أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نعيب جنيف والعيب فينا.. حسين الزعبي*

أرشيف

انتهت مؤخراً الجولة الخامسة من محادثات جنيف، وكما هو واضح يبدو أننا سنكون أمام "جنيفات" عديدة، إذ لا تقدم يوحي بأن متوالية الأعداد ستنتهي قريباً، وهذا أمر طبيعي ليس فقط لأن الملف السوري هو الأعقد في العصر الحديث كما وصفه "الخواجة" دي ميستورا، بل لعشرات الأسباب الأخرى لعل أهمها تلك المتعلقة برغبة النظام وداعميه بتحويل المسار السياسي إلى مسار أكثر فاعلية.

ولا أعتقد أن من الإنصاف اعتبار المشاركة في المحادثات من حيث المبدأ حالة شذوذ او خروج على ثوابت الثورة أو ما تبقى منها وفق المعطيات الحالية على الأقل، كما أن من نافل القول في تجارب الشعوب أن الأزمات تنتهي على طاولة مفاوضات.

لن نردد ما تقوله المعارضة من أن النظام هو من يفشل إمكانية تحول المحادثات إلى مفاوضات حقيقية، فهو يعلم أن الدخول في مخاض المفاوضات المباشرة والدخول في تفاصيل عملية الانتقال السياسي أو حتى مناقشة "سلة الإرهاب" بشكل حقيقي لن تجعله في أحسن حالاته، وبالتالي يسجل له قدرته على المماطلة والتسويف وإغراق فريق الأمم المتحدة بتفاصيل جانبية قد تجعل من "جنيف 90" جولة ابتدائية، فضلا عن أن النظام أصلاً لا يريد جنيف ولم يأت إلى الجولة الأخيرة إلا بعد أن طلبت الأمم المتحدة من الروس الضغط عليه، ولا تعنيه حالة القتل المستمر سواء أكان القتلى من مؤيديه أم من معارضيه فكل شيء مباح في سبيل المحافظة على وجوده.

ولا أرى أنه يؤخذ على المعارضة قبولها المشاركة في مسار جنيف، وإن أردنا الواقعية وتسمية الأشياء بمسمياتها، فهي لا تملك أصلا ترف خيار الرفض إلا في حالة واحدة وهي أن يعتزل الجميع "العمل السياسي"، وهو خيار مفضل إذا أصرت المعارضة على البقاء في دوامة التفاصيل الجانبية المتعلقة بطبيعة الوفد المشارك والتمثيل والتحاصص في توزيع اللجان والوفود التقنية وعدم توفير كل طرف لأي فرصة ليطعن الطرف الآخر (ضمن الوفد الواحد)، وتحويل جنيف إلى ساحة لتصفية الحسابات وفرصة للضرب في الهيئة العليا للمفاوضات أو غيرها. 

ولعل الاعتزال السياسي، بل والتزام البيت، هو الخيار الأفضل إذا كانت جنيف ستتحول لساحة "تفاوض فيما بيننا" قبل أن تكون ساحة تفاوض مع النظام، إذ يفترض أن المعارضة تعرف ماذا تريد وكيف ستطرحه قبل البدء بالجولة مع بقاء هامش "تفاوض تكتيكي"، لا أن تبحث في جنيف مرتكزات أساسية يفترض أنها أشبعت دراسة وتمحيصا خلال الفترة الممتدة بين جنيف 3 وجنيف 4 ومن بعده الجولة الخامسة وهي فترة تقارب السنة، فالرؤى المبدئية التي قدمت خلال الجولة الخامسة في موضوعات "الإعلان الدستوري"، والانتخابات والبنية المتصورة للجيش والأمن والانتقال السياسي، بالإضافة إلى الإرهاب بحاجة لورشات عمل مستمرة تخرج بتصورات جاهزة قادرة على مواجهة أي طروحات وأسئلة سواء من فرق الأمم المتحدة المعنية بإدارة المفاوضات أو من الدول الفاعلة، وإلا يصح فينا القول "نعيب جنيف والعيب فينا وما لجنيف عيب سوانا".

* من كتاب "زمان الوصل"
(179)    هل أعجبتك المقالة (190)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي