نذرت المهندسة السورية "رزان خبية" نفسها لمساعدة أطفال الغوطة الشرقية وبخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة ممن تعرضوا لإصابات في الحرب منهم. وأنشأت قبل عام مشروعاً أطلقت عليه اسم "فريق الأمل الإنساني" لتخفيف آلامهم، لكن هذا المشروع توقف عن العمل بسبب ظروف الحرب والاقتتال الداخلي والحواجز.
وعانت الشابة التي تنتمي لأسرة قدمت الكثير من التضحيات للثورة صعوبات جمة في إتمام دراستها الجامعية، وتمكنت من دخول كلية الهندسة في جامعة دمشق، غير أن ميلها لمساعدة ضحايا الحرب من الأطفال طغى على كل ما عداه، وبخاصة حينما كانت ترى العشرات منهم وقد تسربوا من مدارسهم أو لم يتمكنوا من تلقي العلاج بسبب ظروف ذويهم المادية.
مع بداية الحرب اعتُقل والد رزان –كما تروي لـ"زمان الوصل" مع عدد من أفراد عائلتها بسبب الاعتقالات العشوائية في مدينة "دوما"، مما جعلها تنزح إلى الغوطة لتبدأ حياتها بإصرار ولتساعد من بقي من أهلها خارج المعتقل، فعملت في مجال التدريس، ثم توجهت فيما بعد للعمل في المجال الإنساني ورصد الحالات الأكثر ضعفاً وفقراً في المجتمع، فعملت على مساعدتهم بدافع شخصي وإمكانيات فردية ودأبت ابنة "دوما" أثناء تواجدها في الغوطة على إجراء استبيانات لعدة سيدات في بيوتهن، وأحد هذه الاستبيانات كانت بتكليف من "منظمة الأغذية العالمية" (FAO).
تقول: "بعد توجهي إلى عدة منازل فقيرة شاهدت بعيني حجم المعاناة التي يعيشها الناس، وخاصة في ظل الحصار الاقتصادي الذي عاشته المدينة عام 2014".
مع ازدياد معارفها كانت الشابة الدومانية تحلم بأن تقدم شيئاً مفيداً وبالذات للعائلات التي لديها وضع خاص، فنشأت في ذهنها فكرة مساعدة الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وبالذات من يعانون منهم من بتر الأطراف.
وتقدمت بفكرة المشروع إلى مجلس محافظة ريف دمشق في الغوطة الذي وافق على المشروع بعد فترة قصيرة وتشرح الشابة العشرينية أن مدة مشروعها كانت 6 أشهر فقط استطاعت من خلالها مساعدة العديد من الأطفال وتركيب أطراف لهم بمساعدة مركز فرح للأطراف الصناعية في الغوطة الشرقية، غير أن اشتداد وتيرة الحرب ووجود الاقتتال الداخلي والحواجز في الغوطة الشرقية وتوقف الدعم المادي، وبخاصة في القطاع الأوسط حال دون إكمال المشروع، فاضطرت رزان للعمل بشكل فردي ثانيةَ.
وبدأت من جديد بمساعدة أطفال "دوما" ومنحهم قليلاً من الأمل بتركيب أطراف صناعية لهم.
ولفتت محدثتنا إلى أن توقف "مشروع الأمل الإنساني" انعكس سلباً على الكثير من أطفال الغوطة الشرقية المصابين وبخاصة أطفال بلدات القطاع الأوسط.
آثرت رزان البقاء في الغوطة لمساعدة أهلها ولكن مع استمرار الحرب أحبت أن تكون قريبة من الأطفال المصابين تبلسم جراحهم وتحاول زرع البسمة على ثغورهم.
وأردفت أنها حاولت متابعة حالات الأطفال وبخاصة المبتورين منهم ومساعدتهم في العلاج والتعليم من خلال تواصلها مع العديد من المؤسسات الطبية والتعليمية. وأشارت "خبية" إلى أنها تفكر الآن بتنفيذ مشروع لمساعدة المصابين بأذيّات الحبل الشوكي بالتعاون مع مكتب الدراسات والمشاريع في المجلس المحلي لمدينة "دوما".
رزان لفتت إلى أنها تعاني من صعوبات وتحديات كثيرة في عملها كناشطة إغاثية وإنسانية ولكونها تعيش في منطقة تتعرض لقصف مستمر من قوات النظام، مضيفة أن ثقة الناس بها كناشطة زاد من عبء عملها ومسؤولياتها الإنسانية، كما زاد من عدد الحالات التي بحاجة لمساعدة.
وأردفت الناشطة رزان أنها اعتادت على العمل بمفردها دون أن تكون تابعة لأي مؤسسة إغاثية ولم تعتد التصوير أو الترويج لصالح أي مؤسسة للحفاظ على كرامة الحالات المحتاجة، مضيفة أن حبها للعمل الإنساني رغم صعوباته هو البوصلة التي توجهها.
واستطاعت -كما تقول- أن تكسب قلوب الناس ومحبتهم وتشجيعهم للمضي في هذه المهمة النبيلة التي نذرت لها نفسها مهما كانت العراقيل والصعوبات، وتطمح الشابة العشرينية إلى إنشاء مركز يعنى بالأطفال المصابين لتقديم العلاج والتعليم لهم ودمجهم بالمجتمع.
ودعمهم دون أن يكون هذا الدعم -كما تقول- مقتصراً على الجانب المادي، فحاجات الطفل لا تتوقف على الجانب المادي بقدر ما هو محتاج للاهتمام لينطلق ويبدع، وعبّرت الناشطة الشابة عن أملها بأن تنتهي الصراعات الداخلية قبل الخارجية لتتمكن من الوصول لكل الحالات المنسية التي لم تستطع من قبل الوصول إليها، وتسليط الضوء عليها ومساعدتها على أكمل وجه.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية