عباقرة النظام السوري

أكثر شخصين مواليين للنظام أثَّرا في الشارع السوري، خلال السنتين الماضيتين، هما بشار الجعفري، وعمران الزعبي.. وأسباب ذلك كثيرة ومتشعبة، فالرجلان، للحقيقة، والتاريخ، يشتركان بصفات مهمة عديدة، أولها، بل أهمها، أنهما يتحدثان من تحت النظارة (الكزلوك)، فيبدو الواحد منهما وكأنه ينظر إلى الآخرين بتعال، أو أنفة، أو ازدراء، أو استغباء، والآخرون، سواء أكانوا من الصحفيين العرب والأجانب، أو من السياسيين الديبلوماسيين، أو كانوا من الشعب السوري، ينظرون إليه بنفس الكمية والدرجة من الاحتقار والازدراء، والاستضراط، لينطبق عليه الوصف الذي قيل في (المغرور) بأنه كالواقف على قمة الجبل، يرى الناس صغاراً، وهم يرونه صغيراً.
الصفة الثانية، كما يعتقد محسوبُكم، هي الشخصية، التي تسمى في علم السلوك الاجتماعي (الكاريزما).. فأنت، حينما ترى أحد هذين العتلتين، الإمَّعَتَيْن، يتحدث، ويقص، ويشوبر، تعتقد، لأول وهلة، أن لديه مساحة واسعة من حرية التعبير، وأنه، حينما يحضر اجتماعات للوزارة، أو الخارجية، أو إحدى هيئات الحكم في سوريا، يرفع يده، ويطلب من رئيس الجلسة السماح له بتقديم مداخلة، ثم يقول للمجتمعين: أنا رأيي كذا كذا، وأنا أرى أن نعمل كذا، أو أن نتخذ الموقف الفلاني، أو أقترح أن تسير سياستُنا في الاتجاه العلاني!.. وأنه، الآن، وهو يحكي من تحت الكزلك، يقول (رأيه الخاص) الذي عرضه خلال ذلك الاجتماع، وثنى عليه آخرون لهم قيمة، وتم تبنيه، والموافقة على إعلانه، والتحدث به.
إن شُعَب المخابرات العليا التي تدير سوريا، منذ أكثر من أربعين سنة، في الواقع، تستحق الاحترام، من مبدأ (احترم عدوك!).. فهي لم تسمح في السابق، ولا تسمح الآن، ولن تسمح فيما لو استمر حكم العصابة المخابراتية في سوريا، لأي شخص، من أمثال الجعفري، أو الزعبي، أو المقتول محمد ضرار جمو، أو المعلم، أو الياس مراد، أو عصام خليل، أو صابر فلحوط، أن يكبر، وينطنط، ويطول، ويقصر، ويقول رأيه، مهما كلف الأمر.
ما يحدث في الواقع، أن أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، أو رؤساء الشعب، حينما يخطر في باله، حتى ولو في وقت متأخر من الليل، أن يُصَدِّرَ للعالم رأياً، أو موقفاً، أو بالونة اختبار، فإنه يتصل برئيس مكتبه، ويقول له جملة تكاد تكون موحدة، لا تنويع عليها، مفادها: قلُّو للكر فلان، خلي يطلع عالإعلام، ويقول كذا كذا..
فيقول رئيس المكتب: حاضر سيدي!..
وأحياناً يتجرأ رئيس المكتب، فيسأل: سيدنا، بالنسبة للكر، يطلع على الإعلام تبعنا وإعلام إيران وحزب الله والميادين وتوب نيوز.. أم..؟
فيقاطعه "المعلم": ولاه، أنت التاني شو كر؟ ليش نحنا مين يشوف إعلامنا؟ قلو يطلع عالقنوات المغرضة.. يا الله كري يا الله!
والمواطن السوري، الذي لا يعلم شيئاً عن هذه المكالمة، بالطبع، يرى عمران الزعبي وقد عقد مؤتمراً صحفياً، وأتى بثلة من صحافيي النظام، وصَفَّهُم أمامه على نسق، (مثل صرامي العيد).. وراح يشرق ويغرب بالكلام، ويقول: نحن نسمح، ونحن لا نسمح، ونحن نذهب، ولا نذهب.. ونقبل، ولا نقبل.. إلخ.. يعتقد، لأول وهلة، أنه فهمان، وأنه رجل دولة مثل وزراء إعلام الدول المحترمة!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية