أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من بيع البوابير إلى إنتاج المسلسلات

أوائل التسعينيات، قبل حدوث الفورة الإنتاجية التلفزيونية السورية الكبرى بقليل، بدأ بعض التجار السوريين ينجذبون نحو الاستثمار في هذا القطاع الذي يَعِدُ المستثمرَ الجديد بشيئين رئيسيين هما: المال،.. والاقتراب من عالم الفن المخملي!

مما يروى عن أحد المنتجين الذين دخلوا ميدان الإنتاج التلفزيوني أنه كان، قبل هذا، بائع بوابير غاز، أجرى تخفيضاً لأسعار بوابيره (أوكازيون)، وباعها ليحرر رأسماله، ويشتغل في الإنتاج التلفزيوني. 

وكان بعض الفنانين من معارفه وجيرانه قد أوضحوا له أن العملية الإنتاجية خفيفة ونظيفة وابنة ناس أوادم.. فهي تبدأ بإنتاج فيلم سهرة، تبيعه، وتسترد رأسمالك، مع الأرباح، ووقتها يصبح في مقدورك أن تنتج (ثلاثية تلفزيونية)، وبعدها تنتج (سباعية)، وبعدها تكتسح الموقف بمسلسل من فئة الثلاثين حلقة تضرب به ضربتك فتكسِّرَ الدنيا، وبالأخص حينما تعرضه القنوات الخليجية، والـ (ART) التي يملكها الشيخ صالح كامل.. وما أدراك ما (ART) وما صالح كامل!.. ولا تنس يا أبا فلان (وهنا يخفض الناصحُ صوتَه ليتكلم بلغة الأسرار) حينما تصبح منتجاً، تجلس وراء مكتبك والفنانات الكبيرات داخلات وطالعات، إضافة إلى الفنانات الصغيرات اللواتي يجعلن قلب الإنسان المتخشب يطقطق ويتفتق مثل براعم الورود في أول الربيع!

ولكن.. لقد اصطدمت أحلام المنتجين الصغار بأشياء لم تكن على البال، ولا على الخاطر، ولا في الحسبان، إذا تبين لهم أن معظم المحطات التلفزيونية لا تحب الإنتاج الفقير، ولا تتعاطى مع أفلام السهرة، أضف إلى ذلك أن بعض المحطات تؤخر النظر في الأعمال المعروضة عليها أسابيعَ وشهوراً، وإذا نظرت فيها، وقررت شراءها، قد يتأخر دفع قيمتها للمنتج زمناً طويلاً، ولا سيما أن السماء الخليجية في الصيف ُتمطر الناسَ بشواظ من نار، ومعظم المديرين والعاملين في المحطات التلفزيونية الخليجية يمضون الصيف في باريس أو دمشق أو بيروت أو اسطنبول، حيث النسيمات الباردة تشفي العليل، وترد الروح، وتنعش الفؤاد..

والطامة الكبرى كانت تحصل حينما يشتري تلفزيون "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" عملاً تلفزيونياً من منتج ما. ففي تلك الجماهيرية العجيبة كانت جماعة الأخ القائد واللجان الشعبية يعتبرون النفط الليبي هو ملك الذي خلفهم، ويبددون ثمنه دون رحمة أو شفقة، ولكن، في مجالات غير فنية!.. 

ولأجل النكد، فإن الموظف المالي في التلفزيون يقول لصاحب الحق، راجعني بعد أسبوع، فإذا جاء بعد أسبوع يقول له: تعال بعد شهر.. وفي ذات مرة يمل منه فيقول له (الله غالب).. وهذه الجملة تعني أننا لن ندفع لك، حتى ولو بَلَّطْتَ البحر!

المشكلة الأكبر التي كانت تعترض المنتجين الصغار والكبار على حد سواء، هي مشكلة الرقابة.. ففي تلك الحقبة، أقصد من أواسط الثمانينيات حتى أواسط التسعينيات، كان على المنتج السوري أن يمتثل لأكثر المحطات التلفزيونية تشدداً، وهي المحطة السعودية التي كانت تشتري بسعر مرتفع جداً، ولكن شريطة عدم مخالفة شروطها.. وهي، أي شروطها، كثيرة جداً، أبرزها أنه لا يجوز أن يجتمع في المشهد التلفزيوني رجل وامرأة، حتى ولو كانا (أخاً وأخته) أو (شاباً وأمه) أو (رجلاً وزوجته) لأنهم (أي الرقباء) يعرفون أنهما في الواقع ليسا هكذا، بل هو تمثيل بتمثيل..

في النسخة السعودية- أيضاً- ممنوع التدخين، وشرب الكحول، وحلف اليمين أثناء الكلام.. وأما في النسخة الليبية فلا يجوز أن تستخدم كلمة (الزلمة)!

والحقيقة أن المحطة السعودية لم تكن لتبخس المنتجين حقوقهم. كانت تشتري المسلسل وتُمَنْتِجُه، أي تقص منه كل ما هو ممنوع على ضوء لائحتها الرقابية.. والنص المؤلف من مئة دقيقة تعرض منه أربعين دقيقة مثلاً.. 

وبموجب هذا الحذف، قد تجد رجلاً- في إحدى حلقات المسلسل- يخرج من بيته وهو يرتدي طقماً أسودَ، مع ربطة عنق أنيقة، ويرجع إلى البيت بالدشداشة.. ويكون ذلك نتيجة حذف المشهد الذي يعود خلاله بالطقم، والمشهد الخاص بالدشداشة في حالة الذهاب!
والله هالإخوة العرب شي ظريف. مو هيك عمي؟
(يتبع)

خطيب بدلة - زمان الوصل
(145)    هل أعجبتك المقالة (152)

مدونة المغترب

2013-11-25

أهذا ما ترجونه: "تجلس وراء مكتبك والفنانات الكبيرات داخلات وطالعات، إضافة إلى الفنانات الصغيرات اللواتي يجعلن قلب الإنسان المتخشب يطقطق ويتفتق مثل براعم الورود في أول الربيع" قد أثبت بأن المعادلة التالية صحيحة: الفن = فساد أخلاقي.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي