ظهور ابنتها في تقرير لتلفزيون نظام الأسد أحيا قصة "هدايات"، وهي أسطورة قديمة نسجت حول امرأة فاقدة للعقل تعيش بمدينة دير الزور، يقال إنها كانت متعلمة وتعرضت لصدمة كبيرة نتيجة مقتل ابنها "قدور" على يد مجهولين يعتقد أنهم مرتبطون بسلطة حزب "البعث" بعد إحكامه السيطرة على البلاد في نهاية ستينات القرن الماضي.
وعرضت إحدى قنوات تلفزيون النظام الأسبوع الماضي، تقريرا يحوي لقاء مع مسنة حبست ثلاثة أيام في دارها المكتظة بالأكياس دون طعام أو شراب بسبب المعارك والقصف في حي "أبو عابد" وسط دير الزور، يعتقد أنها "وداد هدايات" صاحبة اللسان السليط، الذي يشتم نظام حزب البعث والأسد ليل نهار، وقصتها مشهورة للأهالي، حسب الناشط الحقوقي "رامي العساف".
وقال العساف لـ"زمان الوصل" إن المشهد المناقض للمألوف عن "هدايات" أثار حفيظة أهالي دير الزور، فظهور "وداد بنت هدايات" على شاشات النظام، وهي تطلب تقبيل العناصر أمام عدسات وسائل إعلامه عند وصولهم إلى منزلها، بعد أن سألتهم بلهجتها الديرية: "انتم منو"؟ فقالوا: "نحن الجيش" وطالبوها بأن تحيي جيشٍ لطالما شتمت جنوده في شعبة التجنيد المجاورة لمنزلها.. لكنها لم تعِ ما قال العناصر، وتابعت قولها: "محد علمني.. تعا تبوسكم ...كلكم ولادي... مالي ولد..".
ويختلف "العساف" مع الكثير حول تاريخ مقتل ابن "هاديات" وزوجها، فيقول: إنها كانت مديرة مدرسة مثقفة معروفة على مستوى المجتمع المحلي، حتى ثمانينات القرن الماضي حين اعتقلت اجهزة أمن نظام الأسد الأب زوجها وابنها، وأخبروها أنهم سيعودون بعد ساعة، لكن الفترة امتدت لأيام إلى أن دُق الباب، فوجدت السيدة كيسين أسودين بداخلهما قطع جسدي الشاب "قدور" ووالده، ففقدت عقلها وتحولت إلى مجنونة تجمع كل كيس تجد في شوارع المدينة وتنقله إلى بيتها، مشيراً إلى أن "هدايات" توفيت قبل الثورة ببضع سنوات، لترث ابنتها (وداد) اسمها مع هوسها في جمع الأكياس وشتم نظام الأسد وحزب البعث.

وأكد الناشط الحقوقي أنه في يوم من الأيام تحولت "مزحة ديرية" إلى حقيقة حين رشحها الأهالي لخوض انتخابات مجلس الشعب، وعزموا على أن ينتخبوها، لكن أمين فرع حزب البعث اعترض على ترشح السيدة لأنها تعاني من لوثة في العقل وأوقف الأمر، والمفارقة أن إحداهما تدعى بعد ترشحها لمجلس الشعب وحققت قبولاً لدى الناس، ما أثار حفيظة أهل الدير.
عندما اقتحمت قوات النظام أحياء دير الزور مؤخراً، ظلت "وداد" مكانها بحي "أبو عابد" بعد تحول منطقة منزلها في منطقة "سينما فؤاد" لجبهة قتال بين النظام وتنظيم "الدولة"، في حين فرّ كل شخص مع أهله من المدينة، وفق الناشط الحقوقي.
وكانت قوات النظام أعلنت سيطرتها الكاملة على مدينة دير الزور مطلع الشهر الجاري بعد معارك عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" في آخر معاقله ضمن الأحياء الشمالية، ما جعل الأهالي يفرون من المدينة باتجاه "حويجة كاطع" وهي جزيرة صغيرة وسط النهر الفرات، لكن "وداد" (هدايات) لم ترحل عن الشوارع التي تعرف أحجار أرصفتها جيداً.
الجدير ذكره أن الكاتب السوري "عدنان فرزات" المقيم بالكويت جسد قصة "وداد" وأمها "هدايات" عام 2010 برواية تحمل اسم "جمر النكايات"، وتناولت الرواية قصة امرأة مسنة، تدخل انتخابات المجلس الشعب نكاية بالمرشحين المتنفذين والمرتشين والفاسدين، بشكل مستقل، ويقود حملتها الانتخابية في البداية مجموعة من الناس المهمشين والبسطاء وقبل استقطاب الشريحة المثقفة إلى جانبهم، كما قرر الشعب أيضا الوقوف معها، نكاية بكل هؤلاء، القصة التي في الرواية، هي صداقة خفية بين واقع "وداد" أو "أميرة" كما سماها الكاتب وبين الواقع المتخيل.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية