أُصيب الشاب "معاذ الصحن" قبل ثلاث سنوات بقذيفة دبابة قرب مطار دير الزور أثخنت جسده بالآلام والأوجاع وأفقدته البصر، وهو ما جعله اليوم عاجزاً عن رؤية ملامح طفله البكر "أسامة" الذي ولد قبل شهور قليلة، ولكنه تحدى اليأس بحفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه.
ويعيش الشاب المتحدّر من مدينة "الشحيل" بريف دير الزور في منطقة "حوطة تميم" القريبة من العاصمة السعودية الرياض مع زوجته التي اختارت أن تكمل معه مشوار الحياة رغم ما ألم به وساعدته على حفظ القرآن الكريم وكتب أخرى معها وممارسة حياته اليومية.
وكان "معاذ" في الرابعة عشرة من عمره حين التحق كمقاتل في صفوف المقاومة السورية، وشارك في معركة تحرير مطار دير الزور عام 2014 وذات يوم -كما يروي خاله ووالد زوجته "مدلول السعيد " لـ"زمان الوصل" كان مع مجموعة مكونة من 12 عنصراً من رفاقه يحاولون تفخيخ مكان لمنع تقدم قوات النظام نحوهم قرب المطار، فاكتشفت هذه القوات خطتهم وأطلقت عليهم قذائف دبابة فأصيب جميع أفراد المجموعة وأصابت إحدى الشظايا وجهه ففقد البصر على إثرها، إلى جانب الكثير من الشظايا في أنحاء مختلفة من جسده.
وأردف السعيد أنه أسعف "معاذ" إلى تركيا ولم يتمكن من إدخاله إلا في اليوم التالي، وكان قد مر أكثر من 48 ساعة حتى اُدخل أحد مشافي مدينة "أورفا"، مما جعل الأطباء أنفسهم عاجزين عن فعل أي شيء أو إجراء عملية إنقاذ لعينيه واسترداد بصره لفوات الأوان وأُجريت له عملية جراحية في القرنية ولكن دون جدوى.
بعد قرابة العشرة أيام وانتزاع الشظايا من جسده ذهب "معاذ" إلى أنقرة، حيث أجرى هناك ثلاث عمليات بنفس الوقت وهي زرع قرنية وسحب ماء أبيض واستخراج بعض الشظايا من عينه، وبعد شهرين عاد إلى "الشحيل" ليعيش مع عائلته ، ولكنه لم يلبث –كما يروي محدثنا- أن خرج معهم من دير الزور بعد سيطرة تنظيم "الدولة" عليها متوجهين إلى تركيا ثانية ليبقوا هناك ثلاثة أشهر.
وأتيحت لمعاذ وعائلته فيزا زيارة إلى المملكة العربية السعودية من أحد أقاربهم وسافروا ليعيشوا في منطقة "حوطة بني تميم" التي تبعد عن الرياض 160 كم.
وتزوج الشاب المصاب من ابنة خاله التي أتم حفظ القرآن الكريم بمساعدتها، ودرس في "معهد النخبة العلمي" بمدينة "القصيم" من المرحلة الأولى بدرجة 7،99 وتأهل للمرحلة الثانية وحفظ القرآن العام الماضي عن طريق السماع.
ونال شهادات تفوق من المعهد المذكور بعد اتقانه حفظ القرآن ومناقشة العديد من الكتب العلمية، وكان من الأوائل ضمن أكثر من 500 طالب على مستوى السعودية بينهم أئمة مساجد وعلماء دين وطلاب علم.
وبدورها روت زوجته "أم أسامة" لـ"زمان الوصل" أنها قبلت بخطبة معاذ دون أن تراه، حيث كانت تعيش في السعودية وكان هو في دير الزور لما علمت عن حميّته وشهامته وانخراطه مع الثوار منذ اليوم الأول للثورة، ولم تؤثر إصابته وفقدانه للبصر على اختيارها فقررت –كما تقول- أن تكمل نصف دينها معه، غايتها الأولى والأخيرة "نوال رضوان الله".
وتابعت محدثتنا أنها نوت منذ بداية اقترانها بزوجها المصاب أن تحفظ القرآن الكريم وتحفظه لزوجها عن طريق تسميعه إياه، وكذلك تدبّر معاني كتاب الله وتفاسيره وقراءة كتب التفاسير لينفعا المسلمين بها.
وأشارت محدثتنا إلى أن "معاذ" كان يعاني في بداية الأمر من صعوبات، ولكنه بعد فترة تأقلم مع وضعه مضيفة أنها تساعده اليوم في أموره الحياتية داخل المنزل ويقوم أحد أشقائه بمساعدته لدى خروجه من المنزل إلى السوق أو المسجد.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية