عَلْوَنة الإعلام السوري.. حقيقة أم وهم؟

كان "أحمد اسكندر أحمد" مديراً للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) بين عامي (66 و67)،.. وفي السادس من تشرين الأول (أوكتوبر) 1973، حينما اندلعت الحرب التحريرية، لاحظ القائدُ التاريخي حافظ الأسد أن هذا الرجل يكتب مقالات بارعة عن بطولات الجيش العربي السوري الذي يقوده سيادتُه ضد إسرائيل وحلفائها الإمبرياليين المعادين للشعوب وثورات التحرر، فأمر بتعيينه وزيراً للإعلام في الجمهورية العربية السورية مدى الحياة!
بعد صدور هذه المشيئة، وبسببها، زادت محبةُ "أحمد اسكندر أحمد" للقائد التاريخي، وإعجابه به، أضعافاً مضاعفة عن السابق، وانطلق من توه باتجاه تحقيق الأمر الذي عجز عن تحقيقه وزراءُ الإعلام السابقون له في سوريا، ووزراءُ الإعلام الموازون له (النظراءُ) في الدول العربية والإسلامية الشقيقة، وهو: جَعْل المؤسسات الإعلامية المنتشرة في طول البلاد وعرضها تقف على ساق واحدة، وقَدَم واحدة، لتهتف بحياة القائد حافظ الأسد، وتسبح بحمده، مؤكدةً للرأيين العامَّيْن الداخلي والخارجي أن كل ما يتحقق في سوريا مِنْ تطور (وبضمن ذلك التطور الطبيعي)، وإنجازات، وعطاءات، إنما يتحقق بفضل القيادة التاريخية الحكيمة للقائد حافظ الأسد أولاً.. وبفضل تلاحم الشعب السوري بجماهيره الغفيرة، وسيرها وراء قيادته الحكيمة، من دون تفكير، ثانياً.
ولأجل خاطر تحقيق هذا الهدف النبيل اخترع "أحمد اسكندر أحمد" ما سمي في أدبيات المعارضين السياسيين اللاحقين بـ (عبادة الفرد)! والفرد هو الشخص، (ابن آدم) وليس المسدس (كما زعم الأديب الساخر أحمد عمر!)، وليس كل فرد، في الحقيقة، يستحق أن يُعْبَدَ، وإنما حافظ الأسد- في نظر اسكندر- من النوع الذي يُعْبَد.
انتبه "أحمد اسكندر أحمد"، قبل أن ينتبه غيرُه من أهل النظام والقيادات المنبثقة عن القيادة إلى أن النموذج الأكثر ذكاء، ودقة، ونجاعة، وصلاحية لحكم سوريا هو النموذج الذي يتحالف فيه الجيش العربي السوري الباسل، مع قيادات الشعب الأمنية، مع الإعلام!.. ويشكلون كتلة عضوية متماسكة..
ههنا ظهر له سؤال على قدر كبير من الأهمية، هو: لماذا يلجأ القائدُ المُلْهَمُ لاتباع نهج (عَلْوَنة) الجيش والمخابرات، ويترك الإعلام من دون (عَلْوَنة)؟
ذات مرة، في إحدى مقالاتي، تحدثتُ عن ظاهرة (العَلْوَنة) هذه، فانبرى لي أحدُهم، وحاولَ أن يلصق بي تهمة الطائفية (حاشاكم!).. يعني- برأيه- أنا أنتقد ظاهرة العَلْوَنة لأنني (سني)!!!!..
(اعتراضية: النظام مارس هذه السياسة ولم يخجل، فهل يضيرنا أن نتحدث عنها ونوصفها، بحيادية؟)
المهم.
إن ظاهرة (عَلْوَنة) الإعلام لم تكن تعني تعيين كل موظفي المؤسسات الإعلامية من أفراد الطائفة العلوية الكريمة، وإنما اتباع نفس الطريقة المتبعة في الجيش والمخابرات، وهي تسليم الأماكن و(المفاصل) الحساسة في الجسد الإعلامي لأشخاص ليسوا علويين عاديين بسطاء، بل يجب أن يكونوا- على النقيض منا- متعصبين، موالين، شديدي الإعجاب بالتركيبة الطائفية الأمنية للنظام القائم، مستعدين أن يفدوا القائد بالروح والدم (وقد فدوه بالروح والدم الآن، خلال الثورة، إذ قتل منهم ناس كثيرون، في سبيل ابنه، وما يزال الحبل على الجرار).
وزير الإعلام.. علوي بالضرورة (بقي هذا النهج مستمراً) أحمد اسكندر أحمد- محمد سلمان- أحمد الحسن- عدنان عمران- محسن بلال- عدنان محمود.. الاستثناء الوحيد كان مهدي دخل الله، وأما عمران الزعبي (السني) فقد فاق الوزراء السابقين- مجتمعين- في الولاء والنفاق والدجل والاستعداد التام لعبادة الفرد.
كانت المديرية العامة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تُعْطى، من باب التزيين، لرجل غير علوي كالمرحوم عبد النبي حجازي وعادل يازجي ومعن حيدر وفايز الصايغ وعبد الفتاح العوض ورياض عصمت.. ولكن وظيفة معاون المدير العام، ووظيفتي مدير التلفزيون ومدير الإذاعة يجب أن يكون شاغلوها علويين حتماً..
(الحقيقة أن طائفة النظام السوري تضم أناساً قادمين من مختلف الطوائف، والعلويون أبرزهم، وهم الذين يصنعون النهج العام.. وبحثنا هذا، في الواقع، هو بحث سياسي، تأريخي، وليس بحثاً مذهبياً على الإطلاق)..
يتبع
خطيب بدلة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية