على امتداد ما يُعرف بـبادية البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، ينتشر قلة من صيادي المدينة باحثين عن رزقهم من خلال صيد الطيور على ندرتها، بسبب ظروف الحرب وسيطرة تنظيم الدولة الذي بات يقاسمهم رزقهم من خلال ما سُمي بـ"زكاة الطير"، إضافة إلى تحليق طائرات التحالف في أجواء المنطقة وهو ما أثر على صيد الطيور وأدى لتراجع الاهتمام به.
ومهنة الصيد ليست ابنة يومها في البوكمال، تلك المدينة الصغيرة التي تفتقر لأي متنفس سوى النهر والصحراء، إذ اعتمد جزء كبير من أبنائها، قبل أن يخيّم شبح الحرب، على صيد الأسماك من النهر صيفاً، وصيد الصقور وقت هجرتها وبيعها بأسعار جيدة لأبناء منطقة الخليج، أما الآن فينتظر قلة منهم هجرة الصقور ومرورها في سوريا خلال شهري أيلول وتشرين الثاني من كل عام ليتمكنوا من اصطياد ما يمكن اصطياده منها.
وكانت هذه السنة مميزة لأهل البوكمال بالنسبة لصيد الصقور -كما يؤكد "داوود البرغش" أحد صياديها المعروفين- لـ"اقتصاد"، مضيفاً أن أحد صيادي البوكمال تمكن من اصطياد طائر "جرناس" وباعه بمبلغ 40 مليون ليرة سورية، مشيراً إلى أن "هذا الصقر يُعد من أغلى الصقور التي تم اصطيادها في سوريا خلال السنوات الماضية، لقوته وشراسته وجمال لونه"، ولفت محدثنا إلى أن "الصقر المذكور تم اصطياده في منطقة الشعلانية بالحماد السوري من قبل الصياد (م. هـ .ح)".
تنقسم أماكن الصيد في الشرق السوري إلى عدة أماكن ومنها الحماد السوري الذي يمتد من منطقة بادية تدمر إلى الجنوب الغربي للعراق والأردن والمنطقة الثانية للصيد تقع إلى الجنوب الشرقي لمدينة تدمر إلى حدود العراق وامتداد مدينة البوكمال أما المنطقة الثالثة فهي منطقة الجزيرة وتمتد من الشرق الشمالي لمدينة البوكمال ومن الحدود العراقية إلى مدينة الحسكة.
ونوّه محدثنا إلى أن "الشمال كله كان يُعتبر منطقة صيد بالإضافة إلى منطقة أبو خشب والرقة المعروفتين للصيد وقنص الصقور".
وأكد البرغش أن المناطق المذكورة "تمتاز بأراضيها المستوية التي لا تعيق حركة السيارات، ولا تحتوي على مناطق وعرة وصخور، كما تتميز بوجود غذاء لهذه الصقور مثل الحمام والقطا والأرانب التي يستخدمها الصيادون كطعم لاصطياد هذه الصقور".
ومثل غيرها من أبواب الرزق بالنسبة لأهالي البوكمال أثرت الحرب وسيطرة تنظيم الدولة وعدم توفر الأمان والقصف والتحليق المستمر للطيران على مهنة الصيد إلى حد كبير، فبعد أن كانت هذه المدينة تُلقب بـ"روسيا البيضاء" لكثرة مرور الصقور فيها، باتت معصومة عن الناس لكثرة آبار النفط فيها، ولسيطرة تنظيم الدولة.
وأكد البرغش الذي أنشأ على موقع "فيسبوك" مجموعة تجمع هواة الصيد في المنطقة، بعنوان "مكناص البوكمال"، أن تنظيم الدولة يزرع المنطقة الآن وبشكل عشوائي بالألغام للحفاظ على الآبار النفطية التي يستولي عليها، ولمنع استهدافها من أي فصيل معادٍ له، مما حرم أبناء البوكمال من الهواية التي يعشقونها، مشيراً إلى أن الكثير من الصيادين قتلوا وبعضهم يعاني من الإعاقة جرّاء الألغام العشوائية المزروعة هناك مما حدّ من ممارسة هذه الهواية.
وحول أكثر أنواع الطيور والحيوانات التي يتم اصطيادها في بادية البوكمال أوضح محدثنا أن "لكل وقت طيره المهاجر، ففي الشهر الأول وهو بداية البرد-كما يقول- تتم هجرة أنواع من الطيور مثل البط والاوز إلى مناطقنا ويتم اصطيادها لمدة شهرين تقريباً، وتبدأ بعدها هجرة طائر (القماري) أو ما يسمى بـ(الترغل) أو (الدرغل) في الشهر الخامس، وتتساوق هجرة هذا الطائر إلى بلادنا مع موسم الحنطة والحصاد لمدة شهر تقريباً، أما في الشهر الثامن فتكون هجرة طائر (السمان) أو ما يسمى بـ(الفري) بأعداد هائلة جداً ولمدة شهر أيضاً. وهناك طائر (الحسن والحسين) الذي يُسمى في البلدان المجاورة بـ(الوز الأحمر)، وبعد ذلك -أي في الشهر التاسع- وحتى الحادي عشر– تبدأ هجرة الصقور. أما مع بداية تشرين الثاني من كل عام فتبدأ هجرة طائر الكرك والقطا والصرخي والحبار والعديد من الطيور الأخرى".
وأكد البرغش أن "ممارسة الصيد الآن قليلة جداً وخاصة بالنسبة لصيد الطيور المهاجرة نظراً لأن أغلب الصيادين ملاحقين من تنظيم الدولة أما بالنسبة لصيادي الصقور فهم يعملون بحذر ويضطرون لدفع نسبة الخمس من ثمن بيع الصقر لتنظيم الدولة، وهذه النسبة تُسمى بمفهوم التنظيم (زكاة الطير)".
وأكد محدثنا أن التنظيم يرسل دوريات مسيّرة على الخيام المنصوبة في الصحراء، وأحياناً يعتمد على استخباراته في كشف الصيادين ومعرفة ما يصطادونه. أما بالنسبة للطيور الداجنة والطرائد فالأمر طبيعي ويتم دون قيود.
ويبلغ عدد أنواع الطيور المهددة محلياً وعالمياً والتي تؤم سوريا 17 نوعاً وذلك حسب مجلس الطيور العالمي وملاحق اتفاقية CITES الخاصة بتجارة الأنواع المهددة بالانقراض.
عن "اقتصاد" أحد مشاريع "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية