أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بعد أربع سنوات، بعض من شتاء عربي عقب ربيع مبدد

كسبت الثورة المصرية دعما هائلا من جانب النخبة العلمانية

بدأ الأمر بشرارة، قبل أربع سنوات. بائع فاكهة متجول دفعه اليأس من الحياة في تونس السلطوية الى إضرام النار في نفسه ليقضي نحبه بعد أيام. حادث أطلق شرارة ثورة عمت نيرانها المنطقة التي اعتادت الحكام الإستبداديين منذ يوم رحيل المستعمرين.

احتفى العالم بـ"الربيع العربي" كدليل على أن شعوب الشرق الأوسط، كما الشعوب في مناطق أخرى من العالم، تواقة للحرية. لكن الوقت لم يكن لصالح المتفائلين.

بعد بعض سقطات وهنات، بدت تونس اليوم وكأنها الضوء المشرق الوحيد مع انتخابات رئاسية حرة تتم الشهر الجاري. لكن في عموم دول الشرق الاوسط، كانت النتيجة الكثير من الدماء والفوضى والأحلام المبددة. قتل مئات الآلاف، سقط أغلبهم في الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد التي لا غالب فيها، مع تشريد الملايين. وانتقلت نيران الحرب السورية الى العراق وهددت بزعزعة استقرار الدول المجاورة الأخرى. ليبيا في فوضى خطيرة لا يمكن التحكم فيها، واستغل المتطرفون الإسلاميون المسار العام الى حد كبير، وثمة تحالف تقوده الولايات المتحدة يقاتلهم الآن في سوريا والعراق.

يقول شادي حامد، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد بروكينغز "يمكننا أن نتوقع إن يكون التحول الى الديمقراطية فوضويا، ودمويا بعض الأحيان، لكن ما يجري الآن أسوا حتى من أسوأ التوقعات". ويضيف إن الدرس الأكبر والمؤسف الذي تعلمته الناس هو إن الإحتجاجات السلمية لن تؤدي بالضرورة الى تحول ديمقراطي سلمي.

وشعوب المنطقة باتت تتساءل وعلى نحو متزايد إن كانت الديمقراطية تصلح في العالم العربي أصلا. لا يبدو السؤال ملائما في مجتمع مهذب، لكنه سبق أن طرح في يناير كانون ثاني من عام 2011 في منتدى دافوس السويسري.

البعض أوصي بقادة أقوياء لكن "خيرين" للمنطقة. آخر قال إن الديمقراطية "غريبة" عن المنطقة حيث التقاليد الأبوية مهيمنة. ثالث قال إن ثمة حاجة الى التثقيف الإنتخابي طالما أن التصويت يجرب عادة على أسس قبلية. آخرون رأوا انتشار المتطرفين الإسلاميين السريع في أوساط الجماهير.

وسرى بين الحضور، وأغلبهم من الغربيين، شعور واضح بأن هؤلاء أقوياء ولا يفكرون أبدا في اقتسام كعكة السلطة.

وخلال أيام، رابض المجتمع الدولي المتحمس أمام شاشات التلفزيون فيما تدفق المصريون الذين أذعنوا لفترة طويلة للحكم السلطوي إلى ميدان التحرير بالقاهرة، مظهرين تحديهم للرصاص ورافضين المغادرة إلى أن يتنحى الرئيس المخضرم حسني مبارك.

أجبره الجيش على التخلي عن الحكم في نهاية المطاف. ولكن في سياق الحراك الثوري، كان لنشطاء بارزين من الشباب، مثل المدير الإقليمي لغوغل وائل غنيم، أثر يذكر. غير أنهم لم يعودوا ظاهرين في مشهد الأحداث هذه الأيام في مصر.

وبدلا من الليبراليين، فاز حزب إسلامي في أربعة انتخابات. ولكنه أساء إدارة البلاد وأطيح به من جانب الجيش وحظر. وقادته الآن قيد الحبس في السجون يواجهون عقوبات الإعدام الجماعية التي لن تنفذ على الأرجح. وقتل المئات من الأشخاص في عمليات القمع التي طالت احتجاجات الشوارع.

لم يواجه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أي تحد يذكر تقريبا عند انتخابه رئيسا للبلاد، إلا أن الانتقادات المحلية لم يعد لها صوت، كما بات السجن مكانا للنشطاء الليبراليين؛ وفي الوقت ذاته تفجر غضب الجهاديين وأضحوا يستهدفون الجنود بعمليات القتل كلما سنحت الفرصة.

اكتملت الدائرة المفرغة تقريبا عندما برأت إحدى المحاكم المصرية ساحة مبارك الأسبوع الماضي، من تهم الفساد والتواطؤ في قتل المئات أثناء التظاهرات.

مرت المسألة بهدوء؛ فالمصريون، في نهاية الأمر، يتوقون إلى التحرر من حالة الاضطراب والحصول على لقمة العيش. ويبدو أن مبارك البالغ من العمر ستة وثمانين عاما سيصبح قريبا حرا طليقا.

بعض الدروس المستفاد بعد مرور أربعة أعوام على تضحية محمد بوعزيزي بحياته في تونس:

النخبة لا تثق في الجماهير
شهدت معظم بلدان العالم تناميا في حالة عدم المساواة خلال العقود الأخيرة، فيما حافظ المثقفون والأثرياء على المسافة الفاصلة بينهم وبين العامة بشتى الطرق في كل مكان تقريبا.

ولكن في العالم العربي، الوضع كان أكثر تفاقما، والأعوام الثلاثة الماضية جعلت الوضع أسوأ.

كسبت الثورة المصرية دعما هائلا من جانب النخبة العلمانية بشكل كبير، فيما عدا الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بروابط اقتصادية مع النظام.

كان إجراء انتخابات حرة ونزيهة محور التركيز، كما كان الحال في أوروبا الشرقية قبل عقدين من الزمان. إلا أن الانتخابات المبكرة في بلدان الربيع العربي تمخضت عن بزوغ نجم الساسة الإسلاميين الذين كانوا يمثلون القوة الوحيدة التي تمكنت من تنظيم نفسها سياسيا بفعالية في ظل الأنظمة المستبدة.

فازت جماعة الإخوان المسلمين في عمليات انتخابية متتابعة في مصر؛ البرلمانية والرئاسية وأيضا عملية التصويت للدستور، ما أثار ذعر غالبية النخبة، قبل أن يزج الجيش بقيادات الجماعة في السجون.

وفي الوقت الحالي، يميل المثقفون في مصر إلى تطوير أفكار أكثر تعقيدا حول الديمقراطية تبدو بعيدة عن التحقق، فالناس غير مستعدين إذ ربما يكون ثلث الشعب أميا، كما تبدو الأفكار الغربية المتعلقة بحرية التعبير القصوى محفوفة بالمخاطر في الوقت الحالي، إلى جانب أنه يجب منح تأسيس جمعيات المجتمع المدني أولوية رئيسية حتى وإن كانت تلك المقومات في حاجة إلى عشرات السنين من أجل القيام بالأمر بشكل صحيح.

المعنى الضمني: إذا كانت الجماهير ستنتخب الإسلاميين فلتنتظر الديمقراطية.

الجهاديون ليسوا مزحة
شكل الجهاديون الذين يرغبون في تصدير الإسلام بالقوة إلى أنحاء المنطقة والعالم تهديدا في السابق، ولكن الوضع انتقل إلى مستوى جديد خلال الأعوام الأربعة الماضية.

فقد انبثق الصراع في ليبيا عن انتشار الأسلحة الثقيلة في أنحاء الشرق الأوسط، فيما أسفرت الحرب في سوريا عن ظهور قضية جهادية جديدة، ليأتي بعد ذلك حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ وهي الخطوة التي لاقت دعما من دول الخليج فيما عدا قطر.

ينفي الإخوان المسلمون وجود أي صلة تربطهم بالإرهاب، ولكن يبدو أن بعض أنصار الجماعة تخلوا عن صناديق الاقتراع. ومن ثم فقد أصبح الجهاديون في حرب مع الحكومات العلمانية والمسلمين المعتدلين في كل صوب.

ولم يعد الأمر يقتصر على تنظيم الدولة الإسلامية الذي يفرض صيغة متطرفة للإسلام في بعض المناطق في كل من سوريا والعراق فحسب؛ فالساحة تشهد وجود جبهة النصرة وفصائل سورية أخرى تنتهج أيدولوجيات متطرفة، بالإضافة لمجموعات شيعية كبيرة متطرفة من الجانب الآخر... 

انتابت حالة من التمرد الجهاديين الذين يقومون بأعمال إرهابية في معظم أنحاء ليبيا وفي شبه جزيرة سيناء في مصر. يقاتلون الحكومة والأمريكيين في اليمن.

ومع وحشية هؤلاء المتطرفين الذين يقومون بقتل المعارضين واستعباد النساء وقطع رؤوس الأسرى، فقد باتوا يمثلون تهديدا أخطر لا يقارن بأي شيء آخر يمكن ترويضه مثل الفساد والنظام العسكري الاستبدادي.

نظم ملكية باقية
جميع الدول التي أطيح بزعمائها - تونس ومصر وليبيا واليمن - كان يقودها مدنيون مستبدون مدعومون بقوة الجيش. وهكذا هي الحال في سوريا، حيث لا تزال الحرب مستعرة.

أما النظم الملكية، من المغرب إلى الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت، فلم تهب عليها تقريبا رياح الربيع العربي.

وفي البحرين، اضطر الحكام السنة إلى إخماد محاولة تمرد من جانب الأغلبية الشيعية. لكن في الإمارات المزدهرة، مضت الحياة على حالها الهادئة بالنسبة لأقلية من المواطنين المتمتعين بامتيازات كبيرة، وجيش من العاملين الغربيين الذي يعيش معظمهم في رغد وبحبوحة من العيش. أما الآخرون، وأغلبهم عمال آسيويون فاستمروا في بناء الأبراج وتنظيف الشوارع دون أن يلحظهم أحد أو يسمع لهم صوتا أو يكاد.

وقال أيهم كامل، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوارسيا في لندن، متحدثا عن دول الخليج "يمكنك بالفعل أن تشتري سبيلك للخروج من انتفاضة."

السنة والشيعة خلل مشترك
الخريطة الحالية للجزء المركزي من الشرق الأوسط - الشام - هي في الغالب نتاج لتقسيم القوى الاستعمارية لغنائم انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ولم يول اهتمام يذكر بالعداوات بين العرب في المنطقة والتي توجد منذ القرن السابع. وخلق هذا دولا فيها خليط من السنة والشيعة وجماعات أخرى. وبالنسبة للأجانب، فلا يلاحظون تقريبا أي اختلافات بين السنة والشيعة: فاللغة والمظهر والدين الأساسي والأعراف الاجتماعية بل ومعظم العادات واحدة.

لكن التاريخ يظهر أنه عندما تسيطر جماعة تطغى على الجماعات الأخرى، كما هو الحال في السعودية السنية. وعندما يكون هناك نوع ما من التساوي، يحدث عادة صراع فوضوي على السيادة والهيمنة مثلما حدث في لبنان، الذي انتهت حربه الأهلية التي استمرت 15 عاما في 1990، ويحدث الآن في سوريا والعراق. وإذا لم يكن هدف الدولة الإسلامية هو فرض الأصولية الإسلامية وإنما مجرد إنشاء منطقة سنية تمتد في الجزء السني من العراق وسوريا، فإن هذا الجانب يحظى ببعض الدعم من السكان.

لا ربيع فلسطينيا
لم تمتد انتفاضات الربيع العربي إلى فلسطين، لكنها لها تأثيرات كبرى عليها. فالأحداث في العراق وسوريا يجعل من غير المنطقي على ما يبدو أن تهاجم الدولة الإسلامية الأردن أو تحقق نجاحات في المستقبل في دولة فلسطينية جميع سكانها من السنة تقريبا.

ويميل الفلسطينيون إلى رفض هذه المخاوف. لكن الإسرائيليين ينصتون عندما يقول رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو بأنه سيكون من الحمق، في وقت فوضوي كهذا، الانسحاب من أرض تقع على أعتاب القدس وتل أبيب.

لذلك سيستمر الاحتلال وسيستمر معه الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس، وكل يوم يقرب الجانبين من كيان واحد ثنائي القومية لا يمكن لعراه أن تنفصم. ومن شأن ذلك أن يكون نهاية للدولة اليهودية - وربما أبرز النتائج المحتملة للأحداث التي أطلق شرارتها بائع متجول تونسي في 17 ديسمبر 2010.

دان بيري - أ ب
(67)    هل أعجبتك المقالة (72)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي