أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نفط السوريين للأمريكيين.. لكن كيف، وإلى أين، سيُصدّر؟

كيف، وإلى أين، سيُصدّر نفط الجزيرة الذي اغتنمه الأكراد برعاية أمريكية؟


في بدايات الحراك الثوري في سوريا، عام 2011، كان لوزير خارجية النظام، وليد المعلم، إطلالة شهيرة، أكد فيها أن تجربة التدخل الدولي في ليبيا ضد معمر القذافي، لن تتكرر في سوريا، لأنه لا يوجد نفط هناك. المعلم ذاته، أقرّ قبل أشهر قليلة فقط، بأن هناك تنافساً شرساً، بين الأكراد المدعومين أمريكياً، وبين الميليشيات الموالية للنظام، بغية تحصيل أكبر قدر ممكن من ثروات النفط والغاز في الجزيرة السورية.

كان ذلك قبل أن يُحسم الصراع، بتفاهم أمريكي – روسي، قضى بتسليم معظم النفط السوري للأكراد، مقابل منح نظام الأسد معظم آبار الغاز، حتى تلك التي تقع على الشطر الشمالي الشرقي من نهر الفرات.

وكحصيلة نهائية، بات الأكراد، ممثلين بميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، يسيطرون على أكثر من 85% من نفط سوريا. بينما يسيطر النظام على أقل من 15%.

تلك التطورات التي تبلورت في مطلع خريف العام 2017، باتت اليوم باتجاه الترسيم، برعاية أمريكية. فالإعلان الأمريكي الأخير عن تأسيس قوة "حرس حدود"، بالتعاون مع ميليشيا "قسد"، ذات القوام الكردي، يعني أن الأمريكيين يقرون، بشكل مبدئي، بالاستقلال الذاتي لكيان يحتل شمال شرق الفرات بأكمله، ويسيطر على معظم ثروة النفط في البلاد.

يدعم ما سبق تقارير إعلامية تحدثت منذ أشهر قليلة، عن استعداد سعودي، وربما أيضاً إماراتي، للدخول على خط إعادة الإعمار في مناطق سيطرة "قسد"، برعاية أمريكية. وقد يعني ذلك، دخول الدولتين الخليجيتين على خط إعادة تأهيل آبار ومنشآت النفط المتضررة في مناطق سيطرة الميليشيا الكردية.

وتوحي المؤشرات الأولية، أن الأمريكيين، بغية تمرير مشروعهم لتدعيم الكيان المزمع شرق الفرات، يعتزمون التخلي عن عفرين، لتركيا. لذا، أعلن البنتاغون أن لا علاقة لواشنطن بالميليشيا الكردية التي تدير عفرين، وأن الأمريكيين لن يتدخلوا في حال حصلت عملية عسكرية تركية وشيكة للسيطرة على ذلك الكانتون "الكردي" المعزول.

ومن غير المؤكد بعد، إن كانت واشنطن ستسعى لتهدئة الأتراك، بغية لجمهم عن شن عملية عسكرية على عفرين، إلا أن الواضح من تصريحات المسؤولين الأمريكيين، أن عفرين ليست ضمن نطاق الحماية الأمريكية، بخلاف مناطق شرق الفرات، الغنية بالنفط.

أما، ما الذي يريده الأمريكيون مستقبلاً من تأسيس كيان مستقل ذاتياً، وغني بالموارد، في الجزيرة السورية؟.. فالأجوبة تتراوح بين ابتزاز النظام وحليفيه الروسي والإيراني، بحاجته الملحة لنفط الجزيرة، كي يكون للأمريكيين دور حاسم في ترتيب مستقبل البلاد إن نجحت مساعي التسوية السياسية فيها.. وبين تدعيم استقلال الكيان المزمع، وصولاً إلى جعله دويلة وظيفية حليفة للأمريكيين، يمكن استثمارها من جوانب عدة، أبرزها الجانب الاستراتيجي، حيث يمكن تطوير القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة فيها، لتصبح أكثر نوعية. ناهيك عن الجانب الاقتصادي المتمثل في ثروة النفط التي تتجاوز، إن أُعيد تأهيل المنشآت المتضررة، 300 ألف برميل يومياً، يمكن الإفادة منها في نشاطات استثمارية لشركات أمريكية، ويمكن من خلالها تمويل نشاطات إعادة إعمار، خليجية، برعاية أمريكية.

لكن يبقى السؤال المُعلّق.. كيف، وإلى أين، سيُصدّر نفط الجزيرة الذي اغتنمه الأكراد برعاية أمريكية؟.. فمن دون كونيدور يصل مناطق شرق الفرات، بالبحر المتوسط، عبر شمال حلب وعفرين وشمال اللاذقية، وهو المشروع الذي أجهضته تركيا، وهي في الطور الأخير من عملية الإجهاض تلك في عفرين.. لا يمكن للأكراد تصدير النفط بأريحية. فهم محاصرون من الشمال بتركيا، ومن الجنوب بالنظام. ومن الشرق، لديهم جارين، أحدهما العراق المحكوم إيرانياً، المناوئ لهم بطبيعة الحال، ومعبر ضيق يصلهم بكردستان العراق، المحاصر بدوره، من تركيا وإيران والعراق الخاضع للأخيرة.

أبرز الأجوبة المحتملة للسؤال الكبير المطروح أعلاه، تنحصر مبدئياً في سيناريوهين، أن يصر الطرفان الإقليميان الفاعلان في الساحة السورية، تركيا وإيران، على إجهاض المشروع الاستقلالي الكردي، شرق الفرات، وبالتالي، فإن النظام سيسير في ركاب الرغبة الإيرانية، وستكون الحصيلة ضغوطاً اقتصادية ولوجستية كبيرة على الكيان المزمع. أو، أن يستجيب أحد هذين الطرفين، تركيا أو إيران، للرغبة الأمريكية، مقابل مكاسب اقتصادية، كأن تقبل تركيا مستقبلاً بتمرير نفط الجزيرة السورية، عبر أراضيها، على غرار ما قامت به مع كردستان العراق لسنوات. أو أن تسمح إيران للنظام بمواصلة سياسته في شراء نفط الجزيرة من الإدارة الذاتية الكردية، بأسعار أقل من السعر العالمي، وعبر صهاريج النفط التي لم تهدأ يوماً، وربما أيضاً عبر أنابيب موجودة، يمكن إعادة تأهيلها.

لذا، ورغم الرغبة الأمريكية في تشكيل كيان كردي مستقل ذاتياً في سوريا، يبقى نجاح ذلك المشروع وقفاً على إرادة الأتراك والإيرانيين، تحديداً. ورغم أن الروس، الحليف الآخر القوي لنظام الأسد، تربطهم أواصر صلة وطيدة بالقوة الكردية الحاكمة شرق الفرات، إلا أن الروس لن يخالفوا الرغبة التركية – الإيرانية، إن كانت صلبة. وكما أجهض الأتراك والإيرانيون، مشروع استقلال أكراد العراق، منذ بضعة أشهر، يمكن لهم فعل نفس الشيء، في حالة أكراد سوريا، في مدى زمني متوسط.

عن "اقتصاد" أحد مشاريع "زمان الوصل"
(112)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي