أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لعبة القط والفأر مستمرة بين الجمارك السورية والمستوردين..

مشكلة القيمة وهذه هي التسمية المتداولة في أوساط العاملين في ادارة الجمارك العامة والمستوردين من المشكلات المزمنة التي تفرض نفسها على كل مهتم بقضايا الاستيراد والاسعار وحماية المستهلك والرسوم الجمركية.

والمقصود بالقيمة: قيمة المواد المستوردة التي يحددها المستورد من خلال الفاتورة (INVOICE) ويتكرر ذكرها في البيان الجمركي وإجازة الاستيراد والشهادة الجمركية وفي ايصالات الرسوم الصادرة عن الجمارك وأيضاً في كتاب المصرف الموجه للجمارك. وعلى اساسها يتم احتساب الكثير من الرسوم والمصاريف والتكلفة. ‏

وللمشكلة وجهان:

الوجه الأول: ان مسؤولية الجمارك في التأكد من كون الارقام المقدمة دقيقة، مسؤولية كبيرة ومضاعفة، والجمارك باعتبارها الجهة المعنية بتطبيق القانون تتحمل كل المسؤولية ولها أن تتحرى وبكل الوسائل المتاحة عن السعر الحقيقي للسلعة المستوردة ومن هنا فإن الحديث يدور عن ضعف في قدرة وكفاءة العاملين في الجمارك على الوصول الى السعر الحقيقي وعن ضعف في التزام هؤلاء العاملين بالاجراءات المتبعة للتحقق من الرقم. ‏

أما الوجه الآخر للمشكلة فيتعلق بالمستورد ولابد من البحث جدياًَ في الاسباب التي تجعل المستوردين يميلون الى تخفيض قيمة الفاتورة في الغالب والوصول الى صيغ تجعل المستوردين يذكرون القيم الحقيقية. ‏

ومما لاشك فيه أن مديرية الجمارك العامة تولي هذه المسألة اهتماماً كبيراً، وهي تتخذ منذ مدة طويلة اجراءات مستمرة لضمان الوصول الى رقم صحيح. ‏

والواقع أن المديرية العامة للجمارك الان في موقع الاتهام فهناك العديد من الاراء التي ترى انها مقصرة وفي المقابل هناك من يقول: ان المسؤولية ليست مسؤولية الجمارك فحسب بل مسؤولية جميع الجهات المعنية سواء أكانت تشريعية أم تنفيذية. ‏

وملخص المشكلة ان هناك بعض المستوردين لا يصرحون عن القيم الحقيقية مع ما يعنيه ذلك من ضياع أموال على الخزينة العامة ومن تهرب يفترض بالجمارك أن تواجهه بكل حزم. ‏

وفي المقابل لابد من التنويه الى أن عدداً من المتعاملين يذكرون الارقام الحقيقية وبالتالي فهؤلاء ليسوا المقصودين عندما نتحدث عن أخطاء وتجاوزات. ‏

الخطأ موجود ‏

يحدثنا السيد محمد خالد محجوب عن طريقة يرى أنها مناسبة للكشف عن الخطأ في تقدير القيمة. ‏

وملخص الفكرة التي يتبناها السيد محجوب هي ربط الوزن بالسعر وعلى سبيل المثال فلو قمنا بأخذ غسالة من كل نوع من الأنواع المستوردة وأخذنا القيمة المصرح عنها في الفاتورة وقمنا بعملية بسيطة وهي قسمة القيمة على الوزن عندها نحصل على رقم ومؤشر جيد للتعرف على صحة الرقم. ‏

وبالتعاون مع السيد محجوب قمنا باجراء عملية بسيطة فقد حددنا عدداً من البنود الجمركية للادوات الكهربائية تحديداً وأجرينا العملية نفسها أي قمنا بقسمة القيمة على الوزن لنكتشف في بعض الحالات أن سعر الكيلو غرام الواحد في بعض الحالات يقترب من سعر المادة الأولية الداخلة فيه وفي بعض الحالات أقل، أي أن المستوردين خفضوا القيمة بشكل كبير. ‏

مافعلناه كان محاولة فقط، والنتيجة التي حصلنا عليها غير مشجعة على الاطلاق فالمستوردون يخفضون القيمة أحياناً الى أقل من النصف وأحياناً أكثر.

وقد توجهت الى المديرية العامة للجمارك لمتابعة الموضوع وأول مشكلة يمكن أن تواجهها إذا أردت أن تتحرى عن هذا ا لموضوع هي أن المخلصين الجمركيين يدخلون البضائع نفسها على بنود مختلفة من التعرفة المنسقة التي عدت أكثر من مرة بدورها. وهكذا عملت مع بعض العناصر على تحديد البند الجمركي لعدد من المواد المستوردة والاجهزة الكهربائية تحديداً وقد وجدت أن المنتج نفسه يمكن أن يدخل على عدد من البنود الفرعية في التعرفة. ‏

وبعد الحصول على لائحة بالبنود الجمركية توجهت الى مديرية الاحصاء لأجد نفسي أمام مشكلة أكبر، فقد رفض الموظف في البداية تزويدي بالمعلومات إلا بموافقة مسبقة من المدير العام شريطة ان تكون موافقة خطية، وبعد أن حصلت على الموافقة زودني الموظف بالاحصائيات التي طلبتها. ‏

ولا أريد أن اتحدث كثيراً عن الاحصائيات فهي مجال بحث قائم بذاته، والأخطاء فيها أكثر من ان تحصى، لكنني أود أن اشير الى العمل الاحصائي في الجمارك يقوم به موظف واحد يحمل شهادة معهد متوسط وكان يعمل سابقاً موظفاً في المكتب المركزي موظفاً في المكتب المركزي للاحصاء وعلى كاهل هذا الموظف يقع كل العمل، وقد أخبرني أنه يعتمد على برنامج للحاسب وقواعد بينها وطرق معالجة أعدها بنفسه. ‏

يدخلك البحث في الاحصاء في دوامة ويكشف عن نقطة ضعف قاتلة في عمل الجمارك وهي ضعف التقنية، ورغم المبالغ الطائلة التي انفقت على مشروع تطوير الجمارك وعلى المعلوماتية في عهد المدير السابق، فإن المديرية عاجزة عن التزويد بمعلومات فورية عن البيانات علماً أن البيان الجمركي يتم ادخاله في الحساب فوراً. ‏

ومن هنا فإن السيد محجوب يؤكد ان التقنية والمعلوماتية هي الحل، وأن غياب المعلوماتية والتقنية يفسحان المجال للتلاعب والخطأ، والمعلوماتية تشكل دون شك وسيلة فعالة للرقابة ولسلامة العمل. ‏

حصيلة الرسوم الجمركية ‏

طرحت هذه الفكرة على السيد نبيل السيوري المدير العام للجمارك عندما قابلته مؤخراً، وسألته عن موضوع حصيلة الرسوم ومسألة القيمة فكان له رأي آخر. ‏

يقول السيد السيوري ان حصيلة الرسوم الجمركية لم تتراجع بخلاف ما يعتقده البعض بل ازدادت ووصلت في العام الماضي الى 52 مليار ليرة سورية مقابل 50 مليار ليرة سورية للعام الذي سبقه. ‏

وفي رأي المدير العام للجمارك أن للمسألة جوانب عدة وقد أحدثت مديرية خاصة للقيمة وهذا دليل على الاهتمام بالموضوع، كما أن الادارة استقدمت خبراء لتدريب العاملين والمقيمين في الجمارك على الاسس السليمة في احتساب القيمة وقد قاموا بتدريب عناصر في دمشق وحلب واللاذقية. ‏

لكن المشكلة الاكبر هي في نظام الصفقة وهو نظام موجود في قانون الجمارك. ‏

التعاون مع الجميع ‏

بغية الوصول الى حلول قامت المديرية العامة للجمارك في الاشهر الاخيرة بدعوة المستوردين والصناعيين وممثلي عدد من الوزارات الى اجتماعات كان الغرض منها تحديد القيم والحدود الدنيا وقد أصدرت المديرية العامة للجمارك قوائم استرشادية تضمنت الحدود الدنيا للاسعار التي لا يجوز احتساب الرسوم الجمركية دونها لكن الزام الامانات بذلك لم يتم بعد ورود كتاب من وزارة المالية بهذا الخصوص. ‏

السيد كمال عموري أحد مستوردي السيراميك كان حاضراً في الاجتماع الذي عقد في الجمارك العامة وخصص لبحث موضوع القوائم الاسترشادية وحضره أصحاب المعامل والمستوردون وقد قال: ان الاجتماع كان عاصفاً وتمخض عن نتيجة لم تكن في صالح مستوردي السيراميك فقد تم رفع القيمة بنسبة 100%تقريباً. ‏

وما حدث في السيراميك حدث في غيره من المواد. ‏

وبين السيد المدير العام للجمارك: أن الجمارك تعمل على الوصول الى القيمة الحقيقية لكنها في الوقت نفسه تأخذ الواقع المعيشي للناس بعين الاعتبار ففي ظل الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية تفكر الجمارك بمصلحة المواطن وقد لا تتشدد في القيمة اذا تعلق الامر بالغذاء. ‏

لكن بالمقابل تتشدد المديرية عندما تجد أن هناك مخالفة في المواد الاخرى فمن غير المعقول ان يسجل تاجر قيمة آلة تسجيل كبيرة بثلاثة دولارات فقط. ‏

ويؤكد السيد السيوري: إننا في حالات كهذه نرى سعرها الذي تباع به في الأسواق ونفتش عن سعرها في بلد المنشأ ونحن بالتأكيد لن نسمح بالاثراء الفاحش والسريع على حساب المواطن. ‏

جوهر المشكلة ‏

السيد محمد الشاعر عضو غرفة صناعة دمشق يرى أن الصناعيين غير ميالين للتلاعب بالفاتورة عند الاستيراد لأن من مصلحتهم أن تكون القيمة حقيقية ويدعونا السيد الشاعر للبحث في الأسباب التي تجعل الصناعي يلجأ الى تخفيض القيمة.. ‏

ونقرأ في ايصال الجمارك ما يلي: ‏

الوزن 147 طناً ‏

الرسوم الفرعية 6132 ل.س ‏

عمل شعبي 5 ل.س ‏

طاقة 8000 ل.س ‏

ادارة محلية 2415 ل.س ‏

عتالة 4145 ل.س ‏

سلفة ضريبة دخل 50000 ل.س ‏

جمرك وموحدة 24225 ل.س ‏

محلية ومحافظات 3015 ل.س ‏

غرامة فاتورة 2500 ل.س ‏

رسوم قنصلية 36836 ل.س ‏

رسم طابع بيان 180ل.س ‏

أما في الايصال المقدم من المخلص الجمركي فنقرأ: ‏

اجازة استيراد 3500 ل.س ‏

عقد ضمان 3000 ل.س ‏

سجلات تجارية 800 ل.س ‏

ارسال مستندات 7300 ل.س ‏

عمولات وسحب مستندات 17800 ل.س ‏

رسم تصحيح 2600 ل.س ‏

واذا اردنا ان نناقش المسألة بموضوعية فيجب أن نلاحظ أن هناك ثلاثة جوانب للمشكلة وهناك رسوم أخرى يدفعها المستورد فإضافة الى الرسم الجمركي وهو منخفض جداًَ في حالة الصناعيين هناك الرسم القنصلي، وهناك ضريبة الدخل وهذه بمجموعها تشكل رقماً مرتفعاً وبما أن هذه الرسوم جميعاً تحتسب كنسبة من القيمة فإن المستورد يميل الى تخفيف آثار هذه الرسوم عبر تخفيض القيمة، ويؤكد السيد الشاعر أن البحث يجب ألا يقتصر على الرسوم الجمركية وإنما يجب ان نأخذ بعين الاعتبار اجمالي الرسوم التي يدفعها المستورد. ‏

كلف غير معقولة ‏

أحد المستوردين رفض أن نذكر اسمه قدم لنا كل الوثائق والمستندات المتعلقة بعملية استيراد لاحد المواد مؤكداً أن المادة لم تصل الى معمله إلى أن دفع ما يعادل 14.3% من قيمة البضاعة علماً ان البضاعة هي مادة أولية ورسمها الجمركي لا يتعدى الـ 1%. ‏

وتبين الوثائق الموجودة لدينا أن القيمة الاجمالية للفاتورة كانت 51471 دولاراً اميركياً أي ما يعادل 2409358 ليرة سورية حيث احتسب سعر الدولار بـ 46.81 ليرة سورية وأن البضاعة عبارة عن مادة أولية ‏

رسم بيان 137500 ل.س ‏

عتالة ونقل 35000 ل.س ‏

أجور سيارات 79000 ل.س ‏

مصروف بيان وتحليل 56400 ل.س ‏

ويبين لنا الصناعي الذي استورد هذه المادة ان الرسوم الجمركية لم تتعد 24 ألف ليرة سورية في حين أن كلفة وصول بضاعته التي بلغت قيمتها 2409358 هي 345000 ليرة سورية فقط لاغير أي ما يعادل 14.3% من قيمة البضاعة ويلفت هذا الصناعي الى حقيقة أن المشكلة ليست فقط في الرسوم الجمركية وأن الكلف المرتفعة تنجم أيضاً عن ضريبة الدخل والرسم القنصلي المرتفع أيضاً. ‏

اقتراحات وحلول ‏

في مكتب العميد حسن مخلوف حضرت جانباً من النقاش دار حول مسألة التهرب من ذكر القيمة الحقيقية وقد ضربت مسألة آلات التسجيل مثلاً. وبين العميد مخلوف ان علينا ان نجد حلولاً للمشكلة وأحد هذه الحلول أن نسمح للجمارك ان تشتري البضاعة من المستورد بقيمتها مضافاً اليها نسبة ربحه النظامية، بحيث تلجأ الجمارك الى شراء البضاعة عندما تشك في ان القيمة المقدرة في الفاتورة غير صحيحة، خاصة ان دولاً اخرى لجأت الى هذا الاسلوب. ‏

هذه الفكرة ايدها السيد نبيل السيوري المدير العام للجمارك لكنه قال: انها تحتاج الى تعديل القانون.. ‏

أما السيد نعيم المصري مستشار وزير المالية فقد طرح الفكرة نفسها مضيفاً: ان لا شيء الى الآن مطروحاً لجهة تعديل القانون لكن في حال تم اتخاذ قرار بالسير في هذا الاتجاه فإن إعداد القانون لا يستغرق وقتاً طويلاً.

جهاد النعسان
(77)    هل أعجبتك المقالة (81)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي