لم تعرف "مزن مرشد" وهي في بارس ربما، من طريقة للهروب من سوريا وما لفها من أوجاع، رغم محاولاتها المتكررة عبر "خارطة بالأقدام" وكأن سوريا بما يكسوها وأهلها من وجع وتمزيق، ساكن تحت ناب قلم الإعلامية السورية، ولا يرضى الخروج.
فزخرفت مرشد "بطاقة عيد" على مدى "أربعة أيام" وكأنها "كسرة خبز" يتشهاها "الغائب" ليرميها بجوفه، كما ترمى "الحجر" في "النهر" الشفيف، لتصدر عن دار "كتاب–بوك" في باريس، مجموعتها القصصية الأولى عنوان "خارطة بالأقدام".
ومن تابع الإعلامية مرشد، عبر عهدها بالإعلام الممتد لنحو عشرين عاماً، يلحظ ولعها بالإنساني وهموم السوريين، الذي لم يأخذها منه، علمها بالحقل الاقتصادي أو تألقها كمحققة صحافية.
وأتت "خارطة بالأقدام" على خمس عشرة قصة تراوحت أحجامها بين القصيرة والمتوسطة، وتنوعت موضوعاتها بين الحب والشتات ،بين الحرب والموت، فكان التعبير عن حجم الفاجعة كبيراً.
تقول الكاتبة مرشد: "أردت قصصي شفافة صادقة كما الحقيقة، حملتها كل ما أشعر به، لتخرج صادقةً من القلب، محاولةً أن أجعل لها روحاً ولحروفي تاريخ ميلاد". وتضيف "لم أتكلف باختيار كلماتي ولا موضوعاتي، فأنا لا أفكر عندما أكتب، فقط أترك لروحي سجيتها بأن تفيض على الورق.".
وهو ما ألمح إليه الناشر، خلدون النبواني، حينما وصف قصص مرشد بالساحرة "إنها مكتوبة بلغة سلسة شيقة، في تفاصيل معظم القصص يكمن الجرح السوريّ، الاغتراب والغربة والرحيل والفراق والموت والحب الممنوع. قصص مكتوبة بحرفية عالية ولغة مجروحة تصيبنا جراحها، فترق أرواحنا حد التلاشي".
وحول أثر ودور الثورة، بتفجير "مزن مرشد" القاصة، قالت الكاتبة لـ"زمان الوصل": لم أفكر أن أقترب من الثورة أو أبتعد عنها لأنها حاضرة في تفاصيل يومي منذ انطلاقتها وحتى اللحظة، تفاصيل غيرت مجرى حياة الجميع فلا يمكن أن يخرج من صدر موجوع إلا الوجع ولا يخرج من الجرح النازف إلا الدماء وبهذا كانت القصص مجبولة بما عانيناه جميعاً بما تقاسمناه من ألم، قسمة غير عادلة بالتأكيد، فالبعض دفع الكثير ومازال يدفع، فتأتي الكتابة كتجسيد بسيط لواقع معاش كتأريخ غير مباشر لما حصل لتبقى شاهدة على عذابات شعب لم يعانِ مثله أحد على وجه الأرض.
وتشير مرشد، إلى أن المجموعة أخذت اسمها من عنوان إحدى القصص، حيث تصف الكاتبة فيها ما تعنيه لها شوارع سوريا، وكيف تمتزج الذاكرة بإحساس الأقدام العارية على الطرقات الباردة، إذ ترسم خارطة ذاكرةٍ مكانية بأقدامها الحافية ومنها تدخل في عمق حالتها الروحية، وما طالها من وجع عندما غزا الدم شوارع البلاد.
عدد من العناوين حوتها المجموعة اخترقت عمق الجرح السوري ملامسة هشاشة أرواح تعيش تحت وطأة الوجع.
من هذه العناوين "أريد أن أعيش بذاكرة سمكة" و"كسرة خبز" و"بطاقة عيد" لامست الكاتبة إحدى عوالق مشاكل المشرق الطائفية وهي الزواج المختلط في قصة "أربعة أيام" وأيضا "رجل"، وحاولت أن تلامس بعض العلاقات العاطفية الشائكة، والتي لا تنتهي دائما بسلام وغالباً ما تكون نهاياتها مأساوية إما بسبب المجتمع أو بسبب الأنانية وعليه كانت ثنائية "رجل وامرأة" واللتين نوهت الكاتبة بأنهما قصتان واقعيتان حدثتا بالفعل قبل عدة سنوات. إضافة لموضوعات أخرى مثل "العرافة" و"الغائب" و"النهر" و"الجحر".
أما القصة التي افتتحت الكاتبة بها المجموعة حملت عنوان "جاراتي في باريس" في مكان وزمان غير الذي تخفق فيه روح "مزن مرشد".
المجموعة تقع في مائة وخمس صفحات من القطع المتوسط، وهي باكورة نتاج الإعلامية "مزن مرشد"، التي تتقدم "زمان الوصل" إليها بالمباركة وتنتظر الجديد ومزيد إبداع.
عدنان عبدالرزاق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية