يكادُ وجودُ النجم التلفزيوني الكبير بسام كوسا في مسلسل "قمر الشام" أن يكون العلامة الفارقة الوحيدة.. فبسام، منذ سنة 1993، حينما تألق بدور نادل المقهى في مسلسل "أيام شامية"، وحتى الآن، وهو يرتقي من دور متميز إلى آخر، ولا ينفك يصنع شخصية بارزة، أو (كاراكتراً) جديداً في كل مسلسل جديد، حتى إنه استطاع، بنجاح لا يُضاهى، أن يلعب دور الفتى المتوحد المصاب بـ "متلازمة داوون"، في مسلسل (وراء الشمس) لمحمد العاص وسمير حسين الذي أنتج بهدف إنصاف المُعَاقين في سوريا، حينما كان يظن البعضُ، أننا لسنا جميعاً معاقين!
وأقول، على سبيل الاستطراد: خلال الفورة الإنتاجية الدرامية السورية أخذت المحطات التلفزيونية الخليجية الثرية تنظر إلى العمل التلفزيوني المعروض عليها، فإذا كان من بطولة بعض النجوم أمثال بسام كوسا وأمل عرفة وأيمن زيدان وكاريس بشار، أو من إخراج نجدت اسماعيل أنزور (أيام ظهور فقاعة هذا المخرج)، تشتريه دون تردد أو تذمر، وبسام كوسا كان (وما يزال) يعرف قدر نفسه، فلا يشترك بعمل معروض عليه إلا إذا وافقت الشركة المنتجة على دفع المبلغ الذي يحدده، وهو يحدد الرقم بالملايين، في حين متوسط أجور الآخرين لا يتجاوز بضع مئات من الآلاف!
وكان قلما يشترك بعمل من إنتاج التلفزيون السوري القطاع العام لأن مديرية الإنتاج كانت تسرق جزءاً من أجور الممثلين، بالاتفاق معهم.
كتب "قمر الشام" الأستاذ محمد خير الحلبي، وأخرجه مروان بركات، والعمل ينتمي إلى موجة الأعمال التي تصنف تحت اسم (الشاميات)، وقد تخصص فيها كتابٌ يجيدون (تفصيل) هذا النوع من الأعمال، منهم كمال مرة، ومروان قاووق، وأحمد حامد، ومخرجون كثيرون يأتي في مقدمتهم من حيث الشهرة والأهمية بسام الملا..
تبدو الأحداث الدرامية الموجودة في مسلسل "قمر الشام" وكأنها تدور في الفضاء الخارجي، وأن أحداً ما التقطها، وأنزلها إلى الأرض، وبنى لها ديكورات في أحد استوديوهات التلفزيون، وصورها، وعرضها علينا نحن المشاهدين الذين سبق لنا- في زمن ما- أن أبدينا رغبتنا في مشاهدة هذه النوع من الأعمال.
في "قمر الشام"، كما في سابقاته من (الشاميات)، ساحة، تمر فيها عربات تجرها أحصنة، وحرفيون يجلسون إلى جانبي الزقاق المؤدي إلى الساحة ويصيحون على بضائعهم.. (حتى إن أحد الباعة كان يصيح: بيضة ورغيف.. نفس السلعة التي كان يُنادى عليها في "أيام شامية"، ونفس العبارة).. رجال يعتمرون الزي العربي، ويشكُلون الخناجر على خصورهم، ويمشون على العريض، نساء مجللات بالسواد، قبضايات، مرتزقة، نصابون.. وثمة رجل شجاع، شريف، شغيل، حباب، منصف، مستقيم،
زكرتي هو المعلم شهران (بسام كوسا) يمثل الضمير الحي لمجتمع المسلسل، وامرأة تحمل صفات قوية الشخصية، محبة، نبيلة (منى واصف).. وثمة رجل طماع، انتهازي، (دُوْن)، محتال، هو أبو يوسف فايز قزق (الذي يمثل تكراراً لإحدى شخصيات أحد أجزاء باب الحارة)، وبعد عدة حلقات، وبالتحديد في السادسة، تقع جريمة قتل، والقتيل هو صبحي شقيق الزكرتي شهران الذي لا يسكت على ضيم، وبهذا تسخن الأحداث، وتقودنا ردات فعل شهران وصحبه، أثناء البحث عن القاتل إلى تمضية (وحشو) أكبر عدد ممكن من الحلقات.
إن الموجب الدرامي الحقيقي لإنتاج عمل تدور أحداثه في الماضي هو وجود قصة تاريخية تحمل إمكانية الإسقاط على الحاضر، من أجل أن يشتغل خيال المتفرج في استلهام واستنباط المُثُل والعِبَر والحِكَم التي يمكن أن يستفاد منها في الحاضر والمستقبل..
من هنا ينتصب السؤال أمامنا جلياً، واضحاً وهو:
ما هو الموجبُ لإنتاج عمل تلفزيوني طويل (ثلاثيني) لا تتوفر فيه هذه الثيمة التاريخية أو قابلية الإسقاط على الحاضر؟.. هل هو مقصد فولكلوري بحت؟ أم أن ذلك حصل لتحقيق هدف تجاري يتجلى في بيع السلعة للمحطات الثرية وتحصيل الأرباح؟!
مؤكد أنه أنتج لأسباب تجارية. ولكن، في رأيي المتواضع، أن القول بأن هذا عمل غير مفيد لا يفي بالغرض.. ويجدر بنا، أن نذهب إلى أنه
شيء ضار، يتجلى ضرره على وجه الخصوص فيما يتعلق بالمرأة السورية التي تعيدها هذه الأعمال- معززة، مكرمة- إلى جناح الحريم (الحرملك)!
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما الثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية