التدخل العسكري في سوريا : لماذا الآن ؟... فيصل الآغا*

الكثير يتساءل لماذا التدخل العسكري الغربي الآن؟!
هل فعلا إكراما للشهداء و عقاباً للنظام على تجاوز خط أحمر؟
بالطبع لا ... فلماذا إذاً؟
لا بد أولاً الإقرار بأن التدخل العسكري الغربي ليس إكراماً لدماء شهداء الغوطتين، و إلا لماذا لم يكن هذا التدخل عندما استخدم النظام الكيماوي قبل الآن؟
و هل قتل 1600 شخص بالسلاح الكيماوي جريمة تستحق العقاب، بينما قتل أكثر من 100 الف بالسلاح التقليدي هو أمر طبيعي !
حتى نفهم أسباب التدخل الآن، فلا بد من النظر إلى الأمور ضمن سياقها الزمني الذي يعطينا ترتيب الأحداث بالشكل التالي:
- دخول منظمات الإغاثة الدولية غير الرسمية ونشاطها في الكثير من المناطق منذ أكثر من عام، وخصوصاً في المناطق الشمالية لسوريا، وما يرافق هذا الدخول من جمع لبيانات و معلومات على الأرض عن الواقع.
- دعم جهات من الثوار دون أخرى، وخلق حالة من التنافس بين الكثير من القوات المقاتلة على الأرض بسبب الدعم اللامتوازن.
-انسحاب قطر من الملف السوري وتسليمه للسعودية، و ما ترتب على ذلك من تغييرات في القوى الفاعلة ضمن الائتلاف.
- تغير بعض القيادات السابقة في الائتلاف برموز أخرى لها توجهات مخالفة تماماً لمن سبقها، ولديها استعداد لقبول الإملاءات بشكل أكبر، و مثال ذلك قبولها بالذهاب لمؤتمر جنيف 2 دون شروط!
- وأخيراً وهو الأهم الإعلان عن تأسيس جيش وطني لقتال الكتائب الإسلامية.
بعد كل ما سبق جاء استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق، فكانت ردة الفعل العسكرية غير المتوقعة، والتي فاجأت الثوار كما فاجأت النظام، ولكن وضعها ضمن السياق الزمني الذي ذكرناه يعيننا على معرفة لماذا الآن، وما هي الأهداف والأسباب الموجبة للتدخل، والتي يمكن ذكر بعضها كالتالي:
1- من المعلوم أن الثوار ليس لديهم إدارة مركزية تضبط حركتهم، و أنهم مصرون على القتال حتى إسقاط النظام، ولذلك بدا واضحاً أن مؤتمر جنيف لن ينجج حتى لو قبل النظام والائتلاف حضوره، لأن الائتلاف لا سلطة حقيقة له على الأرض يفي من خلالها بتعهداته، و أن النظام متعنت و غير مستعد للتنازل أيضاً، فكان التدخل لفرض واقع جديد من التوازنات يجبر كلا الطرفين على حل سياسي بصناعة أمريكية.
2 - لدى النظام السوري ترسانة أسلحة كبيرة، و أهمها السلاح الكيماوي، والذي يشكل بقاؤه في سوريا تهديداً لبعض دول الجوار، سواء سقط النظام أم لم يسقط، وبالتالي فإن أحد أهم الأسباب الداعية للتدخل العسكري هو السيطرة على تلك الأسلحة أو تدميرها، خصوصاً بعد أن تكررت حوادت الاستيلاء على معسكرات الذخيرة من الثوار، و كان أحدها في منطقة القلمون، حيث يتواجد مخازن أساسية للأسلحة الكيماوية للنظام.
3- أصبح من الممكن الآن تبديد مخاوف الغرب من الجماعات الإسلامية الموجودة في سوريا بشكل عملي، وما ذكرناه في بداية المقال عن جمع معلومات عن واقع المناطق المحررة من قبل بعض الهيئات الإغاثية، يتيح للغرب قصف تلك الجماعات المقاتلة بعد أن عرف الكثير عنها، و بعد أن جربها فعلم من منهم يمكن شراؤه، ومن منهم يحب التخلص منه.
4- التغييرات التي ذكرناها أعلاه والتي حصلت في الواجهة السياسية للثورة (الائتلاف)، بالإضافة إلى إنشاء جيش وطني يحارب بعض الكتائب الإسلامية، وفرت التربة الخصبة التي كان يبحث عنا الغرب قبل التدخل، فأصبح من الممكن الآن فرض حل سياسي ينهي الثورة، فيكون أحد أطرافه الائتلاف، و الطرف الآخر هو ما بقي من مؤسسات النظام من دون الأسد، وذلك بغية الحفاظ على الحد الأدنى من ضبط الحدود الجنوبية لسوريا، وقيام دولة مركزية قادرة على محاربة (الإرهابيين)، بالإضافة إلى حماية مصالح تلك الدول، ومن يعارض هذا الحل سيكون مضطراً لمواجهة الجيش الوطني الوليد.
5- الدخول في حرب عسكرية في سوريا سيثير حفيظة شريحة واسعة من العرب والمسلمين، ناهيك عن رفض السوريين أنفسهم لها، الانتظار كل هذه المدة مع غض النظر عن جرائم النظام من أجل التمادي بها، جعلت الكثيرين يقبلون الحل العسكري الخارجي، بل ويهللون له، وهو ما يتعذر أن يكون لو بدأت الحملة العسكرية قبل عام من الآن على سبيل المثال.
هذه النقاط الخمس مرتبطة موضوعياً بما سبقها من تحضيرات، ولم يكن من المجدي القيام بالحملة دونها، أو دون بعضها على الأقل.
هذا عدا الاتفاقيات التي حدثت في الخفاء ، والتي ظهر منها قبل عدة أسابيع محاولة السعودية تغيير الموقف الروسي، والذي أٌشيعَ يومها أن المحاولة قد فشلت، بينما ما نشهده اليوم من تغيير الموقف الروسي قد يشير إلى خلاف ذلك، كذلك زيارة سلطان عمان إلى إيران يفتح المجال للسؤال عن الرسالة التي حملها إليهم.
لا ريب أن هناك صفقات قد حصلت خلف الستار، قد يتضح بعضها في قادم الأيام.
أخيراً ... ما يجب معرفته هو أن الضربة العسكرية ليست المخلص للشعب السوري، وأنها مجرد خطوة في الثورة ولها ما يتبعها، و أن على الجميع في سوريا الاستعداد لما سيترتب عليها، سواء كانوا ثوارا أو مدنيين، فالانفلات الأمني و الانتقام التشبيحي في المناطق المحتلة هو أمر متوقع ويرافقه جنون بالأسعار وشح بالمواد الأساسية، وكذلك انتقال الحرب إلى لبنان هو أمر وارد و يترتب عليه هجرة جديدة للمهجرين السوريين فيها، كما أنه من الأرجح أن يقوم النظام بالثأر من المواطنين و يقوم بزيادة القتل والتنكيل، يرافق ذلك كله قصف عن (عن طريق الخطأ) لبعض الكتائب المقاتلة ضد النظام، وليس بعيداً أن نسمع عن دور لمجالس الصحوات في سوريا ولو بأسماء أخرى.
قد يطول عمر هذه المرحلة أو يقصر، ستخرج سوريا بكل من فيها من هذه المرحلة من الثورة وقد تم إنهاكهم تماماً، سواء مدنياً أو عسكرياً، وسيكتب التاريخ للأسف أن الثورة لم تنتصر لولا الصواريخ الأمريكية، وسيكتب أيضاً، أن آل الأسد ما خرجوا من سوريا حتى دمروها بسلاح شعبها أولا، و بسلاح حزب الله وايران ثانياً، و بسلاح الغرب أخيراً.
* عضو مجلس قيادة الثورة في دمشق والهيئة العامة للثورة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية