أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نعم للبضائع الإسرائيلية ... سمير أبو شمس

 

أزعجني حديث احد الأكاديميين عندما كان يطالبنا بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وأكثر ما يستفزني هو عندما يذكر بعض الأصناف بعينها والتي اعتدت على شرائها.

لم افهم ماذا يعني أن تربح الحكومة الإسرائيلية بضع شواقل من عائدات الضرائب لتساعدها في شراء الرصاص مثلا وقتل الأطفال الفلسطينيين؛ فانا لا أعتقد أن إسرائيل تنتظر دخلا من شعب هو أصلا يعاني الفقر، في الوقت الذي تتسارع الدول الغربية وأمريكيا على إغداق الأموال عليها.

تأملت قليلا في بعض المنتجات المنمقة في علب تستفز شهيتي وأنا انظر إليها مرتبة على رفوف محلات البيع، والبائع أبدع في سد الفراغات بين العلب. كان المنظر الجذاب قد غلب عبارات الأكاديمي الحاقد على الأمم الأخرى، فامتدت يدي لتتناول بعض منها ثم توقفت عند الجولة الثانية للسجال بين جاذبية العلب المنمقة وعبارات ذاك الأكاديمي.

هدأت يدي على إحدى العلب، ثم ترددت وعدت بها خاوية إلا من الشعور بالحسرة، وتفكرت ببعض الذين يتفرغون لمحاربة شهوتنا، وكان جزء من عقلي يذكرني بالمنتجات الوطنية وجزء آخر يحذرني من رداءتها، فتوسعت حلقات السجال، ولمت في نفسي رجال الأعمال الفلسطينيين على اللامبالاة في مضاهاة البضائع الإسرائيلية في الجودة، والتمست لنفسي وللشهوانيين مثلي عذرا لاختيارنا البضائع الأفضل، ولكن بقي شيء بداخلي يقاوم تبريراتي، وينبهني لشيء يتعلق في علم التسويق.

تذكرت قصة لم افهمها إلا من وقت قريب، فقد كان يمر من حارتنا بائع ترمس عجوز وآخر شاب، وكنا ننتظر ذهاب العجوز وقدوم الشاب لنشتري منه، وكنا نتوارى حتى لا نرى علامات الملامة في سطور وجه العجوز، وذات يوم كانت لحظات الحسم عندما تربص لنا بعد أن اشترينا حاجتنا، وسألنا: لماذا لا نشتري منه؟ فتطوعت نيابة عن بعض أترابي لأقول له بجرأة وخوف: إننا نختار البضاعة الأجود، فهز رأسه وقال: انتم الذين تجعلون البضاعة أجود أو أردئ، فقال له صديق طفولتي الذي اعتاد على تصيد الأخطاء: وكيف ذلك وليس نحن من ينقع الترمس؟ فأجاب وهو يحاول جاهدا أن يبتسم: لو كنتم اشتريتم بضاعتي لاضطررت إلى شراء أفضل منها ولكانت دائما جديدة ولذيذة، وأما أنكم لا تشترونها فإنني اعرضها مرة أخرى فتفقد نكهتها، وارمي ما يتبقى منها، فالخسارة تجر الرداءة والربح يجر الجودة.

 انتشر خبر جدالنا لدى بقية الأولاد في المدرسة، واتفقنا أن نقاطع الشاب ونشتري من العجوز، لا شفقة عليه إنما من اجل التسلية والتجربة، فصار العجوز يعود إلى بيته ليحضر الترمس الطازج لليوم التالي، والشاب يعود إلينا بترمس ذا نكهة تذكرنا بماضي العجوز.

تستحضرني قصة الترمس هذه كلما رأيت بعض المنتجات الصهيونية والفلسطينية في الثلاجات وعلى رفوف محلات البيع، وتستحضرني وأنا أرى بعض المنتجين اليائسين وهم يندبون حظهم من سلوك المستهلك ومن عاداتنا التي لا تخلو من الاعتداد بالأجنبي.

إن التضامن مع منتجاتنا يولد الرغبة لدى المنتجين في الحفاظ على سلوكنا التضامني بإنتاج الأفضل، فالربح بالنسبة لهم يعني التطوير والتجديد، والخسارة تعني إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتوفير ما يمكن توفيره، بالتالي لا معنى للجودة.

هل المطلوب تغيير سلوكنا الاستهلاكي أولا لتتم الجودة؟ أم المطلوب جودة منافسة لتغيير سلوكنا؟ وهنا تختلف الإجابة تبعا للمجيب، فالبعض يضحي دون انتظار نتائج فورية، والبعض تستثار رغبته بالتضحية كلما شعر بالنتائج والعائدات، والبعض الآخر لا يقدم شيئا حتى يأخذ باليد الأخرى، وهذا ينطبق على المستهلك والمنتج على حد سواء.

وأتساءل في نفسي دائما إن تبقى الكثير من عمري لكي اترك جسدي حلقة اختبار لمنتجات لا أحبها، أم أضحي لعلني أكون احد الذين ساهموا في أن تكون بضاعتنا قد غزت المستهلك اليهودي في عقر أسواقه، وأكتفي براحة ضميري لأنني لم ادفع ثمن الرصاصات التي أطلقت على أطفالنا، ويبقى الجواب يحيرني، وأقول: سامح الله الذي أعاد نبش الغطاء فوق ضميري.

كاتب فلسطيني - الحقائق
(127)    هل أعجبتك المقالة (133)

احمد دلول

2008-04-05

شيق ويجعلونا نعيد النظر في بعض السلوك.


وسيم

2008-04-05

بلا شك اننا بحاجة فعلا لاعادة التفكير في قناعاتنا .


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي