تكسير «رؤوس الآخرين»
لدينا، في المجتمع السوري، حالات عدوانية متأصلة.. تلخصها مجموعة من الأقوال والأمثال الشائعة..
يقول الرجل الأناني، المنعزل عن قضايا بلده، مثلاً: أنا ما لي علاقة.. فخار يكسر بعضه!..
رجل آخر.. إذا رأى أحداً من أهل البلد قد اختل توازنُه العقلي، وأصبح يتصرف كالمجانين، لا ينصحُ صديقَه بأن يأخذ بيده، ويُعَقِّلَه، أو (يأخذه إلى الطبيب)، بل يحرضه على الشماتة فيه، فيقول:
الولد الذي ليس من صلبك.. كلما جن افرحْ له!
رجلٌ ثالث.. لا يطلب من صاحبه أن يتنخى ويهب لإنقاذ مركب موشك على الغرق، بل إنه يحرضه على إكمال عملية الإغراق، فيقول له: المركب الغرقان، أعطه رفسة!
ومع أن أخلاقنا التي تربينا عليها تُلزمنا بأن نُبعد الأذى من الطريق، وأن نساعد طفلاً يعبرُ الشارع، ونقف لامرأة ختيارة، أو حبلى، في حافلة النقل الداخلي، لنجلسها في مكاننا، وأن نسحب الرجل الأعمى من يده لئلا يتعثر، أو يصطدم بالجدران وأعمدة الهاتف، تجد بيننا من ينصح الآخرين بممارسة شيء من اللؤم والجبروت حيال هؤلاء الناس، فيقول:
حيثما وجدت رجلاً أعمى دُبُّه.. أنت لست أكرم من ربه!
قديماً، قبل أكثر من ستين سنة، أبدع الكاتب الفرنسي مارسيل إيميه نصاً مسرحياً عبقرياً أسماه «رؤوس الآخرين».. يتحدث فيه عن المتعة التي يشعر بها ممثلُ النيابة، في دولة مولدافيا، حينما ينجح في إدانة متهم ما، وإيصاله سالماً إلى حبل المشنقة!!.. أحد النائبين العامين يقول للآخر بغبطة:
ما شاء الله عليك!.. أنت ما تزال حديث العهد في هذه الوظيفة، ومع ذلك صار في رصيدك أكثر من خمس حالات إعدام!
وتكاد زوجة النائب العام، حينما ينجح زوجها في إعدام رجل، أن تزغرد!
النظام السوري، منذ انقلاب حافظ الأسد، سنة 1970، وهو يقوم على إيذاء الآخرين، وتعذيب الآخرين، وتشريد الآخرين، وقطع «رؤوس الآخرين»، ونهب أموال الآخرين..
حكى لي صديق، سُجن في تدمر، بتهمة «التعاطف» مع الإخوان المسلمين، عن اللذة العارمة التي كان يتمتع بها السجانون حينما يقومون بتعذيب المعتقلين..
وقال: إن أحد الضباط كان يأتي إلى السجن، بعدما تنتهي (سكرتُه)، ويأمر السجانين بإيقاظنا نحن المعتقلين، ويتسلى بتعذيبنا ساعة زمان، قبل أن يذهب إلى النوم مع صاحبته.. وأحياناً كان يأتي معه ضيوف، يحضرون الحفلة من أولها!!.. (وكانت تتضمن الحفلة، بشكل أساسي، تجريدنا من ملابسنا كلها.. فيظهر "تبعنا" وهو منكمش وكأننا، في الأساس، لا ننتمي إلى صنف الرجال)!
وحينما لاحظ الأسى المختلط بالدهشة مرتسماً على وجهي أضاف: أنت تعتقد أن هذا كان يحدث في أوقات متباعدة، وخلال الأسابيع أو الأشهر الأولى من الاعتقال... أليس كذلك؟
قلت: بلى.
قال: لا. فأنا، شخصياً، استمر معي هذا الحال سبع عشرة سنة بأيامها ولياليها وأسابيعها وشهورها!!.. ووالله العظيم، حتى هذه اللحظة، أنا غير مصدق بأن جسمي النحيل قد صمد طيلة هذه السنين.. ولعلمك، فإن الكثيرين من زملائي ماتوا قهراً وطقيقاً وعجزاً عن التحمل.
وأقول..
لست أنا وحدي، وإنما معظم أبناء الشعب السوري، نعرف الكثير من القصص والحكايات والوقائع التي تحكي عن إجرام النظام ومخابراته بحق أبناء الشعب، خلال 41 سنة..
ولهذا وضعنا أرواحنا على أكفنا، وخرجنا ثائرين على هذا النظام الواطىء.
ولكن الغريب.. والمخالف لطبيعة الأمور.. أن (بعض) الثوار أخذوا يتعاملون مع الناس بطريقة النظام نفسها..
يقومون باضطهاد الآخرين، وتعذيب الآخرين، وتكسير «رؤوس الآخرين»، ونهب أموال الآخرين، والاستبداد بالآخرين.
لنصرخ.. بلسان حال الآخرين.. ونقول: لا.. لمن يريد أن يعيد إنتاج نظام الاستبداد باسم الثورة..
سنثور عليكم.. ولن نسامحكم..
وسنبني دولة العدل والقانون.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية