أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"أبو الزين".. وعي لم يكتمل!*

أرشيف

عندما نتفحص جروحنا ونعيها تصبح أكثر إيلاماً، ومعها تتحول الكلمات والنظريات والطروحات والرؤى وكل المرادفات الأخرى التي يقل فعلها عن عدد حروفها، تتحول إلى سياط تجلد الروح.

هي ليست مقدمة لمقال أدبي، فلهذا أهله، بل هي من وحي قصة الوسيم، "أبو الزين" الثلاثيني العمر، ومدرس الفيزياء المثقف، الذي كان يتقن "الدبكة الحورانية" و"يلعب الطرنيب"، ويصلي أيضاً. 

"أبو الزين" لم يتأخر عن الثورة في طورها السلمي، وفقدت عائلته في دائرتها الضيقة الكثير من شبابها برصاص قوات الوريث القاصر، وعندما انتقلت إلى المرحلة المسلحة، كان في صفوف تشكيلاتها العسكرية.

بعد أن وصلت الثورة إلى أطوارها "العدمية" من الناحية العسكرية، حيث معارك لا جدوى منها، معارك محكومة -على الأغلب- بأجندات الممولين ونفوذ دول الجوار وأوليات مصالحها. وكذا الناحية السياسية فهي لم تقل "عدمية" عن الحالة العسكرية، فالفعل السياسي تقزم بمجموعة أشخاص لا يتقنون شيئا أكثر من اجترار الكلام على شاشات التلفزة، مقابل مبلغ يقدم عقب كل مداخلة تلفزيونية، وفي أحسن الحالات إنشاء تشكيلات سياسية لا يعرف السوريون منها حتى الأسماء، تضم ثلة ممن بلغوا من العمر عتيا وبعض الشباب من المقربين.

أبو الزين، وأطفاله الأربعة وزوجته، بين ليلة وضحاها انتقلوا إلى الرقة للانضمام لصفوف تنظيم "الدولة"، أيام قليلة بعدها يأتي خبر مقتله في اشتباكات مع النظام بريف حمص الشرقي.

وقبل أن تذهب مخيلة القارئ إلى الاعتقاد بأنني أبرر الانضمام للتنظيم، أؤكد أن هذا التشكيل يرفضه المنطق السليم، كما أن الويلات التي جلبها للسوريين وثورتهم أكثر من أن تحصى، ولا يخفى على أحد الفلسفة المنحرفة التي يقوم عليها.

ولنا هنا أن نسأل ما الذي دفع "ابو الزين" وغيره الآلاف من السوريين إلى الالتحاق بالتنظيم؟ ولنا أن نسأل كذلك ما الذي دفع بالمئات من الشباب السوري أن يفتتحوا في العام 2013 طريق ركوب البحر في مغامرة كان إعمال العقل فيها للحظة كفيلا بعدم خوضها؟

لا شك أن الإجابة الشافية تحتاج لخبراء علم نفس وعلم اجتماع وغيرهما من العلوم، لكنني ومن وحي الدعوات لتحرك ما يخدم الثورة أهداف الثورة، أزعم أن أحد الاسباب التي دفعت بالشباب السوري إلى "التدعش" هو عدم وجود إطار سياسي يقيمهم شرور التطرف ويضعهم في دائرة الفعل السياسي القادر على التأثير والتوجيه في أدوات القوة التي امتلكوها في الداخل، وأقصد بهذه الادوات، السلاح، الذي انحرفت وجهته في كثير من الأحيان عن مبتغاه الحقيقي.

هذا الإطار السياسي، لم يعمل من تصدر المشهد السوري المعارض في سبيل إيجاده، ولم يشكل عشرات الآلاف من الشباب السوري، ومن بينهم الآلاف من حملة الشهادات الجامعية، مادة مغرية للساسة ورجال الأعمال لتأطيرهم في تشكيل حزبي ينسجم مع الأهداف التي خرجت من أجلها الثورة.

وهنا تسقط إلى الذاكرة المرة الأولى التي التقيت بها شخصيا ميشيل كيلو في العام 2013 وكانت لدقائق قليلة حين تحلقنا حوله وكنا مجموعة من العاملين في فضائية "سوريا الغد" وذلك قبيل دخوله إلى الاستديو، ومن جملة ما طرح في تلك الدقائق "لماذا لا تشكلون حزبا أو تيارا يستوعب الكم الكبير من الشباب المتواجد في مصر وأغلبهم من أهل الثورة؟، جواب الاستاذ ميشيل كان ببساطة "الشعب السوري لم يصل بعد لمرحلة كافية من الوعي لتشكيل حزب"!!.

*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
(171)    هل أعجبتك المقالة (179)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي