أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

توثيق الجلاء في الشريط السينمائي

كانت السينما في أوائل عهدها عندما جاء جيش الاحتلال الفرنسي, وبدأت تلفت الأنظار الى هذا الوافد الجديد, ووصل الأمر في بعض عشاق السينما الى شراء كاميرات صغيرة لتسجيل بعض الاحداث ومنهم ايوب بدري وبهجت المصري ورشيد جلال.

 

وحظيت قضية النضال ضد الاحتلال باهتمام السينمائيين أثناء وجود الاحتلال, فظهرت أفلام تحكي جانبا من نضال شعبنا لتحقيق الجلاء, وأصبح لتلك الأفلام قيمة سينمائية وتاريخية , لأنها كانت ابنة اللحظة النضالية بكل ما تتضمنه من حماس وتحد ومبادرة لتحقيق عمل يصور جانبا من الأساليب النضالية التي قام بها شعبنا للتعبير عن رفضه للاحتلال وسعيه للحرية والاستقلال.‏

ولم يكن عمل السينمائيين في توثيق تلك المشاهد سينمائيا عملا سهلا, فقد كانوا يتعرضون للضرب, وهم يصورون حشود المواطنين الثائرين, وما سلم من الأشرطة المصورة, كان يخضع للرقيب العسكري الذي كان آنذاك في بيروت.‏

ومن اهم الوثائق السينمائية التي صورت في تلك الفترة اعمال المصور الرائد نور الدين رمضان, ذلك السينمائي المنسي الذي عاش بعد الاستقلال بعيدا عن السينما التجارية واكتفى بإصلاح آلات التصوير الفوتوغرافي موردا لرزقه.‏

اشترى نور الدين الكاميرا من رجل ألماني, وسجل بشريط السينما الأحداث الوطنية في الثلاثينيات, أبرزها جلسة افتتاح أول برلمان سوري والاستقبال الحافل لعودة المناضلين الذين أبعدتهم سلطات الاحتلال عن الوطن, ومنهم عبد الرحمن الشهبندر وسلطان الأطرش, وزيارة ضريح الشهيد يوسف العظمة, وحفل تأبين المناضل ابراهيم هنانو.‏

وعرض نور الدين رمضان هذه المشاهد في عام 1932 في صالة سينما الصالون قرب ساحة المرجة, وقد بترت الرقابة الفرنسية مشاهد كثيرة من الفيلم, وحسب ما ذكره رشيد جلال مؤرخ سينما تلك الفترة اقتطعت الرقابة الفرنسية في بيروت أكثر من ثلاثة أرباع الفيلم ولا يشكل ما سمحت بعرضه سوى ربع الأشرطة السينمائية التي قدمها نور الدين رمضان للرقابة, كما منعت عرضه في المحافظات السورية.‏

وبعد الجلاء تأخر ظهور الأفلام الوثائقية عن فترة الاحتلال الى منتصف السبعينات لأن أغلب المشاهد السينمائية التي وثقت تلك الفترة كانت موجودة في المكتبات السينمائية الأوروبية, وكانت تطلب مبالغ مالية كبيرة لقاء نسخها واستخدامها في الأفلام الوثائقية السورية.‏

وبمبادرة من المخرج أمين البني الذي كان يرأس دائرة شؤون السينما في التلفزيون السوري, فقام بإخراج فيلم (طريق الجلاء) في عام 1976 الذي كان بداية لمشروع كبير في ستة أجزاء بعنوان(مذكرات وطن) استغرق إنجازه ثلاث سنوات بين عامي 1984 و,1987 وتحدث عن تاريخ سورية خلال مئة عام, وخصص البني نصف الفيلم للحديث عن نضال الشعب العربي السوري ضد قوات الاحتلال الفرنسي, وحفل الفيلم بمشاهد سينمائية نادرة.‏

وفي الجزء الرابع عرض الاحتفالات الشعبية بدخول الجيش العربي الى دمشق في عام 1918 ومؤتمر باريس وينتهي بمعركة ميسلون.‏

واستعرض الفيلم في الجزء الخامس اصرار شعبنا على وحدة الوطن بعد محاولات سلطات الاحتلال تقسيم البلاد, ثورات صالح العلي وابراهيم هنانو والاحتجاجات الشعبية على ممارسات الاحتلال.‏

وفي القسم السادس استمرار النضال الوطني بشقيه الحربي والسياسي والإضراب الشعبي الكبير عام 1936 وفي نهايته عدوان أيار ,1945 ثم الجلاء في نيسان .1946‏

واستطاع المخرج عبد المعين عيون السود أن يلتقط صورا موثقة عن الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الاحتلال وضعها في فيلم بعنوان (بين الوثيقة والراوي) من إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام .1982‏

ومنها صورة نادرة للثوار في غوطة دمشق امام خريطة يحددون عليها خطط الهجوم على جيوش المحتلين,بمعنى أن النضال لم يكن عشوائيا أو ارتجاليا.‏

وفي ذكرى الجلاء نحيي جهود السينمائيين الرواد الذين تركوا لنا مشاهد بصرية توثق اصرار جماهير شعبنا على مواجهة الاحتلال بكل ما استطاعوا من قوة على الرغم من إدراكهم لتفاوت القوة بين طرفي الصراع.‏

تشرين السورية
(87)    هل أعجبتك المقالة (95)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي