لا يزال قصر شبيب الواقع في الجهة الغربية من مدينة الزرقاء الأردنية رغم مرور مئات السنين على إنشائه شاهداً على زمن حماية وسقاية قوافل الحجيج القادمة من الشام ومصر، والمتنقلة بين بيت المقدس والأراضي المقدسة في مكة والمدينة خلال الفترة العثمانية، ويُعد آخر المعالم الأثرية التي لا تزال باقية حتى الآن داخل المدينة ويقع القصر الذي يمتاز بحجارته الوردية وواجهته الضخمة ضمن أسوار مدرسة
الزرقاء، الأمر الذي شكّل حماية له من العبث والاندثار الذي طال الكثير من آثار مدينة الزرقاء.
ويرجع تاريخ القصر في الأساس إلى العصر الروماني القديم حيث كان مركزاً للدفاع عن الحدود الشرقية في زمن اورليوس (253- 268 ) ق.م -كما تذكر المصادر التاريخية، وتم العثور على نقش لاتيني ينص على أن إحدى كتائب الجيش الروماني قد عسّكرت في هذا القصر وأُضيف سطرٌ باللغة العربية إلى النقش يشير إلى وفاة الحاكم وطلب الرحمة له، ولكن هذا النقش للأسف لم يعد موجوداً، وثمة إشارات في المخطوطات القديمة إلى أن من بناه هو الحارث الغساني على أطلال قلعة رومانية، وقد حدث هذا في الفترة المحصورة بين الأعوام 529 و 569 للميلاد، وزار القصر السائح بتلر، وكتب عنه بعد أن جال فيه: (رأيت في صعودي إلى الطابق العلوي بلاطة يقارب طولها المتر وضعها البنّاء اعتباطاً عند تجديد البناء الإسلامي الحالي، وقد قرأت عليه باللاتينية ما معناه انتقلت إحدى كتائب الجيش الروماني من ولاية فلسطين إلى الولاية العربية"، وأشار مدير آثار الزرقاء د. رومل غريب لـ"زمان الوصل"- إلى أن أهمية قصر شبيب قلّت في العصر الإسلامي وبخاصة بداية الفتوحات الإسلامية من الناحية الحربية وخاصة في القرن (السابع ميلادي) وتحوّل إلى محطة للمسافرين أيام السلم. وتم إعادة استخدامه في العصرين الايوبي والمملوكي. وفي العهد العثماني كان القصر موقعاً لحامية حرس الحجاج أثناء مرورهم أو مكوثهم في مدينة الزرقاء، وأكد محدثنا أن "ما تبقى من القصر اليوم يشير إلى أنه يعود إلى الفترات الإسلامية المتأخرة، حيث كان البناء في تلك الفترات يتكون من طابقين، أما اليوم فلا يوجد سوى طابق واحد-الطابق الارضي وهو عبارة عن قاعة استقبال سقفها محمل على أقواس قوطية وهناك درج داخل القصر يفضي إلى سطح المبنى.
ويتكون قصر شبيب الذي سُمي أيضاً بـ"القاعة الزرقاء" أو "حصن الزرقاء" من بناء مربع الشكل طول ضلعه 13.75 متراً، وتقع بوابته الوحيدة في الجهة الشرقية منه، وتتوزع على الجدران الأخرى نوافذ صغيرة، حيث توجد في كل واجهة نافذة خاصة بالرماة، أما قاعة القصر فقد جمعت بين العقد المربع الذي تنتهي أضلاعه في الوسط وبين العقد البرميلي، وعُثر داخل القصر على بقايا غرف تهدمت وتساقطت حجارتها، وأكد محدثنا وجود بئر عند مدخل القصر يعتقد أنه يحتوي على سراديب تصل إلى نهر الزرقاء حيث أن هذا النوع من السراديب كان منتشراً في القلاع الرومانية.
وأشار د. رومل إلى أن "هناك خلافاً بين المؤرخين والمهتمين حول سبب تسمية القصر بهذا الاسم، فهناك من يقول انه نسبة لشبيب التبعي اليمني وهناك ثلاثة شخصيات في التاريخ العربي تحمل هذا الاسم، وأردف محدثنا أن "إحدى الأساطير المرتبطة بقصر شبيب تروي أن شبيباً التبِّعي كان أميراً يمنياً وقُتل على أيدي أبو زيد الهلالي في إحدى حجرات القصر، الذي عُرف أيضاً بقصر عنترة، ولكن لا قيمة تاريخية لكلتا التسميتين، وينسب بعضهم القصر إلى "شبيب التبعي الحميري" الذي كان أميراً وفارساً وأتخذ قلعة الزرقاء مقراً لإمارته التي وصلت حدودها من جنوب معان إلى جبل الشيخ. ونسبه بعضهم إلى الأمير "شبيب المهداوي الجذامي" الذي كان أميراً على الزرقاء وما حولها، وكانت منطقته جزءاً من امارة المهداوي في البلقاء، واتخذ من قلعة الزرقاء كذلك حصناً لإمارته، ولفت غريب إلى أن وجود القصر ضمن أسوار مدرسة الزرقاء للبنين كان له أثران أحدهما إيجابي والآخر سلبي موضحاً أن كون القصر ضمن اسوار مدرسة حماه من العبث والاندثار وتمثل الاثر السلبي–كما يقول- في استخدام المدرسة للقصر كأحد مرافقها وأضافت اليه بعض المباني الحديثة كالحمامات التي تُرى اليوم، ولذلك عمدت آثار الزرقاء-كما يقول مديرها- إلى فصل القصر عن المدرسة، لافتاً إلى أنه "سيتم افتتاح كرواق ثقافي وفني لإقامة المحاضرات والندوات والمعارض الفنية ومنتزه أثري لأهالي المدينة وزوّارها".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية