تحاول حكومة النظام الضغط على المواطنين بجميع الأساليب بهدف إرهاب المجتمع وتركيعه بشكل تام، فهي لم تكتفِ بسحق المعارضين بشكل بارز، بل بدأت بالانتقال لكل من هو مشكوك في ولائه المطلق، وذلك عبر المخبرين الحكوميين المنتشرين بين صفوف المواطنين، وتكفي مذكرة بسيطة لاعتقال الشخص أو لفصله من وظيفته الحكومية ومحاربته في مصدر رزقه الرئيس، وبشكل خاص في حال كان معتقلاً سابقاً بعد اندلاع الاحتجاجات آذار/ 2011، وقد تمكن الكثير من الموظفين الحكوميين الذي تم اعتقالهم من قبل الأفرع الأمنية من العودة إلى وظائفهم، وذلك لأن قرارات الاعتقال كانت تعسفية وبدون قرار محكمة، حيث قضوا كامل أوقاتهم داخل مراكز احتجاز تابعة للأفرع الأمنية، وبعد انتهاء التحقيق والتعذيب، يتم الإفراج عنهم، وذلك في ظل انعدام مطلق للسلطة القضائية في سوريا، التي تخضع بشكل شبه تام لسلطة الأجهزة الأمنية.
كان ما سبق مقدمة لتقرير صادر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، توضح الشبكة فيه سلسلة قرارات فصل الموظفين الحكوميين من جانب حكومة النظام:
القرار الأول صدر في حزيران/ 2014، الذي يقضي بفصل المئات من الموظفين الحكوميين في مختلف القطاعات الخدمية والصحية والتعليمية وقطاع الشرطة والمجالس المحلية، وقد تم حرمانهم من مستحقاتهم المالية وحقوقهم في التأمين الصحي والتعويض المادي لجميع سنوات عملهم في القطاع الحكومي.
القرار الثاني صدر في تشرين الأول/ 2014 طالبت من خلاله سلطات النظام جميع الموظفين الحكوميين بإبراز ما سمي بـ "بيان وضع"، وهو عبارة عن وثيقة يتم الحصول عليها من شعبة التجنيد المحلية تثبت أنهم غير مطلوبين للخدمة الاحتياطية، في حال فشل الموظف في الحصول على هذه الوثيقة، يتم فصله نهائياً من عمله.
جاء هذا القرار بعد قيام قوات النظام بحملات التجنيد الإجباري في تشرين الأول/ 2014، التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة، والتي راح ضحيتها مئات المعتقلين والمخطوفين الذين تم إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية والقتال إلى جانب قوات النظام.
القرار الثالث صدر مؤخراً في يوم الأربعاء 28/ كانون الثاني/ 2015، حيث تم فصل ثلاثين من الموظفين الحكوميين في مدينة السلمية بمحافظة حماة.
وبحسب إفادتين لموظفين صدر بحقهم قرار الفصل التعسفي من مؤسساتهم الحكومية للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن نحو (1000- 1200) موظفاً حكومياً جرى فصلهم من محافظة حماة لوحدها منذ كانون الثاني/ 2013 وحتى كانون الثاني/ 2015، ويجري تعميم الموضوع بشكل واسع على بقية المحافظات، وأغلبهم هم معتقلون سابقون بعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في آذار/ 2011.
(عمر.ب) موظف لدى مؤسسة المياه في محافظة حماة ويبلغ من العمر 45 عاماً، قضى 20 عاماً منها في خدمة قطاع المياه في مدينة حماة، اعتقل تعسفياً في حزيران/ 2012 من قبل الأمن العسكري، وأفرج عنه في كانون الثاني/ 2013 من دون أن توجه له سلطات النظام أية تهمة، بعد الإفراج عنه عاد للعمل في وظيفته، حيث عمل مدة شهر ونصف تقريباً ثم صدر قرار بفصله تعسفياً من عمله.
وجاءت إفادة عدنان مشابهة تقريباً لما ذكره عمر، يقول عدنان للشبكة السورية لحقوق الإنسان:
"عند إطلاق سراحي من المعتقل عدت للعمل بشكل طبيعي لأنه لم يصدر بحقي أي حكم ولم يكن توقيفي بشكل قانوني بل كان عبارة عن توقيف من قبل الأجهزة الأمنية وبشكل تعسفي، كما لم يتم عرضي على محكمة، ولكن بعد انقضاء شهرين من مزاولة عملي تم تبليغي بقرار فصل من عملي لأسباب أمنية، دون توضيح ما هي هذه الأسباب، بعد ذلك تقدمت بطلب لمحافظ حماة لإعادة النظر في قرار فصلي، أخبروني أن الطلب تم تحويله إلى فرع الأمن السياسي، ثم جاء الجواب بتأكيد الفصل، وعدم قابلية العودة عنه، وتم تعيين موظف موالٍ مكاني، وأشير إلى أنه لم آخذ أي شيء من مستحقات تعويضات نهاية خدمتي".
لقد تحولت المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة النظام إلى ما يشبه سلطة ميليشيات محلية، وهي أكثر الميليشيات تنظيماً في سوريا، ولا تكاد القوانين المطبقة في هذه المناطق تختلف كثيراً عن تلك المطبقة في المناطق التي تخضع لميليشيات أخرى من ناحية القمع والإرهاب والشمولية.
وبناء على ما سبق، أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن حفظ السلم والسلام وإحلال الأمن والاستقرار في سوريا مسؤولية مجلس الأمن، وقد تخلى عنها مدة أربع سنوات، ما تسبب في انتشار التشدد والإرهاب، ولن يكون هناك حل في سوريا ما لم يكن هناك إرادة دولية لإنهاء الأزمة السورية، على غرار المحاولات الجدية لإنهاء الأزمة الأوكرانية، ويمكن البناء على بيان جنيف 1 كنقطة رئيسة لإنهاء الأوضاع الكارثية الإنسانية في سوريا.
اقتصاد - أحد مشروعات زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية