من البلد | |
|
عشائريون فوق القانون الأردني... "أنت سوري الله لايردك"

تعيش قطاعات واسعة من المجتمع الأردني منذ أشهر حالة تشبه "الهيجان العنفي" الذي ضرب كل مفاصل الحياة وبالذات الجامعات الأردنية التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى ساحات حرب استخدم فيها كل أنواع الأسلحة من الحجر إلى "السلاح الأبيض" وصولاً إلى الأسلحة النارية، وذهب ضحية هذه الاشتباكات التي قامت بمجملها على قاعدة التعصّب العشائري طلابٌ أبرياء، وأصيب آخرون بعاهات مستديمة، وطالت حالات العنف هذه البيوت والشوارع والمستشفيات والدوائر الحكومية، بل انتقلت أيضاً إلى قبة البرلمان، مما دعا المثقفين وأصحاب القرار والوجهاء وشيوخ العشائر إلى تدارس هذه الظاهرة ووضع الحلول الناجعة لها، وقد انعكست حالات العنف هذه على اللاجئين السوريين الذين تعرض الكثير منهم لاعتداءات من قبل بعض الشبان الذين ينتمون إلى عشائر أردنية تعتبر نفسها فوق القانون، فقانون العشيرة هو السائد في الأردن -للأسف- وهكذا وجد هؤلاء اللاجئين أنفسهم كـ"الأيتام على مأدبة اللئام" إذا اشتكوا أصبحوا عرضة للإيذاء من جديد وربما تم حرق بيوتهم كما حصل في العديد من الحالات التي جرت في محافظة المفرق، وإن صمتوا أصبحوا كالذي "يبلع الموس على الحدين" - كما يقول المثل الشامي– و تحوّل اللاجىء السوري الذي انتفض ضد نظام قهري سلطوي ثأراً للكرامة ودفع فاتورة ذلك بما يكفي ليجد نفسه ضحية للقهر والتسلّط مرة ثانية دون أية روادع قانونية أو دينية أو أخلاقية، والكثير من حالات الاعتداء هذه لا يتم التعامل معها قانونياً بسبب التهديدات التي يتلقاها أهل الضحية عادة من بعض المتنفذين، رغم أن معاهدة الأمم المتحدة لعام 1951 التي وقّع عليها الأردن تنصّ على "حرية الوصول إلى القضاء والحصول على المساعدة القضائية بالنسبة للاجئين في بلد اللجوء" إلا أن هذا الكلام يبدو في الأردن حبراً على ورق، فلم نسمع عن حالات تم إنصاف اللاجىء السوري فيها لتمرَ دون عقاب ولا يتم الاقتصاص من الجناة فيها.
سكاكين ومشارط !
عمر العرفي شاب سوري صغير لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره تعرّض لطعنة في خاصرته من قبل مجموعة من الشبان الأردنيين من دون سبب سوى حالة الاحتقان والتشنج التي يبديها الكثير من الأردنيين تجاه السوريين للأسف.
يقول عمر: ذهبت إلى شارع العشرين القريب من بيتي في مدينة المفرق لأحضر خبزاً لعائلتي ففوجئت بأربعة شبان مخمورين يستوقفوني قائلين لي: هل أنت سوري وعندما أجبتهم نعم، قاموا بضربي بأيديهم وأرجلهم وقالوا لي إذا رأيناك هنا في هذا الشارع "سنعدمك" وسنعدم أي سوري نراه هنا أيضاً، واستطعت أن أفلت من أيديهم وأهرب، ولكنهم لحقوا بي وقام أحدهم بطعني بسكين كانت في يده في خاصرتي فسقطت مضرجاً بدمائي وكان الشارع خالياً من المارة وبقيتُ أكثر من ربع ساعة على الأرض أتأوّه والدم ينزف مني قبل أن تراني سيدة أردنية من بلكون منزلها فقامت بتبليغ الدرك الذين جاءوا بعد نصف ساعة وأسعفوني إلى "المستشفى الميداني الإماراتي" وبعد أن تم علاجي فوجئت بأهل الشبان الذين اعتدوا عليّ يأتون إلى منزلنا ويهددّونا بأن نسكت عن القضية وإلا سيؤذوننا، وعندها اضطررنا للصمت وعدم التبليغ عن الجُناة كي لا يطالنا الأذى، والأدهى من ذلك -كما يقول المعتدى عليه عمر- أن أهالي هؤلاء الشبان الطائشين لم يدفعوا ديناراً واحداً تعويضاً عن إصابتي بل اكتفوا بالتهديد والوعيد.
سوريون .. "الله لا يجيرهم" !
ويروي "عزيز الفاعوري" الذي كان يعمل في مغسل سيارات في المفرق قصة الاعتداء عليه من قبل شلة من الشبان الأردنيين لأنه لم يقم بغسل سيارتهم بسبب تأخر الوقت قائلاً: " في أحد أيام شهر شباط الماضي وحوالي الساعة التاسعة ليلاً وعندما كنت مع زملائي في المغسل نهيئ أنفسنا للانصراف بعد يوم متعب، جاءت سيارة "بيك آب" بداخلها مجموعة من الشبان الأردنيين وطلبوا غسل السيارة فقال لهم مشرف العمل إن العمال قد تعبوا وسينصرفون إلى بيوتهم فقالوا له: هل هم سوريون أم أردنيون، قال لهم بل سوريون قالوا له بكل وقاحة: "الله لا يجيرهم ولا يردهم زعلان عليهم" فقلت لهم على الفور الله لا يردكم أنتم، وعندها هجموا عليّ وراحوا يضربونني بكل ما يملكون من قوة، وعلى أثر الصراخ حضرصاحب المغسل وحاول أن ينقذني من أيديهم، وهربت إلى غرفة استبدال الثياب، وبعد قليل جاء صاحب المغسل ليقول لي أريد منك أن تصالحهم، فقلت له ليس لدي مشكلة، وبعد قليل جاء الشبان أنفسهم وفوجئت بهم يهجمون عليّ بالسكاكين والمشارط، وأصبحوا يضربوني في كل أنحاء جسمي، واستطعت الهروب بصعوبة من بين أيديهم، واتجهت إلى الطريق العام والدم ينزف من كل أنحاء جسدي، وركضت باتجاه مشفى المفرق الحكومي القريب من المغسل ففوجئت بأنهم يلحقون بي يريدون الإجهاز عليّ، فالتجأت إلى مقهى على الطريق العام وكان هناك مجموعة من الشبان يجلسون على رصيف المقهى، فقاموا بحمايتي وإسعافي إلى المشفى، وبعد أن أُجريت لي الاسعافات الأولية فوجئت بأقارب لهؤلاء الشبان الذين اعتدوا عليّ يقومون بضربي على مرأى من الكادر الطبي في المشفى.
أسباب العنف ضد اللاجئين السوريين
ظاهرة العنف ضد اللاجئين السوريين يُرجعها البعض إلى انتشار هؤلاء اللاجئين في أنحاء الأردن وعدم تواجدهم داخل المخيّمات المخصّصة لهم –بحسب الباحث الأردني محمد الطراونة– الذي يضيف: "إن هذا العامل من أخطر العوامل الاجتماعيّة على الأردن، ولا سيما إذا ما تمّ ربطه بفرص العمل و العامل الأمنيّ، حيث أنّ توجّه اللاجئين السوريين إلى سوق العمل المحلي وحلولهم محل العمال الأردنيّين برواتب أدنى من رواتبهم، أدّى إلى فقدان الكثير من الأردنيين لوظائفهم، وفقدان الفرص المتوفرة للعمل في السّوق المحلي، وانتشارهم بهذه الصورة قد خلق فئة اجتماعيّة جديدة لا يستطيع النسيج الاجتماعي الأردنيّ تقبّلها في الوضع الحالي، خاصّة في ظلّ تباين المواقف الشعبيّة من القضية السوريّة. وهذا يفسر تنامي حالة العداء تجاه السوريين ومحاولة إيذائهم أو الإضرار بهم.
ويرى الباحث الاجتماعي الدكتور أحمد التل أن فشل الدولة الأردنية في وضع استراتيجية اجتماعية تلبي حاجات الأردنيين من السكان الأصليين وظروفهم في المدن والأرياف والبادية، أدى إلى جعل المجتمع الأردني يعاني من الفردية، والمحسوبية، والتشيع للعنصرية والطائفية والقبلية، واللامبالاة، والإقليمية، وهذه تشكل جميعها مشكلات وطنية اجتماعية تُشتِّت الآراء وتُضعِف الشعور بالمسؤولية وتسبب العنف في المجتمع الذي تنعكس نتائجه على المواطن والوافد أو اللاجىء على حد سواء.
"الطبطبة" لا تحل المشاكل !
أما الاستاذ رياض صبح وهو ناشط أردني في مجال حقوق الإنسان فيقول:
الاعتداء بطبيعة الحال هو فعل مخالف للقانون والقوانين الأردنية لا تميز في هذه المسألة بين المواطن الأردني وغيره، بموجب الدستور أو قانون العقوبات أو أي قانون آخر معمول به في الأردن، والدستور الأردني فيما يتعلق بمسائل التلقي أو تقديم الشكوى أمام القضاء لم يأتِ بباب أو فصل يخصّ حقوق وواجبات الأردنيين وحدهم، إنما جاء في مادة واحدة على اعتبار أن هذا حق للجميع، وأن القضاء مفتوح لأي كان، هذه المسألة مغطّاة ولا يسمح القانون الأردني أن يعتدي الأردني على مواطنه أو على اللاجئ، أو بالعكس، فالجميع تحت القانون.
وحول تفسيره لظاهرة الاعتداء على اللاجئين السوريين في الأردن يقول صبح:
هذه الحالات للأسف تظهر في كثير من المجتمعات، أحياناً يأخذ بعض المواطنين مواقف سلبية من الأجانب – وأنا أتحدث هنا من الناحية القانونية وليس ناحية الشعور العام– لأن اللاجئين السوريين وغيرهم من اللاجئين العرب كانوا ولا زالوا أخوة لنا وليسوا أجانب، وهم داخلون في الحماية الوطنية، وتظهر هذه الحالات في ظروف التدفقات الكبرى كما يحصل مع اللاجئين السوريين اليوم، وهناك العديد من المؤتمرات التي أشارت إلى هذه الظاهرة كمؤتمر "دوربان" الذي انعقد عام 2001 الذي تحدث عما يتعلق بظاهرة "كره الأجانب واللاجئين" والموضوع -برأيي- يجب أن لا يتم التعامل معه بمنطق عشائري إلا إذا كان هذا المنطق يساهم في حل أو تخفيف التأزم وليس في أساليب التمرير "ونحن هنا نسميها "الطبطبة" وأنا أرى من وجهة نظري ضرورة التعامل مع هذه المسائل بشكل واضح، ويجب طرح الأمور مع السلطات الأردنية ومع القضاء الوطني بشفافية، لأن أي اعتداء على أي كان هو في النهاية اعتداء على القانون وعلى أمن البلاد وسلامته، وهذا ليس من مصلحة الأردن ولا من مصلحة المواطن الأردني ولا مصلحة اللاجئ تالياً، وإذا كانت هناك مشكلة بين المواطن الأردني واللاجئ السوري –على سبيل المثال– أو كان هناك تنازع على قضايا أو حقوق مكتسبة فعليهما اللجوء إلى القضاء وهو جدير بحل المشكلة، أما أن يتم استخدام العنف أو الإيذاء فهو أمر مرفوض قانونياً واخلاقياً ودينياً، وأنا أعتقد أن هذه المسألة يجب أن تكون مثار مناقشة وطنية وأن يتم التعامل معها بكل شفافية ووضوح.
فارس الرفاعي - الأردن - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية