أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أوسكار.. الوحام عند أنثى القرش... حسين الزعبي*

وثائقي "الخوذ البيضاء" بفوزه بالأوسكار، إنما يوجه صفعة لكل المؤسسات المحسوبة على الثورة

ولأن مأساة السوريين فرضت عليهم التنقل من دولة إلى أخرى، ومن مدينة إلى ثانية في البلد نفسه، شاءت الظروف أن أقطن لشهور في مدينة غازي عينتاب التركية، وهي واحدة من المدن التي يقطنها مئات الآلاف من السوريين اللاجئين والمغتربين، وفيها مقر الحكومة السورية المؤقتة وعشرات المقرات لتشكيلات حزبية وإغاثية معارضة، أغلبها مخترق من قبل مخابرات النظام حتى النخاع.

في غازي عينتاب القريبة من الحدود السورية، وتقابلها جغرافياً في سوريا مدينة حلب، تعرفت على مجموعة من الشباب بينهم شاب يدعى "عروة المقداد".

عروة بشعره "المنكوش" كانت ترافقه بشكل دائم "كاميرا"، من نوع "كانون" أعتقد، بل أجزم، أن سعرها في تركيا لا يتجاوز 400 دولار.

في تلك الفترة 2014 -2015، لم يكن الذهاب من تركيا إلى مدينة حلب بالمسألة الصعبة، وكان عروة دائم الذهاب إليها، رغم ظروفه المادية الصعبة.

لم يكن عروة يتقصد السياحة في حلب، بل كان ينتج أول أفلامه الطويلة هناك وكان بعنوان "300 ميل"، وحاز على جائزة دولية في "لشبونة"، وكان من إعداده وإخراجه ومن السخرية أن نقول إنه من إنتاجه أيضا.

وسبق لعروة أن أنتج باستخدام الكاميرا نفسها فيلم "بعدنا طيبين" بجزأيه، وأيضا في حلب وتحديداً في منطقة "الشعار"، وهي واحدة من أكثر المناطق تعرضا للقصف بالبراميل المتفجرة. وبالكاميرا نفسها أيضا، أنجز في العام 2012 فيلم "شارع الموسيقى" في بيروت.

استذكار عروة كأحد الشباب السوريين هو من وحي الفرح الذي غمر أهل الثورة، وأهل الأخلاق عموماً بحصول فيلم "الخوذ البيضاء" على جائزة الأوسكار للأفلام الوثائقية القصيرة، وهو بشكل أو بآخر يؤكد -وهنا أستعير ما ذكره الصديق عدنان عبد الرزاق- أن في سوريا مبدعين كان النظام التافه يكبتهم، وما إن تحرروا جزئياً حتى أدهشوا العالم، ليس بالسينما فحسب، بل بنجاحات أكثر من أن تُحصى" ونتساءل معه: "كم أوسكار وسعفة حصدت أفلام المؤسسة العامة للسينما، التي حولها النظام لمنتج حصري لأفلام روائية تافهة بمعظمها، ولا يزيد إنتاجها سنوياً عن فيلم أو اثنين رغم المصاريف والفساد".

ومن المسائل المهمة، أن "صناع الفيلم الوثائقي أرّخوا لإجرام الأسد وحصدهم هذه الجائزة العالمية الحلم، إنما يفيد الثورة وقضية السوريين أكثر من كل صنائع الدمى التي سرقت التمثيل السياسي والثقافي بالثورة".

المسألة لا تنتهي عند هذا الحد، وأعتقد أن الأهم من ذلك كله، أن وثائقي "الخوذ البيضاء" بفوزه بالأوسكار، إنما يوجه صفعة لكل المؤسسات المحسوبة على الثورة والتي أنفقت مئات آلاف الدولارات على مشاريع "ثقافية" ومنتجات بصرية أقل ما يقال فيها إنها تافهة، مثلما وجه صفعة لرجال الأعمال من المحسوبين على الثورة لبخلهم في التعاطي مع هذا الجانب الذي لا يقل أهمية عن غيره من قطاعات المواجهة مع النظام، علماً أن التكاليف ليست بملايين الدولارات كما يعتقد البعض، ولنا في عروة وغيره أنموذجا، فليس المطلوب وثائقي يتناول فترة "الوحام" عند أنثى القرش، ولا فترة النفاس عند كيلوباترا، فلكل سوري قصة تستحق أن تكون فيلما وثائقيا.

*من كتاب "زمان الوصل"
(176)    هل أعجبتك المقالة (174)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي