حملة الموصل العسكرية- إقصاء أطراف وتقوية حلفاء
مناطق جديدة تدخل ساحة الصراع الطائفي
منذ أكثر من سنتين وفي خضم أعمال العنف والتطهير الطائفي التي اشتعلت في العراق بعد أحداث سامراء في فبراير من العام 2006م، أشرنا في دراسة سابقة إلى بدأ تشكيل منطقة مسيحية في 'سهل نينوي'، الممتدة حدودها من قضاء مخمور شرقا وحتى مدينة القوش شمالاً؛ والذي يضم أقضية مهمة دخلت في الوقت الحاضر ساحة الصراع الطائفي بين القوى المتصارعة في الشمال على السيطرة على إقليم كركوك، بالإضافة إلى الصراع على حدود المحافظات الشمالية حيث يوجد الأكراد تحديداً، ومن هذه الأقضية الشيخان وتلكيف والحمدانية ومخمور، عدا عن النواحي الأكثر أهمية مثل رطله والكلك وبعشيقه وباغدار والقوش ودانه، ناهيك عن القصبات والمدن الأخرى الحيوية. وهذه الأقضية والنواحي والمدن تتعدى حدود محافظة كركوك التي يطالب الأكراد إلى ضمها إلى إقليم كردستان، فهي تمتد إلى حدود محافظات ديالا (من خانقين) مروراً بتل عفر وصولاً لمحافظة الموصل (إلى سنجار على الحدود العراقية السورية). (نظر الخريطة المرفقة اعلاه).
الأكراد: الحاجة إلى مسوغ قانوني للسيطرة على الأراضي المتنازع عليها
إن الصراع الدائر الآن يتعدى مشروع الاستفتاء أو ضم كركوك إلى الأكراد أو إلى إقليم كردستان؛ فقد تحقق لهم فعليا على الأرض تلك السيطرة؛ بحيث لا يحتاجوا من إبراز هذه المشكلة إلا إلى تأمين السيطرة الفعلية بوثيقة قانونية (على غرار الدستور وقانون إدارة العراق الذي أعطاهم الحق القانوني بالسيطرة على المحافظات الشمالية الثلاث رغم سيطرتهم فعلياً عليها منذ العام 1991.
كان هذا السهل مقصد العديد من العوائل المسيحية المنتشرة في عموم العراق للهرب من تداعيات الحرب المذهبية والطائفية التي أعقبت تفجير سامراء (1)؛ حيث أرادوا عزل أنفسهم عن الصراع الدائر بين المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي (الأكراد والشيعة والسنة). لذلك اختار قسم كبير منهم اللجوء إلى السكن في هذا السهل للابتعاد عن الوضع غير المستقر أمنياً أو سياسياً في أغلب مناطق العراق من جنوبه إلى وسطه. ساعدهم في هذا التوطين تلاقي رغبة الحاكم الفعلي على الأرض والمتمثل بالقيادة الكردية، وموافقة رئيس إقليم كردستان لهم بالسكن في هذا السهل، ومنحهم صكوك ملكية للإقامة في هذه المناطق. ولعله كان يسعى من هذا الأمر آنذاك إلى فصل الأكراد وعزلهم هم أيضاً عن الصراع الدائر بين القوى الشيعية والسنية، عبر تشكيل إقليم فاصل أو سهل يفصل الأكراد في كردستان عن المحيط العراقي الآخر (السني والشيعي) الذي تعتريه فوضى أمنية وسياسية واسعة.
تغير في الاستراتيجيات وليس في التكتيك فقط
لكن سرعان ما تغير موقف القيادة الكردية إلى الرغبة في ضم هذا السهل لإقليم كردستان؛ وذلك لأسباب تتعلق لفهم القيادة الكردية صعوبة تشكيل إقليم كردي أو دولة كردية (واقعياً) على الأرض، لاصطدام ذلك مع الرغبات الدولية أو الاستياء الإقليمي المتمثل برفض تركيا وإيران وسوريا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
لذلك وجدت القيادة الكردية صعوبة الاستقلال بدولة منفصلة في شمال العراق؛ بحيث انتقلت إستراتيجيتها سريعاً نحو كسب المزيد من الأراضي لصالح إقليم كردستان، ورفد الإقليم بمزيد من الثروات الاقتصادية والسياسية بما يحقق ثروة مادية وربما تاريخية (في المستقبل البعيد) للإقليم وشعبه. حتى ولو جاء هذه المكاسب على حساب الحقوق الشرعية المتحققة على الأرض للأطراف الأخرى والمكونات الطائفية والأثينية الأخرى. أي العمل ضمن مفهوم الحدود الممتدة، أي أن حدود إقليم كردستان لا تحددها خرائط تاريخية أو صكوك ملكية وثوابت سكانية أو حفريات بل هي حدود ترسمها سياسة الأمر الواقع وقوة القيادة الكردية على الأرض أي إنها تتوسع وتمتد أينما يوجد أو يقيم إنسان كردي، كما صرف بعض المتطرفين من الأكراد.
دور الأمم المتحدة في قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها
هذه المعادلة التي طرأت في التفكير الاستراتيجي للقيادة الكردية؛ حيث أدركت المعادلة الدولية والإقليمية وقيمتها في ضوء ما هو موجود وما يمكن الاستحواذ عليه. خصوصاً لحالة التشرذم والضعف التي يعيشها أو يمر بها الطرف الآخر (سواء الحكومة أو المكونات الأخرى الشيعية والسنية على وجه الخصوص). هي ذات الانتهازية التي تعاملت معها فيما يتعلق مع ممثلي الأمم المتحدة؛ فالأخيرة التي وضعت في موضع لا يحسد عليه عندما أعطت قوات الأمريكية للأمم المتحدة دوراً أكبر للتعامل مع قضية كركوك، لم تجد الأمم المتحدة الأدوات أو السياسات القادرة على تحقيق أو تفعيل ما اتفق عليه عراقيا (المادة 140 من الدستور)؛ بحيث سرعان ما تغيرت طريقة التعامل على أساس ما هو موجود وبما يحقق الأمن لجميع الأطراف. فكانت معالجتها ضعيفة، وانتقائية مما خرجت بنتائج كارثية؛ فقد جاء تعامل ممثل الأمين العام الخاص للعراق السيد استيفان ذي مستورا في العراق، جاء فردياً وانتقائياً حتى يمكن وصفه لدى البعض بالتواطؤ. في البداية فقد السيد ذي مستورا تركة خلفه أشرف قاضي الذي أعلن لنا في مقابلة شخصية جمعتنا معه في العاصمة الأردنية عمان، عن تأجيل الاستفتاء على كركوك لمدة سنتين لأن الظروف لا تسمح بذلك، خصوصاً أن الخطوات التي جاءت فيها المادة 140 والمتعلقة بإجراء إحصاء وتطبيع للأوضاع لم تجرى، أو بكلمة أدق لم تقع خطوات فعلية نحو تنفيذ نص المادة.
ذي مستورا خلفاً للقاضي
لكنه لم يكتف بالإعلان عن فشله حتى أعلن عن موقفه الشخصي في ضم إقليم كروك لإقليم كردستان. وجاء تعامل خلفه (ذي مستورا) انتقائيا هو الأخر؛ فالمتتبع لأداء ممثل الأمين العام ولقائه مع القوى العراقية المتصارعة في المحافظة انه جاء هو الأخر انتقائياً، فهو في الوقت الذي كانت أغلب لقاءاته مع الأطراف الكردية واسعة ومدروسة ومعده جيداً، لم يعط لنفسه أو الأطراف الأخرى الفرصة المناسبة والمساوية لبيان وجهت نظرهم بتطور الأوضاع ومستقبل المدينة (كركوك). فهو عندما أعلن عن مبادرته بتقسيم المناطق المتنازع عليه إلى أربعة مناطق فهو تجاوز صلاحياته بحسب المهمة الموكولة له من قبل المنظمة الدولية أو بحسب صلاحيات منطوق المادة 140، (أنظر الخريطة المرفقة):
1. كان عليه الالتزام بالموضوعية من خلال توزيع لقاءاته بصورة مناسبة مع أطراف الصراع وليس حصرا للقيادات على الجانب الكردي.
2. ليس من صلاحياته إعلان مبادرات تتجاوز المادة 140 التي نصت على دوره بصفته مراقباً دولياً على التجهيز والإعداد لتنفيذ الخطوات نحو الاستفتاء أي مساعدة العراقيين بتنفيذ المادة الدستورية، لا طرح مبادرات وآراء.
3. ولعل الأمم المتحدة ذاتها تجاوزت صلاحياتها عندما أعلنت تمديد المادة 140 إلى ست أشهر (تنتهي في حزيران)؛ بحيث تجاوزت الدستور العراقي الذي حدد نهاية يوم كانون أول 2007 نهاية التوقيت المعد للاستفتاء على كركوك؛ بحيث كان عليه أن يرجع العمل به أو التعامل مع المادة بالجهة التي حددتها أي البرلمان العراقي. والقول أن هذا الأمر جاء بالتوافق وقبول اللجنة الدستورية التي أنشأتها البرلمان لتنفيذ المادة 140 هو غير قانوني لأن عمل اللجنة هو الآخر توقف مع انتهاء المدة الزمنية التي حددها قرار الإحالة من البرلمان والدستور.
4. لعل أخطر ما جاء بقرار ذي مستورا القاضي بتقسيم الأراضي المتنازع عليها واستبدالها بحسب التوزيعات السكانية والاثنية هو إدراج مناطق تدخل خارج حدود محافظة كركوك؛ بحيث دشن السيد ذي مستورا مرحلة جديدة من الصراع ووسع إطار الصراع ليشمل مناطق ونواحي تتداخل في محافظات أخرى.
وعليه فالسيد ذي مستورا يعمل بذات النظرية السابقة وهي أينما يوجد كردي فإن حدود كردستان الممتد للمنطقة التي يعيش فيها؛ فالجميع يعلم بأن مناطق خانقين ومخمور وسنجار وتل عفر وهي مناطق من أعمال محافظتي ديالا والموصل ، وهي مناطق يوجد فيها أغلبية كردية؛ بحيث تأتي مبادرة ذي مستورا في استبدال هذه المناطق بالمناطق التي يوجد أو يسكنها أقلية غير كردية. مما يزيد من حدة الاحتقان ويرفع درجة الصراع إلى مستويات لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
كان من المفترض أن يقوم ممثل الأمين العام ذي مستورا الإعلان عن مشروعه في منتصف شهر مايو 2008، إلا أن كثرة المشاورات جعلته يؤجل الإعلان إلى وقت لاحق. يشير النائب الكردي عن قائمة التحالف الكردستاني السيد 'محمود عثمان' ان مشروع ذي مستوراً يتضمن ثلاث مراحل تركز الأولى على المناطق التي لا خلاف عليها وذات صبغة محددة بحيث يعطي الأهالي حرية الانضمام إلى المنطقة التي يرغبون بها، أما المرحلة الثانية فتتضمن المناطق التي فيها بعض الصعوبات بحيث يتم حل هذه المشاكل عبر التوزيع الذيموغرافي للسكان وحسب الأكثرية والأقلية، فيما تعد المرحلة الثالثة هي الأصعب إذ تتعلق بحل قضية كركوك من خلال مقترح معين.
تعد قضية تقسيم الأراضي وتوزيعها على أساس أغلبية وأقلية سيفاقم من حدة الانقسامات على المدى البعيد وقد يفجر الأوضاع في أكثر من اتجاه للأسباب التالية: (أنظر الخريطة المرفقة :- (تعيد فكرة استبدال الأراضي عبر تغيير في ذيمغرافيتها السكانية أمر محظور قد يفجر النزاع بين الأقليات التي ترفض التخلي عن مواطن سكناها الأصلية وخصوصا لدى الأقليات المسيحية والعرب والتركمان.
- إن مشروع ذي مستورا أو الأمم المتحدة المنوي تقديمه للأطراف العراقية خلال الأيام القليلة القادمة؛ لا يقدم شيء باستثناء إعطاء الأكراد الحق القانوني في ملكية الأراضي التي يسيطرون عليها منذ العام 2003 أي ان فكرة الأراضي المتنازع عليها (المناطق ذات اللون الأصفر) فكرة مثيرة للريبة حيث أنها تعبير لسياسة الأمر الواقع وانه من غير المتوقع ان ينسحب الأكراد من المناطق التي سيطروا عليها خارج حدود كردستان المعترف بها (اللون الأخضر). أي بكلمة أخرى إن المشروع المزمع طرحه يعد اعتراف واقعي بسياسة الأمر الواقع على الأرض والقبول بالطموحات الكردية.
- أما بخصوص كركوك فانه من غير المتوقع إجراء استفتاء عليها لأسباب عديدة أهمها الفشل الذي منيت فيه اللجنة البرلمانية الخاصة بتنفيذ المادة 140 خصوصا مع اقتراب موعد تأجيل المادة إلى نهايته مع نهاية هذا الشهر(31 حزيران 2008 )؛ بحيث لم ينفذ إلى الآن أياً الخطوات الخاصة بتنفيذ فقرات المادة من تطبيع الأوضاع والإحصاء. وعليه وجدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) وخصوصا وهي تقع تحت ضغوط اقتراب نهاية التزام العراق لقرارات الأمم المتحدة وخروجه من إطار الفصل السابع، وجدت أهمية الإسراع إيجاد حل عملي يقترب بصورة أو بأخرى من الأمر الواقع مع تسمر الأطراف، ورفض إيجاد تسوية لمصير هذه المحافظة؛ مما يفتح الباب مشرعا تجاه تقسيم المحافظة بحيث قد تنتهي بكونها محافظة، وتوزيعها إلى أقضية ونواحي ترتبط بمحافظات أخرى؛ وتوزيع هذه المناطق على الإثنيات والقوميات المختلفة بناء على ما اقترحه بالمراحل الأولى والثانية أي بتوزيع الأراضي على أساس أقلية وأغلبية؛ أي سيطرة الأكراد على المناطق المنقطة بالأصفر (انظر الخريطة) مقابل تخليها عن المنطقة الجنوبية من المحافظة لكن شرط استبدالها بمناطق أخري في تل عفر وسنجار وخانقين (أي نواحي واقضيه في كل من محافظة ديالا ونينوى. (2)
الحملة العسكرية في الموصل وإقصاء العرب والتركمان
استطاعت المعارضة العربية والتركمانية الشديدة للطموحات الكردية في ظل غياب واضح للحكومة أو أطراف الحكومة في دعم طرف على حساب أخرى بحيث اتخذت (الحكومة العراقية) موقف الحياد، استطاعوا إجهاض الطموحات الكردية في كركوك عبر استخدام مختلف الأساليب والطرق.
لسنا في معرض بيان هذه الأساليب بقدر الإشارة إلى أن هذه المعارضة بدئت تضعف أو يراد لها أن تكون كذلك. ولعل توقيت بدا الخطة الأمنية التي شرع رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بتنفيذها ضد منتسبي وأعضاء تنظيم القاعدة، اُستغلت من قبل قوات 'البشمركة' لملاحقة القوى المعارضة العربية ضد المشروع الكردي في المناطق والأقضية في الموصل تحديداً وسهل نينوي بصورة رئيسة؛ مما يعطي للانطباع بأنه توقيت تواطأت فيه الحكومة العراقية لاعتبارات سياسية ضيقه تصب في صالح الأحزاب الحاكمة (حزبي الدعوة والمجلس على وجه الخصوص)؛ إذ أن أحد النتائج المتوقعة لهذه الحملة التي أطلقت عليها (زئير الأسد أو أم الربيعين) تقويه الأكراد على حساب القوى الرافضة (العربية والتركمانية). واتضح ذلك على النحو التالي:
1. اعتقال أكثر من 150 ضابط عراقي من الجيش العراقي السابق من المقيمين في الموصل، وممن يرفضون النفوذ الكردي في الموصل وكركوك.
2. انتشار البشمركه خارج إقليم كركوك وكردستان، مما زاد من احتمالات الأكراد تصفية قوى المعارضة للمشروع الكردي، وهو ما حمل رئيس الوزراء على الإعلان أن أية قوى مسلحة خارج إقليم كردستان تعتبر مليشيا مستهدفة من جانب الحكومة.
3. وعليه اتجهت الحكومة إلى إدماج فوج العقرب (الكردي) لمشاركة القوات العراقية في الحملة العسكرية على الموصل. لإدراكها لعدم قدرتها مواجهة الإصرار الكردي سياسياً. وقد اتهم مجلس عشائر نينوى الحكومة والجيش العراقيين بالطائفية كونها تضم بين صفوفها مليشيات بدر والبشمركة.
4. سبق العمل بالحملة على الموصل قيام الحكومة العراقية بإدماج فرقتين من البشمركة بالجيش العراقي؛ بحيث أصبح أفرادها منتسبين مباشرة بالجيش العراقي، ويتلقون أوامرهم من قيادة وزارة الدفاع ومن القائد العام للأركان. وهو توقيت سبق بدا الحملة العسكرية بحيث يرى البعض أن هذا الإجراء إنما جاء لتشريع عمل قوات البشمركة خارج إقليم كردستان. وتجدر الإشارة إلى أن البشمركة أُدرجت ضمن القوات النظامية ورفض وصفها بالمليشيا في قرارات الحاكم المدني السفير بريمر الذي دعا جميع الأحزاب التي تملك مليشيا او قوات غير منتظمة بالجيش إلى المسارعة بحلها باستثناء قوات البشمركة؛ بحيث لم تعد كونها مليشيا كبقية المليشيات التي تتبع الأحزاب في العراق. لكن تبقى مشروعيتها محصورة بوجودها بالإقليم، وعدم خروجها بمهمات خارج الإقليم إلا بعد استشارة البرلمان الكردي ورئيس الإقليم بالتنسيق مع الحكومة العراقية. وعليه جاء هذا الإعلان ليفسح المجال للحكومة العراقية بالاستعانة بقوات نظامية مهيأة تخولها العمل خارج الإقليم.
5. اتضح العمل المنظم من خلال الاعتقالات التي وصلت إلى 1100 شخص بفترة قصيرة وقياسية بحسب تصريحات حكومية؛ وطالت بالإضافة إلى السنة من العسكريين أساتذة الجامعات أيضاً؛ حيث ظهر جلياً وجود قوائم جاهزة للاعتقالات معده مسبقاً.
6. الملفت للانتباه إلى أن الحكومة العراقية أعلنت بعد أيام من حملتها العسكرية في الموصل انه تم تنفيذ قرار الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية العليا بحق احد المنتسبين لتنظيم القاعدة في الموصل والذي اتهم بأنه وراء مقتل المطران المسيحي فرج رحو. لم تعلن الحكومة بالسابق أنها قامت بالقبض على احد المشتبه بهم ليفاجئ الجميع بقرار إعدامها احد المتهمين، الذين لم تفصح عنهم ولم تحدد مكان وتوقيت اعتقال المشتبه به، في إشارة تفهم بان الحكومة حاولت استغلال هذه الفرصة لتأجيج المشاعر المسيحية ضد القاعدة وتشجيعهم أكثر على التعاون مع الحكومة.
لكن تشير بعض المصادر إلى أن للأكراد دوراً وراء تصفية المطران، لتشجيع المسيحيون على الانسحاب وهجرة المدينة (الموصل) للالتحاق بالعوائل المسيحية واليزيدية والأقليات الأخرى التي التجأت إلى سهل نينوى للابتعاد عن الحرب الطائفية. وهي محاولة ربطها البعض إلى مسعى القيادة الكردية عبر استغلال هذه الحادثة في الضغط على المسيحيين للإعلان عن رغبتهم بالاندماج مع كردستان العراق.
بالفعل وهو ما اشر له البعض إلى قيام حكومة كردستان في تشكيل هيئة أو لجنة ذات طابع استشاري مهمتها أخذ عينات تواقيع من أهالي المدن الشمالية (محافظة الموصل) تعرب عن رغبة أبناءها بالطلب من الحكومة بالانضمام إلى حكومة كردستان. وهو ما أكده د. حنين القدو النائب عن كتلة التضامن في الائتلاف العراقي الموحد وممثل الشبك بالبرلمان؛ حيث أشار إلى هذه اللجنة معربا عن كونها لجنة غير شرعية؛ بحيث أنها لا تملك الحق القانوني أو الدستوري الذي يخولها بتغيير خارطة المدن وحدود المدن أو استطلاع آراء المواطنين خارج منطقة الحكم الذاتي.
7. بعد تنفيذ الحملة العسكرية في الموصل وتصريح ذي مستورا مؤخراً بان تقرير الأراضي المتنازع عليها هي جزء من سيادة الحكومة العراقية وان مهمته هي مساعدة الحكومة دون تفجر الأوضاع نظراً للانتقادات التي وجهت له وعرضت أعلاه من تجاوز صلاحياته بالإعلان عن مشروع لحل الأزمة حول المناطق المتنازع عليها، اتضح حجم المشكلة ونية الأكراد بالسيطرة على مناطق من الموصل وديالا خصوصا بعد ان رفضت آمرية لواء 34 كرميان التابعة لبيشمركة كردستان الالتزام بالأمر الصادر إليها بضرورة إخلاء مواقعها في مناطق قره تبة و عمر مندان و السعدية؛ حيث كان اللواء 34 كرميان تمركز في ناحية قرة تبة بمساندة من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال الطالباني و كذلك بيشمركة الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة السيد مسعود برزاني.
8. سعت بعض الأطراف السنية مثل الحزب الإسلامي تكرار تجربة مجالس الصحوة في مدينة الموصل في مسعى لتشكيل قوة سنية مسلحة في الشمال، وهو ما يرفضه الأكراد والقيادة الكردية التي تعمل على الحيلولة دون إنشاء هذه الصحوات، تماما كما ترفض إيجاد قوة للعشائر السنية في الموصل مما قد يهدد الهيمنة الكردية في الشمال. وهي تشترك في ذلك مع وجهة نظر الحكومة العراقية والشيعية على وجه الخصوص. ولهذا الأمر تداعيات مختلفة أبرزها دفع هذه العشائر باتجاه التنظيمات المقاومة والمسلحة وقد تجد القاعدة مكاناً لها بين هذه العشائر المهددة من الشيعة بالعموم والأكراد على وجه الخصوص.
الخاتمة:
ساهمت مختلف القوى المتحالفة منذ بدا الاحتلال في تقوية تحالفاتها من جديد على حساب مكون مهم وكبير مثل السنة. في ظل ضعف وتمزق واضح طال السنة في العراق نتيجة ممارسات خاصة لبعض القوى التي أرادت الصعود إلى الحكومة والبرلمان كونها التعبير الصادق والممثل الحقيقي للسنة في العراق. لقد اتضح على مدى السنوات الخمس نسق من التعامل بين القوى والكيانات السياسية لم يختلف كثيراً رغم تغير طال مختلف القوى (صعود أطراف وخروج أطراف أخرى) وهدد التحالفات (من خماسية إلى سداسية إلى ثلاثية) السابقة والقائمة لكن بقى كل من الأكراد والشيعة -(على من بقى منهم في الائتلاف- أكثر أمانة وحرصاً على تحالفاتهم وإن اختلفت التصريحات أو اضطربت العلاقات.
فكلاهما يدرك جيداً خطورة تداعيات وجود توازنات قوى داخلية وإقليمية وخارجية تفرض أجندتها على الساحة العراقية؛ قد لا تلتزم بمعطيات العملية السياسية في العراق أو لا تجد الدافع المناسب لاستكمال المشروع الذي شرعت إدارة الرئيس بوش الابن بناءه في العراق عبر الاعتماد على مظلومية الشيعة (الائتلاف العراقي الموحد) وحقوق الأقليات (الائتلاف الكردستاني)، وهو الأمر الذي قد يهدد مجمل الوضع في العراق والمنطقة أو يهدد الأحلام الكردية في الاستقلال، ويبعد الشيعة عن الحكم.
لقد كشفت أحداث الموصل صدق العلاقة السياسية بينهم؛ بحيث كانت حملة عززت من تحالفاتهم القديمة وأضعفت بصورة أكبر القوى الرافضة وربما أصابتها بمقتل، خصوصا مع ضيق الوقت واقتراب الحلقة الأخيرة من المشروع الأمريكي المعد للعراق، والذي ابتدأ باحتلاله وانتهى إلى تشكيل حكومة غير معادية للمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة. فالجميع الآن ينظر إلى أكتوبر من العام الحالي كونه التوقيت الذي يسدل الستار على المشروع الذي اعد للعراق ويفضي نهاياته إلى تقسيمه إلى ثلاث مناطق فدرالية لا يجمعها أو يربطها سوى حكومة ضعيفة في بغداد، فاقدة الصلاحيات ومتهمة بالفساد ويشكك في شرعيتها.
لازالت الحملة العسكرية في الموصل مستمرة دون أية معارك عسكرية مهمة مع سيطرة واضحة للقوات الحكومية على الأرض، لكن في نفس الوقت دون تهديد واضح لبنية القاعدة او التنظيمات المقاومة الأخرى؛ فالتنظيم لم يتعرض لحملات عسكرية مهمة بحيث احتاط التنظيم قبل بدء العملية وحافظ على قوته، مستفيدين من تجربة المناطق الغربية، كما استفادوا من رفض الأكراد تشكيل مجالس صحوة على غرار ما جرى في مناطق الانبار التي أنهت الوجود أو أضعفت قوة وتأثير القاعدة فيها. بل تشير التقارير الواردة من الشمال إلى التجأ عناصر التنظيم إلى المناطق التي يتواجد فيها تنظيم أنصار السنة الكردي والى مناطق عشائرية سنية متعاطفة مع المقاومة. وهو ما سنعكس بصورة سلبية على الأوضاع المستقرة في المحافظات الكردية؛ فهل سنشهد انتقال العنف إلى المناطق الكردية الآمنة منذ العام 1991؟.
(1) تكثفت الحملات ضد المسيحيين في المدن الجنوبية في العراق صعودا نحو الشمال، ففي مدينة البصرة مثلا لم يبق إلا 400 مسيحي فقط ،ولقد تهجّر 250 ألف منهم نتيجة التهديدات والمساومة من قبل المليشيات المذهبية والحزبية، فلقد قال البروفيسور إفرام عيسى وهو أستاذ في الجامعات الفرنسية ( أن مليشيات الصدر وحزب الفضيلة في البصرة هي المسؤولة عن تهجير المسيحيين .. وخير أفراد المليشيات المسيحيين بين الموت أو دفع الجزية إذا لم يتحولوا إلى الإسلام).
انظر سمير عبيد: المسيحيون الشرقيون في العراق يتعرضون للاجتثاث والمساومة بين الجزية أو الدخول في الإسلام، 5/6/2007، موقع الكاتب.
(2) بخصوص كركوك اعتمدت أفكارا ترتكز على الاستغناء عن عملية الاستفتاء باللجوء إلى ثلاثة معايير ، الأول الاعتماد على النتائج التي أفرزتها الانتخابات سنة 2005 . و الثاني اخذ نتائج الإحصاء السكاني لسنة 1957 في نظر الاعتبار . و الثالث مراجعة القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة المنحل بخصوص مسألة توزيع الأراضي الزراعية . و يتحدث دي ميستورا في مشروعه عن تقسيم المناطق التي يسميها بالمناطق المتنازع عليها إلى صنفين ؛ المناطق السهلة و المناطق الصعبة . و تشمل المناطق السهلة كل مدينة أو قصبة أو قرية تفوق فيها نسبة فوز إحدى القوائم الانتخابية على 70 % و المناطق التي تقل فيها نسبة الفوز عن 30 % - 40 % .
Ra'ed Fawzi Ihmoud
AIRSS Deputy Director General
AIRSS (Arab Institute for Research and Strategic Studies)
Tel: 00962 6 5829601, Fax: 0092 6 5829603
Email: [email protected] or [email protected] and [email protected]
Website: www.airss.net , www.airss.net/ar , www.iam-human.com
Subscribe to www.airssforum.com
Please visit our news agency www.airssnews.com
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية