يعكف الصحفي السوري "جابر بكر" على إنجاز فيلم وثائقي بعنوان "الخروج الأخير من الوعر" يرصد مرارة الحصار والتهجير، والمشاهد الأخيرة لخروج أهالي الحي الواقع غرب مدينة حمص بعد أكثر من خمس سنوات من حصار ثقيل جثم على أنفاسهم وأذاقهم الويلات.
وتحولت الكاميرا بشقيها السينمائي والفوتوغرافي إلى بطل من أبطال هذا الحصار في السنوات الماضية تعبّر عن أوجاع المحاصرين وتُوصل صوتهم للعالم الأصم بطريقة فنية معبرة.
بدأ بكر الذي ينحدر من جيرود بريف دمشق عمله في التوثيق السينمائي بالتوازي مع عمله الصحفي ونشاطه في مجال حقوق الإنسان عام 2004 بعد خروجه من سجن "صيدنايا"، ولكن بشكل شبه سري نظراً للظروف الأمنية التي كانت معروفة آنذاك، ومع بداية الثورة بدأ اهتمامه بالتصوير وتوثيق المظاهرات السلمية وحالات التشييع في ريف دمشق، وعند وصوله لاجئاً إلى فرنسا قبل ثلاث سنوات عاود "بكر" نشاطه في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تسجيل مقابلات مع ضحايا الاغتصاب والانتهاكات التي كانت تحصل داخل المعتقلات في سوريا.
ويُعد فيلمه الجديد "الخروج الأخير من الوعر" أول فيلم متكامل له بالاشتراك مع الناشط "باسل المحيميد".

واستمد "بكر" مادة الفيلم –كما يقول لـ"زمان الوصل"- من عودة المصور الشاب إلى الحي الذي ولد ونشأ فيه من خلال ما يُسمى بالخط العسكري الذي تم الاتفاق عليه بدءاً من ريف اللاذقية باتجاه ريف إدلب فحماة والسلمية وصولاً إلى حي الوعر/ والبقاء في الحي حوالي عشرة أيام ومن ثم خروجه مع آخر قافلة تهجير فيه بعد أن استكمل تصوير المطلوب وأجرى المقابلات مع الأهالي.
بعد الاتفاق على التفاصيل بدأت رحلة باسل الخطرة نظراً لأنه ناشط معروف ومطلوب للنظام، وكان عليه أن يمر من مناطق خاضعة للنظام كالسلمية وغيرها خلال هذه الرحلة التي خاضها، وبعد صعوبات جمة تمكن الناشط الشاب من دخول الحي وتصوير بعض المواد خلال الأيام العشرة التي أمضاها هناك وتصوير طريق التهجير ذهاباً وإياباً.
ولفت مخرج الفيلم إلى أن هناك مواد أرشيفية موجودة لدى شقيق باسل الذي كان تحت الحصار سابقاً في "الوعر" ومواد أخرى لناشطين إعلاميين آخرين عاشوا يوميات الحصار داخل الحي الذي تحول إلى سجن كبير يمتد على مساحة 3 كم ويضم قبل التهجير حوالي 50 ألف نسمة كحد أدنى تمت الاستعانة بها في سياق التحضير للفيلم الذي من المقرر إنجازه قبل نهاية العام الحالي.

بكر أشار إلى تضمين فيلمه لمحاور أخرى حيث سيكون أشبه بعنقود عنب يضم في ثناياه حبات كثيرة تمثل كل منها قصة أو حكاية داخل الحي، وداخل حكاية الفيلم، هناك توثيق تفصيلي للمفاوضات التي كانت تجري بين لجنة التفاوض في "الوعر" والنظام الذي كان يمثله اللواء "ديب زيتون" في المرحلة الأولى من المفاوضات التي استمرت لسنة ونصف إلى حين تدخل الروس فيها وإدارتها فيما بعد.
وكانت هذه المفاوضات -كما يشير محدثنا- ممهورة بالدم وليس باللغة أو التواقيع وحدها.
وتوقف بكر ليشير إلى أن حكايات الفيلم هي يوميات الناس الذين كانوا يعيشون تحت الحصار، فهناك أستاذ التاريخ الذي فقد عقله بسبب وطأة الحصار والدمار والقتل اليومي، وهناك مستشفى "الوليد" للأطفال والحالات الإنسانية التي كانت تمر عليه وعدم جهوزية حواضن الخدج فيه، والنشاط الإعلامي الذي كان يشهده الحي وكلها حكايات إنسانية من لحم ودم، وليست أرقاماً أو تحركات عسكرية أو سياسية.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية