"عرض حال" لمقابلة نجدة أنزور

بما أن دائرة الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تنتمي إلى ما يعرف باسم (القطاع العام)، فقد كان معظمُ كتاب الدراما والمخرجين التلفزيونيين والممثلين والفنيين يعتبرونها دائرة مملوكة على الشيوع! بمعنى آخر: يعتبرونها مؤسسة حكومية، أي مُلك الشعب، ومن ثم فإن كل واحد من أبناء الشعب له حصة فيها، والمثل يقول (من كانت له في الجَمَل شَعره ينيخه إلى الأرض)!
المخرجون المتميزون الذين كانوا يعملون في هذه المديرية، هيثم حقي- على سبيل المثال- تركوها، بالاستقالة، أو بالإحالة المبكرة على التقاعد، وكان ذلك بفعل أمرين رئيسيين، أولهما جذب القطاع الخاص، وإغراءاتُه، وثانيهما دفع القطاع العام لهم، للتخلص منهم، بطريقة قريبة في محتواها من المبدأ الاقتصادي/ المالي القائل بأن (العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من ميدان التداول).
القطاع الخاص في سوريا، إذا أردت توخي الحقيقة والتاريخ، أسسه هيثم حقي وداود شيخاني.. أنتجا، في تجربة أولى سنة 1985، مسلسل (حرب السنوات الأربع) الذي يتألف من 22 حلقة، وكان اسم الشركة (شيخاني للإنتاج المرئي).
نجحت تجربة الإنتاج التلفزيوني في القطاع الخاص، نجاحاً مبهماً في البداية، ولكن المنتجين المغامرين صبروا، ونالوا، وحققوا أرباحاً ممتازة، وسرعان ما جذبت أحاديثهم عن (الأرباح المفاجئة) مستثمرين آخرين، منهم مَن كان والدُه متقشفاً (يوفر من راتبه بعض المال، ويخبئها لغدرات الزمان)، مثل السيد باسم بن عبد الحليم خدام الذي أحدث شركة الشام الدولية برأسمال قيل يومها إنه تجاوز ضعفي ميزانية دائرة الإنتاج في القطاع العام، ومنهم مَن قال- على سبيل الدعابة- إن شركة الشام أقوى من الدولة!
تميز القطاع الخاص عن نظيره العام بعدة أشياء جوهرية.
الأول: سرعةُ اتخاذ القرار، فالنص يُسْتَمْلَكُ، ويُحال إلى المخرج ليوزع الأدوار ويقوم مدير الإنتاج بإعداد الميزانية ضمن زمن قياسي.
الثاني: سرعة الدفع، فالمعاملة المالية في التلفزيون العربي السوري تحتاج إلى أسابيع، وأحياناً إلى شهور، وعلى صاحب الاستحقاق أن يصبر حتى تصدر (البونات)، ليذهب إلى المحاسب حيث يتزاحم أمثاله وكل واحد منهم يحمل (بونه) في يمينه مثل أولئك الذين يذهبون لاستلام المواد المقننة من صالات المؤسسة العامة الاستهلاكية ومعهم قسائم تموينية اخترعها نظام حافظ الأسد لأجل التصدي للعقوبات الجائرة التي فرضتها عليه الإمبريالية العالمية بحجة أنه قتل ستين ألف مواطناً في حماه سنة 1986، علماً أن قتل هؤلاء الناس كان أمراً لا مفر منه، وإلا لكانت سوريا خسرت قيادته التاريخية مرة واحدة وإلى الأبد.
وأما في القطاع الخاص فإن محاسب الشركة المنتجة يفتح الدرج ويدفع لصاحب العلاقة مستحقاته كاملة، بعد أن يأخذ توقيعه على ورقة صغيرة!
ثالثاً: يتمتع القطاع الخاص بتسويق جيد، مما يحقق للكاتب والمخرج والممثلين والفنيين انتشاراً جيداً، ولعل أفضل مثال على ذلك نجدة اسماعيل أنزور الذي جاء من الأردن إلى دمشق ليخرج مسلسل "نهاية رجل شجاع"، عن رواية حنا مينه، سيناريو حسن م يوسف، وكان رصيده من الأعمال الفنية لا يتعدى إخراجه لبعض الإعلانات التجارية، وإذا به، بعد (الهوشة) الإعلامية التي حققها المسلسل، يصاب بالغرور، وأصبحت مقابلته شبيهة بمقابلة أحد المسؤولين الكبار في الدولة السورية، تحتاج إلى تقديم استدعاء (عرض حال) يُسَجَّل في الديوان، وينتظر مقدمه عدة أيام حتى يتمكن السكرتير من أخذ موعد مع المسؤول، مع ضرورة مراعاة الحالة البروتوكولية، واختصار المقابلة إلى ربع ساعة في الحد الأقصى، فوقت السيد نجدة اسماعيل أنزور ليس متوفراً، ولا زائداً عن الحد حتى يبعزقه على اللي يسوى واللي ما يسواش!
خطيب بدلة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية