لا شيء يوحي بأن الإعلام يدرس في مكان كهذا ، لولا تلك اللوحة النحاسية الصغيرة التي عليها " قسم الإعلام والمكتبات " .
بناء صغير يضم ثلاثة مدرجات خصصت لطلاب قسمي الإعلام والمكتبات ، هذا القسم البسيط مازال تابعا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق ، وجارا مجبرا لقسم المكتبات .
كان يطلق عليه في السابق " قسم الصحافة " ، لكن إلحاح الطلاب ومطالبتهم بتطوير القسم شكلا ومضمونا لم تذهب سدى ، وهاهو اليوم يتحول بعد عشرين عاما من " قسم الصحافة " إلى " قسم الإعلام " ،كما يقول الطلاب بنبرة ساخرة.
لم تكن شذى طالبة السنة الثالثة تدرك أن ما حلمت به شيئا وما وجدته في قسم الإعلام سيشكل صدمة بالنسبة لها، هاهي الآن قد أمضت ثلاثة سنوات في دراسة الإعلام ،لكن القسم لم يقدم لها ماكانت تحلم به ، كل همها أن تتخرج لتستطيع بناء نفسها من جديد .
وبلهجة غلبت عليها المرارة راحت شذى تقص حكايتها وكأنها نادمة على دخول هذا القسم :
هنا عليك أن تتلقن وتحفظ فقط، خمسون مادة تقريبا تشكل منهاجا دراسيا قديما ، لامدرجات أو قاعات تستوعبنا ولا كاميرات ...الخ، لا شيء سوى المحاضرات النظرية الجافة , وفي أحسن الأحوال يحيلنا المحاضر إلى بعض المراجع لنتعمق أكثر حسب قوله ،هذا إن وجدت هذه المراجع ، فلا مكتبة إعلامية متخصصة في القسم ..!!، علينا الذهاب وقتئذ إلى مكتبة الأسد وهذه تحتاج إلى إجراءات خاصة .
وتضيف شذى : أجروا بعض التعديلات على منهاج القسم منذ مدة على أنها تحديث جذري ، لكن هذا التحديث لم يشمل سوى أسماء المقررات الدراسية كما فعلوا عندما غيروا اسم القسم فقط ، حتى على مستوى جريدة خاصة بقسم الإعلام لم يتفقوا ، وأخيرا قرروا إغلاق الجريدة بعد سجالات عديدة ، ماذا تكلف جريدة نصف شهرية يا ترى ؟ ألا يستطيعون طباعة 100 نسخة لجريدة نصف شهرية ، وبصفحات لا يتجاوز عددها العشرين ، أما اللغة الإنكليزية فهي ليست أفضل حالا، فدرساتنا تقتصر فقط على بعض المصطلحات ، فقط للحفظ والنجاح .
تتابع شذى : عندما سألنا رئيس القسم عن مصير الاستديو الذي وعدونا به منذ أعوام أجاب:
‘'إن الجامعة أقرت ميزانية بعشرات الملايين لبناء الاستديو كما أن الأرض جاهزة لذلك ‘' وقد مضى على هذا الكلام سنوات عديدة ولا استديو ولا من يحزنون ، كيف سأعمل مستقبلا وأنا لا أعرف استعمال الكاميرا على الأقل ؟ في دول أخرى يوجد اختصاصات متنوعة في كلية الإعلام كالعلاقات العامة والإعلام الالكتروني والصحافة التلفزيونية...الخ ، أما هنا فلا يقدموا لنا سوى أدبيات الصحافة ، وبعض المعلومات التي لا تواكب الصحافة العربية والعالمية .
وتقول هنا ‘'فريال مهنا'' الأستاذة في قسم الإعلام : اضطر أحيانا إلى شرح المعلومات النظرية من خلال الاستعانة بالتشبيه وتشغيل ملكة الخيال لدى الطلاب، لعدم وجود التجهيزات التقنية اللازمة التي تعينهم على التدريب العملي ، مشيرة إلى أن قسم الإعلام في سوريا لايوجد له مثيل سوى في موريتانيا والصومال !!
أما خالد طالب السنة الرابعة فقد اعتبر في حديثه : أن الكادر التدريسي لا يمتلك الخبرات العملية إلى جانب الأكاديمية ، أغلب الأساتذة لا يعملون في الصحافة ، هم منظرون فقط ، ومعظمهم من خريجي الاتحاد السوفييتي سابقا ، وفي الآونة الأخيرة انضم إليهم خريجو مصر .
أحد المرات ذهب ثلاثة أساتذة من قسمنا إلى الولايات المتحدة في بعثة علمية لمدة شهر واحد ، وعندما عادوا ،بدأت أستاذتنا تقص علينا أخبار رحلتها تلك ، لتخرج بنتيجة مفادها أن ما يدرس هنا في دمشق لا يختلف في قليل أو كثير عما يدرس في أمريكا سواء من حيث المعلومات والمقررات أو العملي ..!!
وذات مرة عينوا أستاذا في التاريخ رئيسا لقسم الإعلام وعندما كنا نسأله عن مسألة ما ، يجيبنا : بأنه لايعرف شيئا ، ويقول مستاءً اذهبوا و اسألوا أحدا غيري !! .
حسين العودات الذي كان محاضرا في قسم الصحافة منذ عام 1985 ولسنوات عديدة ، قال :
تحول قسم الإعلام إلى تدريس معلومات نظرية ‘' متخلفة ‘' ، ولاتوجد معايير تتناسب مع المعايير العالمية، والمعايير المعمول بها هي في الواقع معايير شبه رسمية تفرضها البيروقراطية ووزارة الإعلام ، ولايمتلك القسم الشروط المناسبة لتدريب الطلاب على الصحافة وتأهيلهم جيدا، بدءا من القوانين التي يعمل القسم بها مرورا بالوسائل المعينة وانتهاء بالتدريب العملي والمعدات اللازمة لذلك ، وبالتالي فهو غير قادر على تخريج صحفيين يستطيعون القيام بمهامهم .
لم يختلف أحمد الذي تخرج حديثا عن زميليه ، هو أيضا له همومه وطموحاته ، حيث قال: أصبح قسم الإعلام مرتعا للواسطات ، وتقريبا نصف الطلاب من الذين لا يملكون الموهبة والطموح ، فقط يريدون الشهادة ، و مايزيد الطين بلة أن هؤلاء يقبلون في القسم بناء على معدلاتهم وليس على أساس فحص مقابلة يحدد ما إذا كانوا موهوبين أم لا .
يذكر أن وزارة الإعلام شكلت مؤخرا بالتعاون مع وزارة التعليم العالي لجنة لتطوير قسم الإعلام ، ضمت أساتذة من قسم الإعلام ومعاون وزير التعليم العالي ومدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومديرة التلفزيون ،ومدير مؤسسة الوحدة ،ناقشت مشروع تطوير قسم الإعلام على مرحلتين ، مدة كل مرحلة ثلاث سنوات ، يتم خلالها تطوير القسم تقنيا وتزويده بالأجهزة اللازمة ، ثم تحويله فيما بعد إلى كلية مستقلة ، لكن إلى الآن لم تخرج اللجنة التي اجتمعت أكثر من مرة بقرارات ونتائج فعلية.
تبقى الإشارة إلى أن قسم الإعلام تأسس عام 1987، في حين كان الإعلام يدرس سابقا في معهد الإعداد الإعلامي الذي تأسس عام 1969، ويوجد في كل سنة دراسية حوالي 300 طالب، بما يعني أن القسم يخرج سنويا حوالي 100 طالب فقط.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية