غناء مثقل بعبارات القتل في بلد فيروز ووديع

تتذكر المجتمعات العربية زمن "الغناء الجميل" في لبنان، حيث الصعود الى قمم الموسيقى الخاصة مع فيروز والرحابنة وصباح ونصري شمس الدين والبهي الراحل وديع الصافي، مرورا بماجدة الرومي ووصولاً الى نجوى كرم وجوليا، وعشرات الأصوات الاخرى التي توصف بالرقي.

في لبنان، توصف تلك الاسماء بـ "عمالقة الطرب الذين لمعت أسماؤهم لتدخل سجل الخالدين في تاريخ الأغنية اللبنانية".

عنف ودم

اليوم انقلبت الصورة رأساً على عقب وخرجت الأغنية اللبنانية عن مساراتها الإبداعية لتدخل انفاقاً من الانحطاط، تتلطخ جوانبها بالعنف والدم، وتعكس تحولا كبيرا في ثقافة مجتمع عرف الاغنية على نقائها.

من "بعدك على بالي، سألتك حبيبي لوين رايحين"، و"حبيتك بالصيف"، و"شايف البحر شو كبير"، لسفيرة الفنانين العرب، المطربة ذات "الصوت الشامل"، صوت لبنان الذي فتن الشعراء فيروز، في أغنياتها التي لن تذهب بعيدا عن الذاكرة العربية، مثل "جايين يا أرز الجبل"، و"طلوا احبابنا"، و"الله معك يا بيت" لوديع الصافي، الى "يلي بيرميكي بوردة براسو بخرطش فردي"، و"ويلي بيطلع فيكي بيتملو عياله".

من رومانسية وشاعرية طبعت اغاني الحقبة الماضية، الى غزل من نوع آخر لا يستثني القتل والكراهية.

فالمغني اللبناني مروان الشامي يريد التغزل بحبيبته طالباً منها ان تغمره و"تكسر له ضلوعه وتجرحه لتنزل دموعه"، حتى ان معاني الأغنية وصلت إلى رفع ضغط الدم "رفع ضغطي حرق دمي"، وانتقلت بعد ذلك إلى الحاجة إلى الذهاب لطبيب نفسي "جيبولي دكتور نفسية".

لم يتردد المطرب اللبناني، المشهور عربياً، فارس كرم في ان يكون معسل (تبغ) لكي تحرقه حبيبته بالاركيلة، "ريتني تنبك معسل وتحرقيني باركيلة".

حقبة من الزمن تفصل بين الاغاني القديمة والجديدة، التي تعكس التغيرات التي مر بها لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، في سبعينات القرن المنصرم، مروراً بجولات العنف المستمرة الناتجة عن مشاكل سياسية وأمنية، حتى انعكاس الحرب السورية على لبنان.

إذا كانت الفنون مرآة لشعوبها ومجتمعاتها، او هكذا يفترض ان تكون برأي علماء الاجتماع، فإن الأغنية اللبنانية، وفي خلال العقود الثلاثة السابقة، جسدت في أحسن أثوابها وسميت حقبتها بـ "العصر الذهبي".

تواجه بعض الاغاني اليوم انتقادات كثيرة مردها العنف والقتال، ووهي ظواهر تشكل خطراً على ثقافة الأجيال المقبلة، هذا هو "عصر العنف".

بين قبول البعض من المجتمع اللبناني لهذا النوع من الاغاني، الذي يوصف بالمبتذل، والرفض الشعبي والرسمي له، تواصل هذه الموجة من الغناء انتشارها في الشارع اللبناني، حاملة معها فيروس الكلمات التي تفتقد قواعد اللذة، وتمتلىء حشاياها بمعاني القتل والدمار التي يتعرض على اثرها المستمع إلى صدمة فنية من نوع ما.

تشوهات مجتمعية

يرى خبراء أن هذا الشكل من الاغاني يشكل خطراً على التكوين النفسي للأجيال المقبلة، بعد عصر ذهبي طغى عليه اسلوب رفيع من الغناء، طاملا حرص مطربوه على مراعاة الذوق العام في المجتمع.

هناك جدل مستمر حول انتشار هذا النوع من الاغاني، باعتبار ان لبنان مر في كثير من المراحل التاريخية الصعبة التي عمت بها الدموية وانتشرت خلالها ثقافة الصراع، في السبعينات والثمانينات، لكن على الرغم من ذلك لم تشهد الساحة الفنية هذا الكم من الايحاءات العنيفة، حتى في الاغاني الثورية التي ازدهرت عند طرفي النزاع اللبناني آنذاك.

ويرى أخصائيون نفسيون ان الفن، الذي يتضمن عنفاً وقتلاً، يعكس دواخل مجتمع عاش وما زال يعيش في الواقع العنيف، خاصةً ان الأحوال في لبنان تتدهور يوماً بعد يوم، وتتجه على ما يبدو إلى تكرار تجارب السبعينيات المؤلمة.

ويصعب وضع حد لظاهرة الاغاني المبتذلة او تلك التي تنحى منحا عنيفا، بحسب كبار الموسيقيين لغياب الضوابط، ان كان عبر نقابة الفنانين او عبر غيرها من الجهات المختصة في لبنان.

وبدوره انتقد الفنان وليد توفيق، عبر جريدة الرأي الكويتية الأغنيات التي وصفها بـ "الهابطة" وما تبعث به من رسائل غير هادفة.

وقال أن تلك الاغاني ستظل موجودة ويصعب حصارها والحد من انتشارها بسبب الفضائيات، التي تهدف لترويج نوع محدد من الأغنيات لأسباب تجارية بعيداً عن الفن الحقيقي.

وأكد ان نجاح تلك الأغنيات "هو نجاح وهمي مبني على الخداع، ولن يستمر طويلاً، وحينما يتم وقف عرض أغنيات هؤلاء، فسرعان ما سينساهم الجمهور".

والحقيقة ان من يتابع الحركة الفنية في لبنان لن يفاجأ بدرجة الانحطاط الذي وصلت اليه الأغنية. ومع ذلك، يبقى لبنان من الدول النادرة التي تستطيع ان تنتج فناً تحت القصف والقتل، وان تساعد في ترويج أغانيها.

بيروت - صحف
(222)    هل أعجبتك المقالة (31)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي