أكدت موسكو اليوم الأحد أنها ماضية في اقتطاع نسبة 5% من ميزانية الدفاع الروسية في عام 2016، ما يكشف بجلاء عن مأزق اقتصادي حقيقي تعانيه البلاد، دفعها للخصم من ميزانية الدفاع التي تعد خطا أحمر، ورمزا من رموز هيمنة روسيا.
ونوهت نائبة وزير الدفاع "تاتيانا شيفتسوفا" الإذاعة الروسية بالخفض الذي سيطال ميزانية الدفاع، مؤكدة أنه يخص الدعم المالي والإداري، ولن يمتد إلى المزايا الاجتماعية للعاملين في قطاع الدفاع، حسب قولها.
وتعد روسيا من أبرز القوى العسكرية على مستوى العالم، سواء لناحية قوام جيشها أو إنفاقها العسكري، أوإنتاجها الحربي، لكن وبدءا من 2014 صار القطاع العسكري عرضة لخطط التقشف وتخفيض النفقات، عطفا على تراجع أسعار النفط (روسيا أكبر منتج للنفط عالميا)، فضلا عن برنامج العقوبات الغربية على موسكو.
وحسب بيانات راجعتها "زمان الوصل" فإن نسبة 5% التي سيتم خصمها تعادل نحو 160 مليار روبل من ميزانية الدفاع البالغة 3.1 تريليون روبل تقريبا، رغم أن واقع زيادة التورط الروسي في أوكرانيا وسوريا فضلا عن تدهور الروبل يفرض العكس، أي يفرض زيادة النفقات وليس تقليصها.
فتدهور القيمة الشرائية للروبل، يفرض تقييما سعريا أعلى للنفقات التي يتكبدها قطاع الدفاع الروسي، في شكل رواتب وشراء خامات وتشييد بنى تحتية وتقديم خدمات الإمداد والتموين وغيرها من الأمور التي تقدر تكاليفها بالمليارات.
وإذا ما تم جمع التخفيض الذي أقر في 2016 إلى التخفيض في عام 2015، فإننا سنكون أمام نسبة 9%، خلال سنتين، ما يعني حوالي 300 مليار روبل، تم خصمها إلى غير رجعة من إنفاق الجيش الروسي، وكل هذه الاقتطاعات تؤثرعلى قوة هذا الجيش وسمعته و"جاذبيته" في صفوف الروس.
وفي كانون الثاني/ يناير 2016، نشرت وزارة الدفاع الروسية مخططا مقترحا لميزانيتها، مقسما إلى نفقات أساسية وأخرى طارئة، منبهة إلى أن أي خصم يطال النفقات يجب أن يناقش من منظور الأمن القومي لروسيا.
وعلقت نائبة وزير الدفاع حينها: "نحن نعتقد أن أي اقتراح لتقليص الإنفاق في هذا البند أو ذلك من بنود ميزانية الدفاع يجب أن يكون له ما يبرره في ضوء التهديدات الموجهة للأمن الوطني، كما ينبغي أن يحصل على موافقة من مجلس الأمن القومي وتأييد الرئيس الروسي".
ويبدو أن تلويح المؤسسة العسكرية براية "الأمن القومي" لم يجد نفعا في 2016، وزاد مستوى الخفض عن العام الذي سبقه (4% في 2016 مقابل 5% في 2016)، ما يرفع من احتمالات التململ في صفوف العسكريين الروس، لاسيما من يشعرون بوطأة تضخم التكاليف المعيشية مقابل تدهور قيمة الروبل الذي يقبضون به.
ويلقي هذا الخفض بظلال أثقل على الجيش الروسي الذي تفوح روائح الفساد من صفقاته المبرمة على المستويين الداخلي والخارجي، والتي دفعت لإعادة النظر في طريقة تسديد وزارة الدفاع لالتزاماتها المالية تجاه تلك العقود.
ويبدو أن سنوات الارتياح المالي لموسكو ولت، وولى معها الانفاق الموسع على الجيش وتوابعه، ولم يعد هناك من فرصة للمؤسسة العسكرية أن تقول كلمتها أمام شح الموارد وتراجعها المخيف، ليكون صاحب الرأي الفصل في المجال هو وزير المالية، الذي ربح معركته ضد الجيش ونفاقته.
ففي بدايات 2008، بلغ احتياطي روسيا حدا قياسيا مع 142 مليار دولار من العملة الصعبة، أما اليوم فإن الاحتياطي مقبل على تحد خطير للغاية، باعتراف وزير المالية "أنطون سيلوانوف" الذي صرح في تشرين الأول/أكتوبر 2015، بأن بلاده تواجه خطر نفاد الموارد اللازمة لإنعاش صندوق الاحتياطي خلال 2016، قائلا: "سوف نستنفد احتياطياتنا بمقدار 2.6 تريليون روبل (نحو 40 مليار روبل)"، أي أكثر من نصف موجودات الصندوق حينها.
وأضاف الوزير الروسي منذرا قيادة بلاده: "هذا يعني أن 2016 سيكون العام الأخير الذي يمكننا أن نكون فيه قادرين على إنفاق احتياطاتنا بهذه الطريقة، فبعد ذلك لن يكون لدينا موارد".
ويجادل كبار المتنفذين في المؤسسة العسكرية الروسية والمنتفعين منها ومن نفقاتها الضخمة بأن الإنتاج الحربي ومؤسسات الجيش يسهمان في تدوير عجلة الاقتصاد الوطني، ولكن المواطن الروسي العادي عندما يذهب إلى المتجر لايطلب من البائع أن يعطيه شريحة دبابة أو كيلو ذخيرة، بل يطلب منه خبزا وزبدة ولحما، تتضاءل فرص الحصول عليه أمامه بينما تتدهور عملته وينخر الفساد دولته، ويواصل الجيش التهام ما تبقى من موارد البلاد المالية.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية