مسلسل "سنعود بعد قليل"... هل دخلنا في عصر ما بعد الرقابة؟

قبل أن أناقش معكم- أعزائي القراء- الحلقات القليلةَ التي شاهدناها من مسلسل "سنعود بعد قليل" من تأليف رافي وهبي وإخراج الليث حجو، أريد أن أرجع بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، فأقول:
ثمة مرحلة تقع في سياق تطور الكوميديا السورية يمكنني أن أسميها، بشيء من المجازفة، (مرحلة الليث حجو).
الليث هو الابن الأكبر للفنان عمر حجو، (تولد 1970) خريج المعهد المعهد العالي للفنون المسرحية، التحق بالإخراج (الكوميدي بشكل خاص) بعد أن اكتسب خبرة ومهارة في العمل بصفة "مخرج منفذ"، في أواخر التسعينيات، تحت إدارة المخرج حاتم علي، وقبله مع المخرج مأمون البني الذي كان قد تسلم راية إخراج الأعمال القصيرة من هشام شربتجي الذي كان قد اشتغل، منذ سنة 1984، مع ياسر العظمة، في إنتاج أجزاء متتالية من مسلسل اللوحات القصيرة "مرايا".
البدعة التي أتى بها الليث حجو، حقيقة، هي مسلسل "بقعة ضوء"، الذي قدم منه عدة أجزاء، ابتداء من سنة 2001، ثم هجره ليشتغل عليه مخرجون قليلو الأهمية، ويقدموا نسخاً تايوانية منه، أمثال ناجي طعمة وغيره.
ثم فاجأ "الليث حجو" الجمهورَ السوري المتعطش للكوميديا بمسلسل يجمع بين الجد والهزل بطريقة فذة للغاية هو مسلسل "ضيعة ضايعة" من تأليف د. ممدوح حمادة، وبعدها مسلسل الخربة 2011، للمؤلف نفسه، حينئذ كتبتُ- أنا أخوكم- في جريدة النور أن الليث- برأيي- هو نجم الإخراج الكوميدي من دون منازع.
لا ينتمي مسلسل "سنعود بعد قليل" إلى الكوميديا، بل إلى الأعمال التي بدأت تظهر تحت عنوان عريض هو (التغريبة السورية)، حيث الأب، النجم التلفزيوني (العجيب) دريد لحام، الذي يعمل في الموزاييك الشامي، يبقى في الشام، بينما يغادرُ أبناؤه الشام إلى لبنان.. المسلسل يرصد الأحوال والمصاعب والإشكالات التي يتعرضون لها هناك.
لقد أطلقتُ على دريد لحام لقب النجم التلفزيوني (العجيب).. لأنني أريد أن أقر وأعترف، من دون أية مواربة، أنه واحد من أفضل الممثلين في سوريا على الأقل، وما خروجُه من قالب شخصية "غوار"، عبر شخصية "الدغري" التي قدمها المخرج هيثم حقي عن رواية "زوبك" لعزيز نسين، ثم في شخصية "أبو الهنا" التي ابتدعها الكاتب حكم البابا مع المخرج هشام شربتجي، ثم في شخصية "بو نمر" في مسلسل "الخربة" لممدوح حمادة والليث حجو إلا تأكيد على صحة هذا الكلام..
الأمر (العجيب) في شخصيته هو التناقض الكبير القائم بين انتقاده للديكتاتوريات ضمن أعماله المسرحية والمتلفزة، (وبالأخص في أعمال الماغوط) وعشقه للديكتاتورية الأسدية على أرض الواقع!!.. فكان لا ينفك
يظهر في مناسبات البعث والشبيبة والطلائع ويكيل المديح للديكتاتور من دون حساب.
مسلسل "سنعود بعد قليل" لا يعلن انحيازه للثورة، وهذا، برأيي، أمرٌ مهم يُبعده عن مفهوم (وحدة الأثر)، فمؤلفه "رافي وهبي" تمكن من إضاءة كافة شرائح وأطياف المجتمع السوري الذين قاموا بالثورة، والذين فاجأتهم الثورة، والذين يرفضونها، والمتضررين منها، والمستفيدين منها، وجماعة الله يختار الخير، وجماعة نحن بدنا الوطن.. وحتى التفاعلات الإقليمية أضاء جانباً منها، تفاعلات المجتمع اللبناني مثلاً.
هذا المسلسل، من جهة أخرى، فيه تطاولٌ كبير على الرقابة السورية التي كانت تحصي على منتجي الدراما أنفاسهم. ههنا رصد للدهم، والاعتقال، والتشبيح، واستبداد المخابرات.. بطريقة فنية لافتة.. المسلسل، باختصار، يوحي بأننا قد دخلنا في عصر ما بعد الرقابة.
أخيراً: لستُ أدري إن كان مصادفة، أم بشكل مقصود، إظهار شخصية الرجل المؤمن بالثورة (عمر حجو)، على هيئة رجل بسيط، مُحْبَط، ينتظر عفواً رئاسياً يعيد إليه ولده المعتقل منذ عدة أشهر، ويصوره على أنه رجل عصبي، لا يقبل الحوار، بينما يُظهر لنا الشخصية غير الثورية (دريد لحام)، على أنه رجل طيب، ومرن، وحباب.
ولنا عند هذا المسلسل (المهم جداً- برأيي) وقفة أخرى..
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما الثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية