أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تقرير حقوقي.. 85 ألف مختف قسريا في سجون النظام

بمناسبة "اليوم الدولي لضحايا حالات الاختفاء القسري"، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرا أكدت فيه وجود 85 ألف شخص مختف قسريا في معتقلات بشار الأسد، مذكرة السوريين بمأساة الاختفاء القسري التي بدأ شبحها يلوح عقب مجزرة حماة 1982، أيام حافظ الأسد، وقد استمرت هذه المأساة طيلة فترة حكمه حتى عام 2000، حيث تضخمت في ظل حكم ابنه بشار، الذي تجاوزت أجهزته كل حدود الاعتقال والتعذيب والإهانة، المعقولة وغير المعقولة.

وهذا نص التقرير الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
خمس وثمانون ألف شخص مختفٍ قسرياً في معتقلات النظام السوري
في اليوم الدولي لضحايا حالات الاختفاء القسري 
التقرير يحتوي على:
مقدمة
النظام السوري
تنظيم الدولة الإسلامية
المعارضة المسلحة
الاستنتاجات والتوصيات

مقدمة التقرير:
الاختفاء القسري جريمة متعددة الأبعاد كون أثرها لايتوقف عند الضحية نفسه بل يمتد ليشمل أقرباءه بل وحتى أصدقاءه، ولسوريا تحديداً تجربة اجتماعية غاية في الألم والمرارة، عقب ارتكاب نظام حافظ الأسد مجزرة حماة المروعة في شباط/1982، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، وخلفت ما لايقل عن 22 ألف مفقود أو مختفٍ قسرياً بحسب تقديرات حقوقيين في تلك المرحلة، ولا يعلم حتى اللحظة هل هم أحياء أو أموات، حيث لم تقم الحكومة السورية بالكشف عن مصيرهم، أو القيام بأي تحقيق في ذلك، بل تركت تبعات وآثار كل ذلك تتفشى ظواهر اجتماعية ونفسية غاية في الألم والقسوة على أبناء المحافظة، فلا يعلم أهل المختفي أي شيء عن مصيره، وقد ينتظرون سنوات عدة على أمل أن يعود يوماً ما، وخصوصاً أن نظام حافظ الأسد -وزيادة في المعاناة- كان يخرج كل بضعة سنوات شخصاً أوعدة أشخاص كانوا في عداد القتلى بالنسبة لذويهم فإذا هم أحياء، فيبعث روح الأمل الممزوج بالمعاناة لعشرات آلاف الأُسر الأخرى، وتبدو المعاناة على أشدها عندما يكون المختفي متزوجاً قد ترك وراءه زوجة لا تدري أتنتظر زوجها الذي سيخرج من سجنه عما قريب أم أنه في عداد الموتى، وعديدة هي الحالات التي تزوجت فيها نساء المختفين من غيرهم فإذا بالمختفي يعود من معتقله بعد بضع سنوات من الاختفاء، إضافة إلى أن الشخص المختفي قد يكون معيلاً لأسرة كاملة.

سار نظام الابن بشار الأسد على خطى سياسة والده بل على نحو أشد اتساعاً لتشمل سياسته تلك جميع المحافظات السورية، حيث يستخدم جريمة الاختفاء القسري كسلاح حرب لإرهاب الحراك الشعبي والمعارضة على حد سواء.
وحتى بعد خروج الشخص المختفي من المعتقل فإن آثار ذلك النفسية والاجتماعية تمتد لسنوات وتهدد كامل مسيرة حياته.

أولاً: النظام السوري:
منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي وبالتزامن مع عمليات القتل اليومية خارج نطاق القانون، شن النظام السوري حملات اعتقالات واسعة، استهدفت قادة الحراك الشعبي بالبداية ثم توسعت لتشمل جميع من له صلة من قريب أو بعيد بالحراك الشعبي أو أي نشاط سياسي أو فكري أو إعلامي أو إغاثي يصب في خدمة هذا الحراك، وبعد أن تحول الحراك الشعبي إلى نزاع مسلح، امتدت الاعتقالات لتشمل المقاتلين وأقربائهم، ولما عجزت أغلب الأجهزة الأمنية عن الإمساك بجميع الناشطين، فقد انتهجت سياسة الاعتقالات الواسعة لعلها أثناء التحقيقات ومن خلال عمليات التعذيب الوحشية تنتزع اعترافات تشير إلى أماكن وأسماء ناشطين آخرين.

في حال عدم تمكن أجهزة النظام السوري من اعتقال أحد الأشخاص، فكان يصار إلى اعتقال زوجته أو والده أو أحد أقربائه، كما أشار إلى ذلك تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 18/تشرين الثاني/2012، وهذا ما يفسر الأعداد الضخمة التي يصعب تخيل حجمها من المعتقلين والمختفين قسرياً.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تمتلك قوائم بأكثر من 110 آلاف شخص مازالوا محتجزين حتى اللحظة لدى النظام السوري، ولكن التقديرات تشير إلى وجود ضعف في هذا الرقم في الحد الأدنى، بسبب الصعوبة الشديدة جداً في الوصول إلى معلومات عن جميع المحتجزين، ولهذا فإن تقديراتنا تشير إلى وجود ما لايقل عن 215 ألف شخص محتجز حتى اللحظة لدى النظام السوري.

الكارثة الكبرى أن أغلب هؤلاء لا توجد معلومات عن أماكن وجودهم، بحسب روايات عشرات الأُسر للشبكة السورية لحقوق الإنسان. تُنكر السلطات السورية مراراً وتكراراً أنها تحجزهم، بل غالباً ما تخبر الأهالي بأن أولادهم معتقلين من قبل تنظيم القاعدة على سبيل الاستهزاء بهم وزيادة معاناتهم.

يقول فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: "لم تكتفي السلطات السورية بالاعتقال التعسفي بل أخفت عشرات الآلاف منهم مرتكبة عدة جرائم في آن واحد، فحتى الشخص المعتقل لابد أن يحتجز في ظروف إنسانية، وفي مكان تشرف عليه الحكومة وتصرح به، فهي تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته وأمنه وعدم تعرضه للتعذيب، وربما للموت، وإن رفضت السلطات السورية إعطاء معلومات عن المحتجزين وأماكن احتجازهم تُعتبر مشاركة حقيقية في جريمة الاختفاء القسري".

لقد انتهجت السلطات السورية سياسة الإخفاء القسري بشكل واسع واستخدمتها كسلاح حرب لإرهاب الحراك الشعبي عبر إخفاء عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري، وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام النظام السوري بإخفاء ما لايقل عن 85 ألف شخص.

وقد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً موسعاً حول الأفرع الأمنية في سوريا، والقائمين عليها بتاريخ 1/نيسان/2013 إضافة إلى العشرات من الحالات المميزة لأشخاص بارزين في المجتمع السوري، اعتقلوا من قبل النظام السوري ولم نعد نعلم عن مصيرهم أي شيء.

النظام السوري لم يصادق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري عام 2006، ولكن البند التاسع من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 يحرم بشكل قاطع الاختفاء القسري، والنظام السوري طرف فيه، مما يجعله مسؤولاً بجميع أركانه أمام المحاكم الدولية أو الخاصة عن جميع الأشخاص الذين قام بانتهاك حقوقهم وبإخفائهم قسرياً.

في بعض المناطق الكردية الخاضعة لسيطرة "قوات الأشايس" توسعت ظاهرة الاختفاء القسري بحق العديد من الأهالي، وقد وردتنا العديد من حالات الاعتقال التي يزعم ذووهم فيها أنهم لايعلمون عن مصير أبنائهم أي شيء منذ عدة أشهر وحتى الآن.

ثانياً: تنظيم الدولة الإسلامية:
على خطى النظام السوري قام تنظيم الدولة الإسلامية باعتقال المئات من الأشخاص ومارس جريمة إخفائهم قسرياً، والهدف أيضاً هو نشر الذعر في المناطق الخاضعة لسيطرته، فلا يجرؤ أحد من أهالي المعتقلين عادة على مراجعة مراكز احتجاز تنظيم الدولة الإسلامية، وقد تركزت أغلب حالات الخطف على النشطاء الفاعلين، إعلاميين أو عسكريين أو حتى نشطاء الإغاثة، ومن أبرز حالات الاختفاء القسري لدى التظيم الأب باولو دالوليو، وفي الحقيقة وبحسب معرفة الشبكة السورية لحقوق الإنسان بهذا التنظيم المتطرف فإنه يستسهل إعدام خصومه وبالتالي فإنه لا يمكن تحديد كونهم أحياء أو ضمان استمرار بقائهم كذلك.

ثالثاً: فصائل مسلحة:
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حصول بعض حالات الإخفاء القسري من قبل بعض كتائب المعارضة المسلحة، وكانت الحادثة الأبرز هي إخفاء الزملاء رزان زيتونة و وائل حمادة وسمرة الخليل بعد اختطافهم في مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة بتاريخ 11/كانون الأول/2013 ولم يعلم مصيرهم حتى لحظة طباعة هذا التقرير.

الاستنتاجات والتوصيات:
لقد مارس النظام السوري جريمة الإخفاء القسري على نحو منهجي و واسع النطاق، تجاه عشرات الآلاف من المدنيين السوريين، ومازالت الجريمة مستمرة منذ عام 2011 وحتى الآن، وهي بحسب المادة السابعة من قانون روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية.

استخدم النظام السوري الإخفاء القسري كسلاح حرب ضد المعارضة المسلحة، وقام بإخفاء أقرباء مقاتلين، وعوائل بكاملها، منتهكاً القانون العرفي الإنساني وقانون روما الأساسي، مرتكباً جرائم ترقى إلى أن تكون جرائم حرب، وكذلك بعض الميليشيات الكردية.

كما اتبع تنظيم الدولة الإسلامية السياسة نفسها ضد خصومه مرتكباً جرائم ترقى إلى أن تكون جرائم حرب، كما مارست بعض فصائل المعارضة المسلحة السياسة نفسها، وإن كانت على درجة أقل من النظام السوري وتنظيم الدولة، لكنها موثقة لدينا في بعض الحالات.

التوصيات:
إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن:
يتوجب على مجلس الأمن إصدار قرار مُلزم يُجبر السلطات السورية على إخلاء كافة المحتجزين السلميين ونشطاء حقوق الإنسان والإغاثة والإعلام، والسماح للجنة التحقيق الدولية المستقلة بالوصول إلى جميع مراكز الاحتجاز من أجل التحقيق في المزاعم الرهيبة حول انتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز الاحتجاز، من أجل محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.

كما يتوجب وعلى نحو فوري السماح لكافة المحتجزين الاتصال مع أقربائهم ومع المحامين والأطباء، وإيجاد ضمانات ملزمة لمنع تكرار الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز.

يجب على المجتمع الدولي إبقاء قضية المعتقلين السوريين والمختفين قسرياً حاضرة أمام أعينهم لأنها تمسُّ عائلات ما لايقل عن 85 ألف مختفٍ قسرياً وهم محرومون قطعياً من زيارة أقربائهم المحتجزين، والذين لا يحصلون على أية رعاية قانوينة أو طبية أو حتى إنسانية.

زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي