دراما الثورة السورية | |||||||||||||
|
الدراما السورية.. كلمات أخيرة

أردتُ تسجيل كلمة أخيرة حول الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية التي عُرضت على الشاشات العربية لهذا العام، فوجدتُني أستحلي العودة بالموضوع إلى الزمن الماضي.
لقد حفرت الدراما السورية طريقَها في الصخر، حتى حققت إنجازاتها الكبيرة. وكان المخرجون الأوائل أمثال شكيب غنام وخلدون المالح وجميل ولايا وغسان جبري ورياض دياربكرلي يصورون الحلقة كلها، دفعة واحدة، لعدم توفر تقنيات المونتاج،.. فإذا وقع خطأ- أثناء التسجيل- في كلمة، أو جملة، أو حركة، في آخر الحلقة، يضطر المخرج لأن يعيد تصوير الحلقة بالكامل.. وأحياناً كانت تُقَدَّمُ مقطوعات موسيقية أثناء الحلقة، وبالتالي كان تسجيل الحلقة يتطلب حضور فنيي الموسيقا والغناء، ومن لف لفهم.
وكان الهم (الاجتماعي- السياسي) هو الشاغل الأول، والأعلى، والأهم، بالنسبة لمعظم مبدعي الدراما، حتى أواسط التسعينيات، حيث تحققت الفورة الإنتاجية الكبرى، وسيطرت الأعمال الدرامية السورية على الشاشات العربية الممتدة من "الدار البيضاء" حتى "المنامة"، وأصبحت صناعة الدراما من أهم الصناعات السورية، حتى رويت عن النائب عبد الحليم خدام طرفة تقول إنه قال لأصحابه في جلسة صفا: تعالوا نترك شغل السياسة ونشتغل في إنتاج الدراما، واعلموا أن ابني (باسم) صاحب شركة الشام الدولية ربح مئتي مليون ليرة بمسلسل نهاية رجل شجاع وحده.. فضحك الآخرون وقالوا له: كبر عقلك أبو جمال.. ما في أربح من شغل السياسة!
كان إنتاج الدراما، ضمن خط الكثيرين من الكتاب والمخرجين، قضية ثقافية وطنية، حتى إن حميد مرعي، مدير شركة السَّيَّار، قال لي أثناء تصوير مسلسل موزاييك للمخرج هيثم حقي: إن إنتاج مسلسل بدوي، أو مسلسل كوميدي فارْسْ (تهريج)، يؤدي إلى أرباح كثيرة وسهلة، ولكنني لا أنتج هذا النوع من الأعمال، باعتبارها تؤثر سلبياً في وجدان الشعب!
ولكن الدراما السورية تعرضتْ، ضمن هذا المشوار الطويل، إلى وجود شوائب كثيرة، أبرزها "الفانتازيا التاريخية" التي أراد هاني السعدي ونجدت أنزور أن (يأكلا في عقل المُشاهِد حَلاوة) من خلالها، فالمسلسل يشد، ويمط، ويرتخي، ويلت، ويعجن، وتطلع النتيجة، في الآخر، على (فافوش)!.. هذا عدا عن الأعمال الدرامية الأخرى التي قدمها أنزور وفيها سباحة في عالم التصوير واللقطات، ومناظر الدم، والشحط، والإيذاء.. وأما النتيجة فهي، كذلك، فافوش.
اختص شهرُ رمضان بالكوميديا، فهي- كما يقولون- تُسلي الصيام.. وكان أبرز الأعمال القديمة تلك التي يكتبها المرحوم نهاد قلعي ويخرجها خلدون المالح.. ومرايا ياسر العظمة التي صعدت، وصعدت، وصعدت، ثم هبطت حتى وصلت في سنة 2013 إلى مستوى لا ينفع معه غير توجيه نداء استغاثة للتوقف عن الإنتاج.
وتحت اسم الكوميديا، وجاذبية الكوميديا، أنتجت أعمال لا يوجد أسوأ منها، كمسلسل "صبايا" لناجي طعمة، ومسلسل أبو "جانتي" لسامر المصري الذي لا يمتلك كاراكتراً كوميدياً في الأساس، ولكنه اشتغل على مبدأ (الجمهور عايز كده)، وحقق شهرة واسعة..
في سنة 2013 استمرت محاولات إنتاج الكوميديا رغم الأوضاع التراجيدية التي تعيشها البلاد، فكان ثمة أعمال باهتة مثل (فتت لعبت) و(سكر وسط) و(خرزة زرقا) و(روزنامة).. إضافة إلى أن بعض المحطات عرضت أعمالاً كوميدية قديمة أبرزها "بقعة ضوء".
وكان نجاح مسلسل (لعبة الموت) لريم حنا والليث حجو شبيها بالنجاح الخلبي الذي حاز عليه نجدت أنزور في بداية الفور، حيث أعلى نسبة متابعة، وأدنى نسبة اهتمام بقضايا الوطن.. والنتيجة: فافوش.
وكان الحدثان الأكثر سطوعاً، وبروزاً، وأهمية، برأيي، هما (منبر الموتى) لسامر رضوان وسيف سبيعي، و(سنعود بعد قليل) لرافي وهبي والليث حجو.
تحدثنا عن هذين العملين في "زمان الوصل" أكثر من مرة.. ولكن، خلاصة القول إنهما يشكلان انعطافة مهمة في سياق الدراما السورية.. انعطافة نحو إنتاج دراما متخلصة من سلطة الرقيب المتشدد، ورسم صورة بانورامية واسعة لمختلف جوانب الثورة السورية، والصراع المحتدم بين السلطة من جهة، وشرائح الشعب من جهة أخرى، وإبراز التناقضات المتنوعة بين مكونات الشعب نفسها، إضافة إلى معالجة مشكلات السوريين النازحين في لبنان..
الشيء الوحيد الذي عكر على مشاهدي هذين العملين متعة المشاهدة، هو أنهم كانوا يقعون في التباسات نفسية منشؤها أن بعض الفنانين الذين أدوا أدوار البطولة فيهما، هم من شبيحة النظام، ونبيحته، ومنحبكجيته.. بينما يؤدي بعضُهم، خلال المسلسلين أدواراً ثورية..
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما الثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية