أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كنوز القمامة السورية ... ليسوا جياعاً.. لكنها مهنة الدخل اللامحدود..?!

ربما هي نزهة غريبة من نوعها, ما قمنا به في جولتنا الأخيرة في البحث عن ممتهني التنقيب عن كنوز الشوارع... وتحتاج عزيزي القارئ لمرافقتنا هذه الجولة إلى (كمامات) تغلق بها أنفك, تجنباً للروائح التي لا تحب أن تغزوك.

 

واستعانتك (بناموسية) تقيك أسراب الذباب, ستجعل نزهتك أكثر متعة وأماناً, وربما لن ننسى يوماً قول بعض المنقبين: إذا أردتم معلومات عن عملنا ربما نعطيكم, أما إن صورتمونا. فسنكسر الكاميرا فوق رؤوسكم .. هل فكرت يوماً وأنت تلقي القمامة في الحاوية المخصصة لها. أو في أحد مكبات النفايات, ما الرحلة التي تجتازها هذه القمامة? وهل خطر في بالك يوماً أن آلاف العائلات والأسر تعتاش من بقايا النفايات التي قذفت بها إلى خارج منزلك? نعم هذه هي الحقيقة...‏

فثمة أشخاص امتهنوا النبش في الحاويات بحثاً عن رزق قد يكون كثيراً أو قليلاً المهم أن يجدوا في نهاية يومهم مبلغاً يقيهم شر العوز والفاقة والجوع .. فيما بعضهم وجدها مصدراً لدخل يتجاوز الحدود الدنيا بكثير .. ومع هؤلاء كانت رحلتنا...‏

والجدير بالذكر: إن تنقيب الحاويات يصعب تحديد نقطة البدء فيها. من فوق الحاوية?أم من قلب الحاوية? أم من جانب الحاوية? طالما أن الحاوية وما يدور في فلكها يستهدفها نابشو الحاويات.‏

هدر للإنسانية‏

فهذا الطفل لم تساعده قصر قامته على البحث في الحاوية واقفاً. فجسده مغمور في الحاوية, وقدماه معلقتان في الهواء. يثبتهما له صديق يقف إلى جانب الحاوية, بينما هو منهمك في عملية النبش.‏

وهذا الرجل يقف في قلب الحاوية, يجمع في كيس يحمله ماتيسر له من حديد وزجاج وكرتون وبلاستيك ونايلون, ثم يقذف بالكيس بعد ربطه إلى سيارة يسوقها رجل آخر.‏

وهذه المرأة تبدو أكثر لباقة. فهي تقف إلى جانب الحاوية حاملة في يدها عصا طويلة تمزق الأكياس ثم تحمل ما تود حمله بواسطة (كريك) ثم تضع ما حصلت عليه في كيس تعلقه على طرف دراجة نارية يقودها شاب, ربما ابنها أو أخوها أو سيدها في العمل, لا ندري?!‏

ويبقى السؤال هل لهذه المهنة مردودها الذي يتناسب مع كل هذا الهدر للإنسانية ولاسيما أن الظاهرة بتوسع أكبر وتنظيم أكبر.‏

أنجب 18 طفلاً لنبش القمامة‏

يقول أحد المنقبين: إن عشرين عاماً مرت على ممارسته تنقيب القمامة واستخراج مواد البلاستيك, والحديد, والألمنيوم, والكرتون, يبيعها للتاجر بأسعار ربما لا توازي الجهد الذي يبذله من أجل الحصول عليها, ولكنه مضطر لممارستها ففي عهدته 18 ولداً هم ثمرة زواجه من امرأتين, لكنه لم ينكر استثمارهم جميعاً بنبش القمامة.‏

وأضاف: إنه يعيل أماً عاجزة, وأختاً فاتها قطار العمر, وحطت بها الأيام في دياره, والمسؤولية التي تقع على عاتقه كبيرة جداً, وأكد أن وجود عدد أكبر من الأولاد والنساء يعني وجود دخل مادي أعلى.‏

والدخل الشهري والشخصي أكثر من 10 آلاف ل.س‏

ويقول علي وهو يعمل نابش قمامة: إنه بدأ العمل في هذه المهنة منذ الصغر , والآن يساعده أبناؤه في جمع ما يمكن الاستفادة منه وبيعه للتجار, ويصل دخله الشخصي والشهري إلى عشرة آلاف ليرة سورية وربما أكثر, استطاع أن يشتري بعض الغنم ليعينه دخله على سد إحدى ثغرات المعيشة.‏

ويضيف علي: إن مهنة النبش رغم قسوتها, إلا أنها تدر علينا ربحاً معقولاًً, ونستطيع أن نستخرج منها أكثر من 30 مادة (اللباس, الكتب, المفروشات, البلاستيك, الكرتون...) والتجار يقبلون على بعض هذه المواد...‏

فمثلا نبيع كيلو البلاستيك من 7-12 ل.س, وكيلو الحديد من 1-7 ل.س حسب الطلب, وكيلو الكرتون ب3 ليرات. أما الألمنيوم فيصل ثمن الكيلو إلى 35 ل.س والنحاس الأحمر هو الأغلى سعراً فيبلغ ثمن الكيلو غرام منه حوالي 150 ل.س أما النحاس الأصفر ب 100 ل.س وأخيراً ثمن كيلو الخبز اليابس 6 ل.س .‏

يوميتنا 1000 ليرة حد أدنى حسب وسائل النقل المتوفرة‏

ويتحدث نابش آخر: إن النبش في الحاويات أقل مرارة من طعم الفقر والحاجة, ونحن والحمد لله نقوم ببيع المواد للمعامل بالكيلو, حيث تباع ويعاد معالجتها وتصنيعها من جديد. ويضيف: إن الرزق على الله, فيوميتنا تصل في اليوم الواحد إلى 1000 ل.س كحد أدنى لكنها لا تتجاوز ال 2000 ليرة وذلك حسب آليات النقل المتوفرة لدينا. أما بالنسبة للأطفال فهم يستغلون من قبل أصحاب المعامل أو من يقوم بإرسالهم, وفرزهم على الحاويات ولا يأخذون الأجر الذي يستحقونه ويرضون بأجور متواضعة.‏

لا تحتاج لرأس مال أو مؤهلات‏

أما عن مواصفاته ووضعه الاجتماعي, فهو لا يملك أي نوع من الشهادات لا شهادة سياقة, ولم يدخل يوماً مدرسة أو حتى كتّاباً.‏

متزوج من امرأتين, وعنده ستة أولاد, يجمع المواد المطلوبة حسب رغبة التجار, ويبيعها ويعتاش من دخلها...‏

لم تنغصه مشقة العمل, ولا الظروف الصحية السيئة, ولا شظف العيش وقسوته, بل ما يقض مضجعه تلك القرارات التي تصدرها الدولة في الحد من عمالتهم, ومنعهم من العمل في نبش النفايات.‏

فالقرارات جائرة بحقهم, فماذا يفعلون فيما لو أوقفوا عن العمل? أظن أن اللصوصية هي الحل الوحيد... فهل تقبلون بذلك?.‏

يعتقدون (لا ضرر ولا ضرار)‏

يقول محمد العابد: نعاني من انتشار هذه الظاهرة فهم عبارة عن جماعات منظمة تشبه المافيا, يستأجرون أطفالاً لهذه الغاية ينتشرون في معظم أحياء دمشق صباحاً ومساءً لإفراغ الحاويات والبحث بأكياس القمامة على كل ما يمكن الاستفادة منه كالبلاستيك والمعادن والورق والكرتون وغيرها فالسيارة تقف محملة بأكياس يقودها شخص, بينما ينزل آخرون يقومون بعمليات النبش غير آبهين بالضرر الذي يحصل للمنطقة, وكيف يأبهون طالما أنهم لا يأبهون بالضرر الناجم عليهم فهم يبحثون بالقمامة كأي شيء غير مثير للقرف.‏

محصنون ضد الأمراض‏

ولدى سؤالنا لسيدة تعمل في نبش القمامة عن الأمراض التي قد يتعرضون لها أثناء عملهم هذا, أجابت بلهجة الواثق: إن لا أمراض تصيبنا, فنحن محصنون ضد الأمراض, فالنابشون اكتسبوا مناعة تقيهم الإصابة.‏

وتعترف لنا بسر: إن القهوة المرة هي عامل أساسي في اكتساب المناعة, أما بالنسبة للجروح فقليل من (العرق) يكفي لالتئامها.‏

نجمة... اختفى بريقها‏

نجمة, هي الزوجة الثالثة, عمرها لم يتجاوز العشرين عاماً, تعمل في نبش القمامة, منذ ثلاث سنوات لتساعد زوجها المصاب بأزمة قلبية, لديها خمس بنات, بينما لدى (ضرتها) الزوجة الأولى عشر بنات وثلاثة ذكور... ولم ترزق الزوجة الثانية بالأولاد...‏

يبدو أنهم يتباهون بكثرة الأولاد, لأنها تعني في النهاية دخلاً كبيراً.‏

حياة.. تدمي القلوب وتخدش البصر‏

تقول نجمة وهي ترضع صغيرتها, وقد تراكمت الأوساخ فوق يديها, وكأن الماء لم يزرها منذ شهور... وهذه حقيقة فهذا الكم الهائل من الأولاد إضافة للزوجات, يعيشون جميعاً في بيت واه من الشعر, يطير من هبة ريح صغيرة.. لا ماء, لا كهرباء, ولا أي من شروط الحياة الآدمية...‏

وفوق هذا وذاك, هم يعيشون وكأنهم في قلب المكبات فلا يفصلهم إلا بضعة أمتار عنها. حيث الروائح والذباب, وأشياء وأشياء...‏

تقول نجمة: كل ما أتمناه منزلاً صغيراً يضمنا جميعاً, فهل يتحقق حلمها??!!‏

ويضيء نجمها من جديد, وتزول عن يديها تراكمات فيها القذارة ما يؤذي ليس الصحة فحسب, بل يدمي القلوب, ويخدش البصر.‏

يشربون بقايا الكولا ويدخنون أعقاب السجائر‏

تقول السيدة أم سامر من (مخيم اليرموك): إن أكثر ما يؤلمنا بالنسبة لنا كسكان بالإضافة إلى معاناتنا من ناحية الذباب والروائح الكريهة أن نرى الأطفال وهم يشربون بقايا علب الكولا إن وجدت, ويبحثون عن أعقاب السجائر لتدخينها, وكأنهم يضربون عصفورين بحجر, نبش الحاويات وتدخين السجائر.‏

ناهيكم عن الأشياء التي تحدث داخل الحاويات دون أن يراها أحد, من اعتداء على الأطفال من قبل الجماعات أنفسهم, طالما أن الحاوية مكان آمن اعتاد هؤلاء الدخول عليه دون أن يزورهم أحد, باستثناء أكياس القمامة التي ربما تسقط فوق رؤوسهم, لأن معظم الجيران حولنا يلقون بالأكياس من مسافة بعيدة حتى لا تعلق الرائحة بهم.‏

ويتعرضون لاعتداء جنسي ضمن الحاويات‏

وتضيف أم سامر: في إحدى الليالي قام زوجها برمي القمامة في المساء وعندها سمع صوت طفل يصرخ وحينما تقدم شاهد رجل يقوم بمحاولة الاعتداء على طفل, وحينها خرج الرجل والطفل من الحاوية وركبا السيارة التي ينقلان القمامة بها وغادرا المكان.‏

ظاهرة غير حضارية‏

ورغم قدم (المهنة) فإنها غير حضارية, ولا تبرر المهندسة أهداب المبيض من وزارة الإدارة المحلية عمل هؤلاء النباشين, لأنها تعد مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم, وخصوصاً عندما يفتحون الأكياس المغلقة, ويتركونها عرضة لانتشار الذباب, ومن ثم الأمراض.‏

وتسعى الوزارة لضبط أعمالهم, ولكن عملها هذا يحتاج إلى وقت لإنجاز مشاريع تحد من العمل العشوائي في نبش القمامة في الحاويات.. ويؤكد المهندس إياد الشمعة أنه تم إعداد دفتر شروط فنية لعمليات جمع القمامة, وفرزها من مصدرها ما يحد من عمل هؤلاء النباشين..‏

والدولة بصدد دعم هذه المشاريع للحفاظ على البيئة, حيث ستشتري المواد بأغلى من سعرها تشجيعاً لجمعها, وبيعها للمعامل لإعادة تدويرها بسعر مناسب وهذا يحتاج لتعاون المواطنين في الالتزام بمواعيد رمي القمامة في الحاويات.‏

إنها مسؤولية البلديات‏

يقول محمد القادر: إن لهذه الظاهرة أضراراً ومنعكسات اجتماعية ونفسية واقتصادية والمواطن الذي يعيش في مجتمع لا يعنى بجمع المخلفات ومعالجتها يعاني من ضغوط نفسية واجتماعية, وتنشأ عنه عادات سيئة, كالتذمر وتشويش الفكر وعدم القدرة على العطاء.‏

كما أن البلديات تجمع المخلفات الصلبة في أغلب الأحيان دون الاهتمام بموضوع معالجتها حيث يتم رميها بشكل عشوائي ومكشوف عندأطراف المدن مايؤدي إلى تكاثر الحشرات وانبعاث الروائح والدخان, وفي أحسن الأحوال إذا كان هناك مطمر فلا تتبع فيه الأسس الفنية والنظامية في عملية الطمر من ناحية تسرب الرشح إلى المياه الجوفية, أو من ناحية عدم تغطية أكوام المخلفات الصلبة بالتراب, وعدم قيام البلديات بتطبيق نظام فرز المخلفات الصلبة ضمن المنزل, كل هذا يسيء لسمعة البلد, ومظهره الجمالي والسياحي وله تأثير على الصحة العامة وخاصة صحة الأطفال.‏

ليس لدينا سلطة في ردعهم‏

وللإجابة عن دور البلديات في قمع هذه الظاهرة يقول المهندس صفوان الصباغ رئيس بلدية صحنايا: ليس للبلدية أي دور بردع نابش القمامة طالما أنه لاصلاحية ولا سلطة متوفرة لدينا لقمع الظاهرة.‏

ودورنا الأساسي هو نقل القمامة بواسطة السيارات إلى مكب النفايات في دير الحجر, أما بالنسبة للنابشين فهم خارج نطاق السيطرة, ولاسيما أن المردود المادي بالنسبة لهم عال, وسرقة الريكارات تدخل ضمن برنامجهم.‏

آليات بدون أرقام‏

ويضيف: إن النابشين يأتون بآليات ليس لها رقم, فنحن لن نستطيع الاستدلال عليهم, أو إحضارهم والمفروض أن تكون السيطرة على النابشين من مهام رجال الشرطة, ولاسيما أن لديهم ارتباطات مع المعامل فهم ينبشون ويبيعون المواد, وهم غالباً عبارة عن عائلات.‏

مهنة تحمل من المخاطر ما لا يحمد عقباه بهذه الكلمات بدأ المهندس إياد الشمعة, منسق وزارة الإدارة المحلية والبيئة حديثه وتابع: لا يلتزم النباشون بأي شرط من شروط الصحة والسلامة المهنية, يدخلون بالحاوية وربما يصطدم أحدهم بآلة حادة, أو يتعرض لإبرة ملوثة, لكن المهتمين بهذا العمل يسعون نحو الربح دون التفكير بأي شيء.‏

وأصدرت الوزارة قانون نظافة وجمالية الوحدات الإدارية رقم /49/ لعام 2004 وجاء في المادة /6/ منه: »يحظر وتحت طائلة المسؤولية, فرض العقوبة المنصوص عليها في الفصل السابع من هذا القانون. نبش النفايات في الحاويات, وسلال المحلات وأماكن تجمعها..).‏

في المادة /38/ من قانون العقوبات: يعاقب بالغرامة من ألف إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية من يخالف أحكام المادة /5/ الفقرة /2/ من المادة /6/ من هذا القانون. وتم تشكيل لجان مؤلفة من رؤساء القطاعات ومراقبين ومناظري مديرية النظافة وعناصر قسم شرطة محافظة دمشق للحد من ظاهرة نبش القمامة وقد قامت اللجان بما يلي: مصادرة أكثر من خمسين دراجة هوائية وحجز 6 سيارات صغيرة لمدة أسبوع مع دفع الغرامة وحجز 6 شاحنات صغيرة.‏

ويضيف السيد الشمعة: أنه رغم الضغوط التي تنظم كل يوم بحق النباشين وتصل العقوبات لمرحلة إغلاق محل أو منشأة لكنها تبقى غير كافية ولا تفي بالغرض المطلوب..والحل يكمن في تشديد العقوبات وتطبيقها بجدية.‏

مشاريع لفرز النفايات‏

ويقول أحد عمال البلدية وهو سائق يقوم بنقل القمامة إلى دير الحجر بواسطة سيارة كبيرة: أقوم بنقل القمامة بواسطة السيارة, وعندما ألقي بها في المكب يقام بطمرها بالتراب وهذا يطبق على كل قمامة ريف دمشق, أما بالنسبة للمدينة فيعاد معالجتها وتحويلها إلى سماد. وقد قام بعض المتعهدين بإقامة مشاريع أو محطات فرز النفايات القابلة لإعادة التدوير. (البلاستيك بأنواعه, الحديد, الورق.. وحسب متطلبات السوق).‏

بورصة.. تخضع للعرض والطلب‏

المهندس رياض قابقلي, أحد العاملين في المشروع يقول: مشروعنا هو محطة فرز بطاقة 2500 طن في اليوم.. والملاحظ أن أسهم بعض المواد ترتفع وتنخفض حسب متطلبات السوق, ولكن يبقى البلاستيك والنايلون هما الحاجة الأعلى ويلاقيان دائماً سوقاً رائجة.‏

ويمكن تقسيم مكونات النفايات في مدينة دمشق وريفها كما يلي:‏

50-60% مواد عضوية (بقايا طعام وخضار)‏

15% مرفوضة.‏

25% مواد قابلة لإعادة التدوير.. وهي التي قد تكون مواد أساسية في الصناعة.‏

ولأنها تدر ربحاً معقولاً, نجد النباشين يجتمعون في مناطق المكبات وهم من رضع المهنة وراثياً, وهم يعددون الزوجات ويكثرون من الأولاد.‏

أربع زوجات و32 ولداً‏

ويضيف المهندس رياض قابقلي: أحد كبار النباشين في دير الحجر عنده أربع نساء وكل واحدة لديها 8 أولاد.. والجميع ينبشون‏

ونرى في هذه المهنة معلماً, أو شيخ كار فمثلاً في منطقة الميدان أبو فلان, وكذلك في المخيم...وهكذا‏

وفي نهاية اليوم يعود المحصول لرب العمل, أو لشيخ المهنة, مقابل أجر, ثم تباع للتجار لإعادة تدويرها.‏

وهذه المهنة تزيد وتنقص حسب أيام المواسم وتخضع لقانون العرض والطلب مثلها كمثل أي تجارة.‏

النبش يتم ضمن قطاعات‏

واللافت أن العمل يتم ضمن قطاعات, فلكل رأس هرم منطقة محددة, يمارس نفوذه وسيطرته فيها, فمثلاً أحد الزعماء يملك عشرين عاملاً, ينشرهم ضمن حدود معينة متفق عليها, فإذا اقترب أحدهم على منطقة أخرى حدودية تنشأ مشكلات وربما صدامات حادة تؤدي لنتائج لا تحمد عقباها.‏

إنهم يد واحدة‏

وقال أحد عمال البلديات: إن النباشين يد واحدة وإنه في إحدى المرات شاهد ثلاثة أولاد ينبشون الحاوية, وعندما التقط أحدهم قام الاثنان بسرقة دراجته النارية, ولم يتركوها إلا بعد أن أفلت صديقهم.‏

المهندس موريس حداد, مدير معمل معالجة النفايات, في دمشق يقول: يستقطب المعمل حوالي 300 طن من النفايات يومياً ولكن ما يأتي إلينا يكاد يتجاوز 1200 طن. وهنا يذهب حوالي 900 طن للمكب وتطمر بطريقة صحية في حفر فنية, تغطى بالتراب بشكل مستمر, وثمة دراسة نقوم بها لإقامة معمل جديد ليغطي الكمية كافة, وهذا المعمل سيستقطب عدداً لا بأس به من النباشين, وبذلك نحل جزءاً من المشكلة ضمن الإمكانات المتاحة, فالأعداد في ازدياد, وقليلون من يذهبون إلى المدرسة, وتبقى الدولة هي المعنية بمعالجة مشكلاتهم بشكل نهائي.‏

ولا ننكر ما نلقاه من دعم وتشجيع من المحافظة ومن وزارة الإدارة المحلية والبيئة, فالمنشأة ليس لها مثيل في المحافظات الأخرى, ونسعى دائماً إلى التطوير, ولدينا طموحات.‏

طرق معالجة النفايات‏

ويقول المهندس موريس:‏

تتم معالجات النفايات ضمن المعمل بثلاث طرق, إما تحول إلى سماد, والسماد مطلوب من الفلاحين وهو من النوع الجيد, أو طمر صحي وثمة توجه يدرس من أجل توليد الكهرباء من الغاز المنطلق من جراء حرق النفايات بحيث لا تكون عبئاً علينا, ولدينا ماكينات للورق التالف أيضاً.‏

لكن هناك بعض الأمور التي تعوق العمل كقدم الآلات, فعمر البلدوزرات حوالي 15 سنة, ولا تتوفر قطع التبديل لها.. وبعد المسافة عن مركز المدينة ويستقطب المعمل حوالي 240 عاملاً, يتوزعون على أقسام ضمن مرحلتي دوام.. ونسعى ليكون العمال من أماكن سكن قريبة من موقع المعمل ويستثنون من شرط الدور.‏

وأمر آخر يجدر ذكره, أننا استفدنا من الأراضي المحيطة بالمعمل في زراعة حوالي 30 ألف شجرة زيتون, توزع عائداتها على العمال.‏

غير قابل للنشر‏

أخبرنا أحد رؤساء البلديات سراً أنهم لم يتصرفوا بقسوة مع النباشين لأنهم ضمن السيطرة, فهم لاينثرون القمامة, وتبقى ضمن الحاوية, والأهم من ذلك أنهم يخففون عبئاً عن البلدية, لأنهم باختصار يأخذون أكثر من نصف الحاوية, طالما أنهم يستهدفون الورق والكرتون الذي يحتل حجماً كبيراً ضمن أكياس القمامة بالإضافة إلى الحديد, والزجاج وبالتالي لايبقى في الحاوية سوى بقايا الطعام وهي بالتالي لاتحتل حجماً كبيراً, وطالما أن مكب القمامة في مكان بعيد ولا يوجد في البلدية سوى سيارة واحدة لنقل القمامة فهي لا تستطيع تغطية كل الحاويات إذا كانت ممتلئة بالشكل الطبيعي, وكأن السيد رئيس البلدية لم يلحظ أن الحاويات تحولت بفعل النباشين إلى ملعب للجرذان والقطط!‏

تغريد الجباوي وفاتن دعبول
(145)    هل أعجبتك المقالة (157)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي