لم يكترثوا لحر الصيف ولهيب شمسه الحارقة، تبددت ملامح وجوههم خلف غبار الرخام الإيطالي الجميل، وهم يسابقون الوقت لينجزوا أعمالهم خلال 24 يوما، وبالتحديد في 31 نهاية الشهر الحالي، موعد انتهاء ملتقى النحت العالمي الأول الذي يقام في العاصمة السورية دمشق هذه الأيام بالتعاون مع وزارة الثقافة ومحافظة دمشق.
انهمك 20 فنانا وفنانة جاؤوا من مختلف الدول العربية والأجنبية في نحت تماثيلهم الرخامية على أرض معرض دمشق الدولي القديم الواقع على ضفاف نهر بردى وسط مدينة دمشق.
بالصاروخ و(الإزميل) وتقنيات أخرى بدأت تتشكل القطع الرخامية التي استوردت من جبال الألب الإيطالية لهذا الغرض، لتقطع أشواطا في مسارها الجمالي، ثم لتصبح معلما هاما من معالم دمشق وجزءا هاما من ذاكرتها الثقافية، حيث تروي لنا كل منحوتة منها قصة ما عن قصص دمشق وتاريخها العريق الموغل في القدم.
في خضم هذا الجو المشحون بضجيج (الصاروخ الكهربائي) والحر والغبار التقت العرب منظم ومدير الملتقى النحات السوري «أكثم عبدالحميد» الذي قال: لأول مرة في تاريخ دمشق يقام ملتقى عالمي للنحت، برعاية وزارة الثقافة، حيث نستضيف 20 فنانا ثمانية منهم سوريون، وأربعة عرب وثمانية من بقية دول العالم، مضيفا: الغاية منه تفعيل المشروع الجمالي والتزييني لمدينة دمشق.
وأضاف عبدالحميد الغاية الثقافية من الملتقى هي تفعيل الثقافة البصرية لدى المواطن السوري من خلال المشاهدة اليومية للقطع الرخامية وهي تتطور على أيدي الفنانين، فالمواطن تعود أن يرى المنحوتات في المعارض والمتاحف فقط، أما الآن هناك متعة بصرية في عملية مراقبة هذه الأحجام والكتل الرخامية وهي تتطور على أيدي الفنانين ليتم وضعها في الشوارع والحدائق وتدخل في الذاكرة التاريخية لهذه المدينة العريقة، كما أن الاحتكاك بين الفنانين يولد المعرفة بالتقنيات المستخدمة من قبل الفنانين العرب والأجانب. ليس الهدف من الملتقى أن يكون مسابقة، بل هو مشاركة وتفاعل وتبادل للخبرات فيما بيننا.
وأكمل عبدالحميد: نستخدم الرخام في عملية النحت وهو أفضل أنواع الرخام الإيطالي ومستورد من منطقة «كرارا» الإيطالية، وقد قصدنا أن يكون الرخام جيدا، لتكون له ديمومة في المستقبل ويعمر طويلا.
وفيما إذا كانت هناك شروط أو فكرة معينة سيعمل عليها النحاتون أشار عبدالحميد أن كل فنان يعلم أن دمشق عاصمة الثقافة العربية هذا العام، وبالتالي كل فنان سيعمل حسب رؤيته وثقافته والدولة التي جاء منها كل خلال 24 يوما مدة استضافته، كيف ينظر إلى دمشق مثلا من نظرة عاطفية أم تجريدية.... إلخ، وفي النهاية ستوزع الجوائز على الفنانين.
وفي حديثها مع (العرب) أشارت الفنانة المغربية «إكرام كباج» والعرق يتصبب من جبينها: شاركت في العديد من ملتقيات النحت العالمية في إسبانيا والشارقة وتركيا والولايات المتحدة، لكنني للمرة الأولى أشارك في ملتقى للنحت في سوريا، وأنا سعيدة جدا بهذا الملتقى وبدمشق عاصمة الثقافة، عملي معاصر يتحدث عن دمشق ويتحدث عن روابط الأخوة العربية بين سوريا والمغرب.
أما النحات الإيراني « طاهر شيخو لحكامي» والأستاذ في مدرسة النحت بإيران قال لـ (العرب): أزور سوريا لأول مرة، وأنا سعيد جدا، وتدور فكرة عملي حول الرجال والنساء وأفراد الأسرة الدمشقية عموما، عن الحب والروابط الأسرية الجميلة التي تتميز بها دمشق.
كما قال الفنان السوري «محمد بعجانو» لـ (العرب): عقدت ملتقيات عالمية عديدة للنحت في اللاذقية وطرطوس..، لكن هذا أول ملتقى عالمي بالنسبة لدمشق، ومن المفروض أن يقدم كل فنان فكرته عن دمشق أو سوريا أو بلاد الشام بشكل عام، من جهتي أرغب في تقديم عمل يرمز إلى دمشق، من خلال نحت بيوت دمشقية تظهر في أعلى المنحوتة، يلتف حولها نوع من الطيور، حيث دمشق في الفضاء والطيور تحتها، وأضفت بعض الحركات كنهر بردى رمز الماء والحياة والمدينة المأهولة منذ آلاف السنين، كل هذه الأشياء جمعتها في هذا العمل، وقد سميته «ضفاف بردى»، ولا بد أن أنتهي منه خلال 10 أيام.
وتابع بعجانو الحجر المستخدم في النحت جميل جدا رغم قساوته، فحلاوته تكمن في قساوته، تستطيع أن تضع فيه الشكل الذي تريده حتى لو كان فراغي، فهو أسهل من الغرانيت والبازلت والحجر الأفيوني.
النحات اليوناني «أنتو نيس ميرودياس» اعتبر في حديثه مع (العرب) أن سوريا بلد مهم ثقافياً وتاريخيا حيث الحضارة تعود إلى آلاف السنين، ومشهورة بين البلاد بطيبة أهلها والاحتفاء بالضيوف، مضيفا: أنا مسرور جدا أن أعمل في هذا المناخ الجميل، وعملي يتحدث عن حضارتين وثقافتين مختلفتين، ويجسد الحوار بين الحضارات والشعوب.
يشار إلى أن الفنانين السوريين المشاركين في الملتقى هم: الفنان محمد بعجانو، مصطفى علي، عبدالرحمن مؤقت، عماد كسحوت، وإياد بلال، وفؤاد أبو عساف، وأبي حاطوم.
ومن النحاتين العرب كل من: هاني محمود فيصل من مصر، إكرام قباج من المغرب، زكي سلام من فلسطين، وعلي المحاميد من البحرين.
أما النحاتون العالميون فهم: بيتر بوريسوف بيتروف من بلغاريا، طاهر شيخو لحكامي من إيران، فرانكو داغا من أستراليا، رولاند ماير من ألمانيا، ميغيل أسلا وناندو الفاريز من إسبانيا، هوانغ سيونغ من كوريا الجنوبية، وأنتو نيس ميرودياس من اليونان.
نهر بردى وملتقى النحت العالمي يتعانقان للمرة الأولى في دمشق

العرب - دمشق - عمر عبد اللطيف
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية