أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشمال وثالثة الأثافي.. حسين الزعبي*

من ريف إدلب - جيتي

"لقد وصلنا إلى مشارف القرداحة ولم يبق سوى كيلو مترات قليلة تفصل بين فصائل الجيش الحر وبين إسقاط القرداحة، وفجأة توقفت خطوط الإمداد، في إيعاز غير مباشر لوقف المعركة".

هذا ما قاله لي سياسي تركماني، وهو يحدثني عن معركة الساحل، التي بات مؤكداً أن توقفها جاء برغبة تركية، ربما بسبب ضغوط دولية، أو لاعتبارات داخلية تتعلق بالتركيبة السكانية الداخلية، خصوصا أن ذلك جاء في وقت كانت فيه تركيا تعيش حمى انتخابات برلمانية حاسمة.

ولا نكشف سراً إذا قلنا إن من بين الأتراك شريحة مؤيدة لنظام بشار الأسد، بل هناك من رأى بأم عينه صور سهيل الحسن "النمر" معلقة على جدران المنازل في بعض أحياء إسطنبول.

في الساحل، اختارت تركيا المصالح المرحلية السياسية والاقتصادية لاسيما المتعلقة بإيران مقابل التخلي عن العمق الاستراتيجي الأهم، وربما الأخطر جغرافيا وديمغرافيا، فريف اللاذقية الشمالي، وهو أحد معاقل التركمان وهم في المنطق السياسي وضمن توزيع الولاءات محسوبون على الأتراك، وفي هذا لا أنتقص من سوريّة التركمان، فهم من أكثر الشرائح تقديما للتضحيات في سبيل حرية سوريا، ولكن هو توصيف حال سياسي لا يستطيع أحد إنكاره.

بعد ريف اللاذقية، ومع ازدياد نكبات الثورة السورية بتحول تنظيم "الدولة" إلى رقم صعب، ومع التدخل الروسي، جاء دور حلب المعقل الأهم للثورة في الشمال، بل في عموم سوريا، لما لها من ثقل جغرافي وبشري واقتصادي مضافا إليه ثقل عسكري من جهتي الثورة والنظام.

فقدت الثورة حلب بعد حملة قصف جوي روسي استمرت لشهر في ظروف توافق دولي روسي تركي جاء بعد توتر غير مسبوق بين موسكو وأنقرة على خلفية حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ومرة أخرى كانت الثورة السورية ضحية التوافقات وتقاطع المصالح، وتمت التضحية بالأهم على المدى البعيد مقابل المرحلي والأقل أهمية، أو هكذا أرى، على الأقل مقارنة بإيران التي وسعت نفوذها سياسيا وعسكريا في سوريا، وهي ساحة ليست حاضنة لإيران مقارنة بالعراق على سبيل المثال.

ثالثة الأثافي، هي إدلب، وفيها غلبة لجبهة تحرير الشام "النصرة"، وباتت غلبة مطلقة بعد أن انقضت على حركة أحرار الشام، وهي حركة تصنف "إسلامية"، إلا أنها أقرب للثورة السورية بمفهومها التقليدي، وفي هذه تركت فصائل درع الفرات أحرار الشام لتواجه مصيرها ويتعزز نفوذ النصرة، وكان في ذلك إضاعة لفرصة إيجاد حالة مختلفة في الشمال، ربما وفرت تبعات ما يتم الحديث عنه اليوم من دخول تركي إلى إدلب، وهو دخول "مرحب به" من قبل كثر، أولهم الحكومة المؤقتة التي تعمل على تشكيل "جيش وطني سوري" أيدته 80 بالمئة من الفصائل.

إلى هذا الحد قد يكون هناك ما يمكن استدراكه، لكن ما يمكن أن يكون "ثالثة الأثافي" القاتلة هو إدخال الشمال، "شمال الثورة" في بازار المصالح الدولية خاصة وأن ملفات الانفصال بدأت تتسرب إلى الحالة السورية.

أخيرا، وحتى لا نعدم الإنصاف، فكل ما سبق، لا يعني الجحود لتركيا ودورها في دعم الثورة السورية وهذا لا يتجاهله إلا ناكر جميل.

*من كتاب "زمان الوصل"
(176)    هل أعجبتك المقالة (188)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي