
مسلسل "روزنامة" دراما الانفصال عن الواقع

أثناء تصوير أحداث إحدى حلقات مسلسل "روزنامه" لمؤلفه (الشاب) سيف رضا حامد، ومخرجه (الشاب جداً) وسيم السيد، ضمن مكان تصوير (لوكيشن) واحد هو حرم كلية الآداب جامعة دمشق، وقعتْ اشتباكات عنيفة بالقرب من المكان، فاستمر الشباب بالتصوير، مثلما يستمر نظامُ بشار الأسد بحكم أجزاء من سوريا، رغم أنه قد نجح في تحويل البلاد إلى مسلخ، وركام، وخرابة..
من خلال المقابلة التي أجرتها قناة "سوريا دراما" (برنامج أهل الفن) مع مؤلف المسلسل ومخرجه، بدا واضحاً انفصالُ هذين الشخصين عن الواقع، بدليل أنهما يعالجان، ضمن حلقات المسلسل الثلاثين، التي تبلغ مدة الواحدة منهن ثلاثين دقيقة، مشاكل الشباب السوريين الاعتيادية، أي المشاكل التي كانوا يعانون منها قبل الثورة،.. مفترضين أن هؤلاء الشباب يعيشون في أمان، ولم يسبق أن تعرض أحدٌ منهم للقتل، أو الاعتقال، أو التعذيب، أو الملاحقة، أو الاستدعاء إلى فرع فلسطين!.. وأن الواحد منهم لا يعاني في تأمين وظيفة، وراتبه، في هذه الوظيفة المؤمنة، لا يقل عن خمسة وأربعين دولار أمريكي!! يتقاضاها كاملة غير منقوصة حتى في شهر شباط (فبراير) البالغ ثماني وعشرين يوماً فقط!
لقد ولد نموذج المسلسلات التي تتألف من حلقات منفصلة ومتصلة وغير محدودة العدد، في أمريكا وأوربا، وعُرف باسم (soap opera)..
منذ سنين طويلة، وقدمت فيه أعمال تجاوزت الألف حلقة، وهو نموذج يناسب المجتمعات المستقرة اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وقد نقله إلى الدراما السورية مخرجون مخضرمون أمثال هيثم حقي ورياض دياربكرلي وهشام شربتجي ومأمون البني، ثم اشتغل عليه حاتم علي، لكتاب متمكنين من حرفتهم أمثال حكم البابا وريم حنا وهاني السعدي، فقدموا فيه إنجازات درامية كانت جيدة، لأن سوريا كانت تنعم- على حد زعم الإعلام السوري الممانع- بالأمن والاستقرار.. والوئام..

ولكن.. من منكم يفسر لي، أو يشرح لي، أو يقنعني، بأن المشاهد السوري لن يضرب رأسه بأقرب جدار حينما يشاهد الممثل مؤيد الخراط وهو يرتدي ثياب لاعب كرة القدم، ويمثل دور البطولة في حلقة بعنوان (برشلونية وريالية)؟.. هل بقي في سوريا، أيها الفهمانون، الأشاوس، شبان ينقسمون بين مؤيدين لبرشلونة وآخرين مؤيدين لرويال مدريد؟ يخرب بيت هؤلاء الشباب.. شو بطرانين ياه؟
لفت نظري، خلال المقابلة، جملة قالها المؤلف سيف رضا حامد بتركيز كبير، وبخشوع كبير أيضاً، وهي أن الطالب الجامعي، كائناً مَن كان، لا يحق له أن يتطاول، أو يتواقح، أو يتعدى على (حُرمة) دكتور الجامعة.. أستاذه.
هذا، والله، شيء يتجاوز مفهوم (الانفصال عن الواقع)، ويتفوق عليه، ويبزه.. أي دكتور جامعة، وأية (حُرمة) يا عين عمك؟.. أنا، شخصياً، لم أسمع بتلك الحادثة بطريقة (القيل عن قال) بل رأيتها، بعينيَّ،
يوم ذهبتُ مع أحد أصدقائي، بسيارتي، في أحد الأيام من سنة 2012، إلى المدينة الجامعية بحلب، لكي يسحب صديقي ابنته، الطالبة بكلية الهندسة المعمارية، قبل أن يعجقها الشبيحة تحت أقدامهم، رأيت الشبيحة ينطون على سور حديقة المدينة الجامعية، وينزلون إلى حرمها، وبمجرد ما أصبحوا في الداخل، شرعوا يرفسون دكاترةَ الجامعة، العلماء، الأفاضل، الأكاديميين، المهيوبين، المحترمين، بأرجلهم، وكأنهم البغال الشموسة!! ووالله، لولا أن تقدم شاب من المتظاهرين، يتمتع ببنية جسدية ممتازة، وساعد ابنة صديقي في تسلق السور، وتناولها أبوها، وأركبناها معنا في السيارة، وهربنا من المكان، لكنا قُتلنا، أو جرحنا، أو قضينا نحبنا تحت سنابك الشبيحة!
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما والثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية