تحت سقف منزل واحد في مدينة المفرق الأردنية تعيش أسرة سورية لاجئة مكونة من أكثر من 30 معاقاً إعاقة سمعية ونطقية ما بين أبناء وأحفاد، في ظاهرة وراثية نادرة وغير مألوفة يُرجعها الأطباء إلى حالات زواج الأقارب، والملفت للنظر في هذه الظاهرة أن أبناء هذه الأسرة وبناتها اختاروا الزواج بأمثالهم من فاقدي السمع والنطق فولد أبناؤهم وهم يعانون ما يعاني آباؤهم.
محمود عبد القاد الزعبي رجل ثمانيني من مدينة درعا-قرية المسيفرة- جاء إلى الأردن وهو يحمل على كاهله تركة ثقيلة من حالات الإعاقة متمثلة في 30 فرداً من أبنائه وأحفاده ابتليوا بفقدان السمع والنطق رغم انه وزوجته لا يعانيان من هذا المرض، سألته "زمان الوصل" بداية إذا كانت هناك صلة قرابة مباشرة مع زوجته فقال: زوجتي لم تكن تمت لي بصلة قرابة مباشرة فبيني وبينها جدان أو ثلاثة جدود.
وحول قصص الإعاقات المتكررة في أسرته يقول الزعبي لـ"زمان الوصل": عندما ولد طفلنا البكر محمد مصاباً بمرض فقدان السمع والنطق لم أترك طبيباً ولا مشفى في سورية والأردن إلا وراجعته. كل الأطباء أكدوا لي أن عرق السمع لديه جاف"لا حياة فيه" وعندما قلت لهم لا يوجد في أصولنا وفروعنا مثل هذه الحالة قالوا: هكذا أراد الله فسلمت بإرادة الله عز وجل وبابتلائه للمؤمن.
اختيار موفق!
وعن عدد أبنائه المصابين بالصمم وعدم النطق وحالاتهم يقول الحاج أبو محمد: عندي 6 أولاد صم وبكم و6 غير مصابين، 4 بنات منهم مصابات بالمرض تزوجن اشخاصاً مثلهن لكي يسهل عليهن التفاهم في الحياة اليومية من خلال لغة الإشارة، كما تزوج أولادي المعوقون أيضاً من صماوات بكماوات للسبب ذاته، ولكن للأسف ولد 24 من أحفادي مصابين بالصمم والبكم وبعضهم سليم، والغريب-كما يضيف- أن الإعاقة كانت تصيب بعض الأطفال وينجو منها غيرهم فلدي ابنة تعاني من هذا المرض تزوجت شخصاً أصم و أبكم ولكنها أنجبت أولاداً سليمين، وكذا ابني معتصم مصاب هو وزوجته بهذا المرض ولديه طفلان يعانيان المرض نفسه و لديهما طفل سليم، وابني محمد أصم و أبكم هو وزوجته، ولكن أولاده ينطقون ويسمعون، وابنتي "سكينة: صمّاء بكماء ولكنَّ أبناءها يسمعون وينطقون، وهناك عبد الوالي الذي يعاني وزوجته من الصمم والبكم وعنده طفل أصم أبكم وآخرون لديهم نقص سمع. أما حالات الصمم والبكم التام في الأسرة فهي موجودة في حالة ابني عبد الله و زوجته وأولاده الثلاث، و"وفاء" وزوجها وأولادها، وكذلك "هالة" التي تعاني أيضاً من هذا المرض مع زوجها وأولادها.
وحول كيفية تعامله وزوجته مع هذا العدد الكبير من المعوقين يقول الحاج محمود الزعبي: الحمد لله علّمناهم اجتياز المرحلة الابتدائية في التعليم، وكان هناك معاهد للمهن الحرفية في دمشق-حيث كنا نسكن- فتعلم ابني"عبد الله" مهنة الخياطة وهو يعمل بها اليوم في الأردن، وتعلم "معتصم" النجارة العربية والاثنان أخذ الله منهما السمع والنطق ولكنه وهبهما الذكاء الفطري ولله الحمد، والصبايا عندي تعلمن مهن تصفيف الشعر والخياطة والرسم على الزجاج.
لغة الاشارة
وعن الصعوبات التي يواجهها في التفاهم مع أبنائه وأحفاده وهل يلجأ إلى لغة الاشارة يقول الحاج الزعبي:
بالنسبة لي لم تكن هناك صعوبات لأنني دائماً خارج المنزل في عملي، أما زوجتي فهي التي حملت على كاهلها الثقل الأكبر، والحمد لله فهي تعرف التفاهم معهم من خلال لغة الاشارة التي أتقنتها بالممارسة والمران وكأنها واحدة منهم، أما أنا فضعيف في التفاهم بلغة الإشارة لذلك ألجأ إليها لتترجم لنا معاً.
وتقول والدة الأبناء المعوقين أم محمد الزعبي : وجدت صعوبة كبيرة في البداية في التفاهم مع أولادي ولكن مع الممارسة والتدريب تجاوزت هذه الصعوبة، وعندما جاء الأحفاد أصبحت أجد صعوبة لأنني كدت أنسى لغة الإشارة التي تعلمتها منذ سنوات.
وعن كيفية انتقال هذه الأسرة المبتلاة بالصمم والبكم من سورية إلى الأردن وكيف يعيشون هنا يقول الحاج الزعبي: في البداية جئت مع زوجتي أم محمد بمفردنا إلى الأردن بشكل نظامي، وعشنا فترة عند ابنتين لنا كانتا تعيشان هنا منذ سنوات، وبعد أن اشتدت الحرب في سورية لحق أبنائي وأحفادي جميعهم بنا، ووجدنا صعوبة كبيرة في العيش معاً تحت سقف واحد، ففي درعا كان لكل ابن بيت مستقل أما هنا فاضطررنا للعيش معاً في بيت واحد فأجرة البيوت غالية، وليس بإمكان كل ابن من أبنائي أن يسكن في بيت مستقل لذلك اضطررنا للعيش معاً بالرغم من صعوبة ذلك في الأكل والشرب والنوم والجلوس وشجارالأطفال المستمر، وبعد مضي شهور على هذا الحال علم محافظ المفرق بوضعنا فساعدنا في تأمين منزل كبير إلى حد ما مجاناً-جزاه الله عنا كل خير -.
وحول وضع الأطفال المعوقين مع الدراسة والتعليم يقول رب الأسرة: هناك 6 من أحفادي المعوقين بحاجة إلى التعليم ولم يتم قبولهم في المدارس الحكومية هنا، أما المدارس الخاصة فهي مكلفة مادياً حيث يكلف كل ولد بحدود 200 دينار شهرياً، علماً أنه لا توجد مدارس خاصة بالمعوقين في المفرق، أما في عمان فتوجد مدارس داخلية يظل الطفل فيها شهراً قبل أن يُسمح له بزيارة أهله يومي الخميس والجمعة وما في ذلك من مشقة للطفل وأهله "بدهم حدا ياخذهم ويجيبهم"
ملجأ في الحمام !
وعن الوضع الذي كانت الأسرة تعيشه قبل قيام الثورة السورية يقول أبو محمد الزعبي:
كانت كل عائلة تسكن بمفردها في منزل مستقل وعندما بدأ النظام يضرب درعا بمختلف أنواع الأسلحة كنت أنا وزوجتي نلجأ إلى حمام المنزل لأن له سقفان، للإحتماء من القذائف والرصاص، أما أولادي وأسرهم فكانوا يتركون بيوتهم الطابقية ويلجؤون إلى البيوت الأرضية وبعض بيوت حوران كان فيها ما يشبه القبو تلجأ إليه العائلات هرباً من القصف.
تراب بلدي ولا حياة الذل والمهانة!
وحول رأيه بظروف اللجوء في الأردن قال الحاج أبو محمد بلهجته الدرعاوية المميزة:" بنام على التراب ببلدي ولا حياة الذل والمهانة"، وعن مدى استفادته وعائلته من المساعدات التي تقدمها الجمعيات والهيئات الإغاثية في الأردن يقول الرجل الثمانيني: " بتيجي إعانات كثيرة للاجئين السوريين ما بيوصلنا منها شي" ويذكر أنه ذهب إلى جمعية الكتاب والسنة فرفضوا تسجيله رغم وجود هذا العدد الكبير من الإعاقات في أسرته بحجة أن جوازه مختوم أكثر من مرة بمعنى أنه يذهب الى سورية ويعود دائماً ولذلك لا يُعتبر لاجئاً-حسب تقدير هذه الجمعيات- و يفسر الحاج الزعبي هذا الأمر بقوله: قبل الحرب كنت آتي الى الأردن باستمرار للعلاج وعندما شرحت لهم هذا الأمر قالوا لي "ما إلك تسجيل لأنك رايح جاي على سورية، وجمعية المركز الإسلامي ما رضيوا يسجلوني لهذا السبب".
... "زمان الوصل" تطالب بمساعدتهم لاجؤون بينهم والموت "شعرة" |
|
|
فارس الرفاعي - المفرق (الاردن) - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية