وعدم وجود إحصائية دقيقة لعدد المدمنين في مدينة القامشلي، اعتمد الطبيب على نسب المتعاطين من عدد المراجعين لعيادته، والتي تتراوح نسبة المدمنين على المخدرات ما بين 3 - 5 % من المراجعين، ونسبة العسكرين المدمنين على المخدرات بين 7 - 9 % من المراجعين".

في حالة مجتمعنا ليس للدولة ومؤسساتها أي دور، وقد يكون لبعض المؤسسات الدور في ترويجها، فالمؤسسات الوحيدة التي تعمل هي منظمات إنسانية رغم ندرتها وضعف إمكاناتها المادية والعلمية، وسيطرة أجندة سياسية عليها ومحاولة تسخيرها لأهداف إيديولوجية"، على حد قول الطبيب.

يبقى القول، إن المخدرات من أكبر الآفات التي تهدد المجتمعات، وتعمل على تفكيكها وتفسخها، وهي تجاوز للقانون ـ من قبل متعاطيها في سبيل الحصول على المادة المخدرة بعد الإدمان عليها ـ وأصبح الترويج لهذه المادة شائعة بشكل واسع، في سوريا بعد تردي الأوضاع الأمنية وسيطرة فصائل وأطراف متحاربة كثيرة على مناطق واسعة من البلاد ليس لديها خبرات في مكافحة هذه الظاهرة بل تشجع انتشارها أحيانا، بالإضافة إلى أن الحدود السورية أصبحت مفتوحة أمام تجار المخدرات نتيجة المعارك الدائرة على طول تلك الحدود، فاستغل الكثيرون غياب الرقابة الأمنية في هذه المناطق لترويج المخدرات بين المواطنين.

محمد الحسين - زمان الوصل
(190)    هل أعجبتك المقالة (203)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي