أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صنعته أم ثائرة


مجموعة من الحرائر السوريات كلهن يقمن في مدينة كلس التركية القريبة من الحدود الشمالية لسورية والمقابلة لمدينة اعزاز ومعبر باب السلامة, نسوة جمعتهن المعاناة وفراق الوطن , وألفت بين قلوبهن الفجيعة التي تعيشها سورية, كلهن خرجن من ديارهن هرباً بأطفالهن من الموت في مدن وبلدات سورية, ذلك الموت الذي تحمله صواريخ بشار الكيماوي وقذائفه , وتنقله أحياناً جحافل الجنود الإيرانيين والحزبلاتيين.
منذ العام الماضي وجدت النسوة أن لا مناص من البحث عن عمل يقيهن شر الحاجة والفقر , خاصة أنهن في بلاد جديدة بالنسبة إليهن, وكما جميع نساء سورية كن شامخات أبيات لا يعرفن الذل والمهانة وحسب قولهن (نحن بنات عز مو شحادات) , هن يرفضن أن يقفن في طوابير الإغاثة بل يعتقدن أنهن أكبر بكثير من وقفة كتلك فقررن أن يقمن بشيء جديد يظهر حقيقة المرأة السورية التي أعطت ومازالت تعطي دروساً في الشرف والعزة والكرامة وحب الوطن لنساء الأرض جميعاً.
أكثر من ثلاثين امرأة سورية قمن في بداية الشتاء الماضي بتجربة جديدة وهي صناعة ملابس صوفية بالطريقة اليدوية حيث قمن في العام الماضي بحياكة كمية ضخمة من الملابس الصوفية ونظمن معرضاً باسم صنعته أم ثائرة دون أضواء صحفية ودون ضجة إعلامية حيث كان الهدف تأمين بعض الأرباح لهن بطريقة العمل المنزلي الذي يحتاج جهداً كبيراً إلا أنه يحافظ على الكرامة والشموخ وهذا هو هدفهن الرئيسي, وقد نجح معرضهن في العام الماضي بعد أن حصلن على موافقة والي كلس لإقامته وبعن فيه كل ما تم إنتاجه.
 بطلات زوجات أبطال لم يقتصدن جهداً في الوقوف إلى جانب أزواجهن في هذه المحنة التي تتعرض لها البلاد.
نجلاء الشيخ صاحبة الفكرة ومنفذتها , تلك المرأة الحرة التي تقوم على مساعدة الجميع في تنفيذ هذا المشروع , حيث تقوم بتأمين الصوف وتوزيعه على باقي النسوة وتشرف على العمل وترتب لإقامة معرضها الثاني بعد أسابيع , حدثتنا بالكثير حول المعاناة والصبر والخطوات والأهداف .
تقول نجلاء: الظروف الصعبة تطلبت منا التفكير بحل لمشاكلنا المادية رغم أن متطلباتنا بسيطة ولا نطمح إلا للعيش الكريم فقط , نحن مجموعة من النسوة , لسنا منظمة ولسنا اتحاداً نسائياً وليس لنا أية تسمية , ما يربطنا هو ثورة الحرية والكرامة والرغبة في فعل شيء مؤثر على حياة أسرنا ومساعدة أزواجنا وإخوتنا , كنا في سورية (مدللات) وكل شيء يأتي إلينا ونحن (ستات بيوتنا) لكن الظروف تغيرت فقررنا أن لا نكون ممن يقفن في الطوابير ليحصلن على خبز أو طعام من أي نوع , لسنا نحن من يقف وقفة كتلك , فنحن يا أخي (سوريات) وليت الجميع يعرفون من هي المرأة السورية, كنت صاحبة الفكرة وعرضتها على النسوة الموجودات هنا ولاقت الفكرة ترحيباً منهن , وبدأنا التنفيذ, وقد نجحنا في العام الماضي نجاحاً جيداً , وهذا العام زاد عددنا واتسعت الخبرة في العمل وأعتقد أن الأمور تكون أفضل , لم نحصل على الترخيص هذا العام حتى اللحظة لكن هناك وعود من الوالي أن سيعطينا ترخيصاً , كل ما نخشاه ونفكر به هو طريقة تصريف أو بيع منتجاتنا , وهذا كل ما يشغل بالنا , بكل حال المنتوجات جيدة جداً ومتقنة الصنع وأعتقد أننا سنجد من يشتريها بسهولة.
تضيف نجلاء: قد يرى البعض أن مشاريع صغيرة كهذه لن تكون ذات فائدة لكنني أرى أن هذه المشاريع الصغيرة ستكون مساهمة منا نحن حرائر سورية الأبية ببناء بلادنا وسنستمر في مشروعنا هذا حتى بعد سقوط النظام والعودة إلى ديارنا , ولا تنسى مثلاً اليابان فبعد أن دمرت مدن بالقنبلة الذرية , أعادت بناء نفسها وبالمشاريع الصغيرة وغالباً المنزلية منها , فمهما صغرت المشاريع فإن كثرة الأيدي العاملة المخلصة التي تعمل للمنفعة الشخصية والوطنية معاً ستكون ذات تأثير كبير على الواقع مهما كان صعباً ومهما اعتقدنا أن النجاح محال.
لقد أطلقنا على هذا المشروع اسم (صنعته أم ثائرة) وذلك لتعزيز ثقة المرأة السورية التي شاركت الرجل بالثورة بنفسها , والتأكيد على دورها في المجتمع السوري حتى في أحلك الظروف وأقساها , لقد قمنا هذه المرة بصناعة أكثر من مئتي قطعة وحقيقة كل ما أخشاه أن لا يتم بيع جميع القطع في المعرض الذي سنقيمه , ولن أخجل في أن أخبركم أننا نحصل على الصوف دون أن ندفع حالياً بل (كله دين), وأفكر لو استطعت أن أقيم المعرض في اسطنبول علنا نحصل على عدد أكبر من الرواد والزائرين والمشترين لكنني أعتقد أن هذا العام سيكون من الصعب تحقيق ذلك وقد نقوم بذلك في العام القادم إن لم يكن في دمشق أو حلب أو حمص إن شاء الله.
وحول سؤالنا عن خطة مستقبلية لتطوير هذا المشروع أجابت نجلاء: نعم بالتأكيد لدينا خطة للتطوير وتتمثل بأننا نخطط لافتتاح مركز لتعليم النساء بعض المهن اليدوية بالإضافة لوضع برامج لإعادة تأهيل المرأة , ونعمل على ذلك ولكن بخطى بطيئة والسبب في ذلك أننا لا نتبع لأحد لا من المنظمات أو الشخصيات بل وبصراحة مطلقة نرفض أن نكون تابعات لأي جهة , نحن اخترنا الحرية وأن نعمل تحت مظلة معينة فهذا يعني أننا سنغدو عاملات في مصنع ليس لنا وهذا ما لا نقبل به.
بعد أن قمنا بجولة في بعض ورشات العمل الصغيرة (في البيوت) وجدنا أن هنالك ملابس قد صنعتها الأمهات الثائرات عالية الجودة ومتقنة الصنع بالإضافة إلى ما لاحظناه من فن وذوق المرأة السورية بالنسبة للألون والموديلات اللطيفة , وقد تصدر علم الحرية الكثير من القطع الصوفية الجميلة التي زاد بريقها بنجماته الثلاث وبالأحمر القاني الذي يذكرنا بأقدس ما نفخر ونعتز به ألا وهو دم الشهيد.





محمد إقبال بلّو - تركيا - كلس - زمان الوصل
(92)    هل أعجبتك المقالة (83)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي