أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا مفاجئة في العدوان على غزة ... بلال محسن التل

ما يجري في غزة جزء من المشروع الأمريكي لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد

من أهداف العدوان على غزة استبدال سلطة حماس بسلطة حليفة للعدو

على الأمة أن تشكل حاضنة للمقاومة لتمدها بأسباب الحياة

لماذا لم يقاطعوا القمة يوم تغيب عنها عرفات المحاصر إسرائيلياً؟

بلال حسن التل

ليس مفاجئاً هذا الإجرام الصهيوني الذي يأخذ شكل المذبحة المفتوحة ضد أهلنا في غزة، فالعدو الصهيوني كان يعلن على الملأ أنه بصدد بدء هذه الجريمة ولم يكن يتوانى في الإعلان عن نواياه المبيتة بشن عدوان ضد قطاع غزة، كان يعد له العدة منذ شهور طويلة عمل خلالها على أن يعزز دعم أصدقائه وحلفائه لمذبحته ضد قطاع غزة التي ابتدأها يوم الاربعاء الماضي، وفي هذا الإطار جاءت جولات ''أولمرت'' ووزير حربه ''باراك'' على العديد من دول العالم لأخذ مباركتها للمذبحة بحق في غزة، وفي نفس الإطار جاءت الجولة التي نظمتها وزيرة خارجية العدو لسبعين من السفراء المعتمدين لديه على معبر ''ارينز'' في إطار ما سمي بشرح وجهة نظر إسرائيل في الدفاع عن أمنها ضد صواريخ القسام، وكأن العدو الإسرائيلي بحاجة إلى مزيد من تأييد الرأي العام لعدوانه، فقد اثبت صناع القرار في جل عواصم الدنيا انحيازهم الفاضح لإسرائيل في كل مرحلة من مراحل عدوانها. وتحولت المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس أمنها إلى أداة من أدوات إعطاء الشرعية للعدوان الإسرائيلي، بل ولكسب الوقت لهذا العدوان، ولا غرابة في ذلك ما دامت هذه المنظمات ومن قبلها صناع القرار في عواصم الدنيا قد تحولوا إلى أدوات في يد الإدارة الأمريكية راعية العدوان الصهيوني وحاميته، لذلك فقد صار من العبث اللجوء إلى هذه المنظمات الدولية مثلما صار من العبث انتظار النصرة من المجتمع الدولي الذي أثبت مدى انحيازه لإسرائيل وحرصه على تصديق ما يسمعه منها،وصار يسمى عدوانها دفاعاً عن النفس، وظل على الأمة أن تعتمد على ذاتها وتدعم قوى المقاومة فيها بأن تشكل لهذه القوى حاضنة لتحميها وتمدها بأسباب الحياة..

ومثلما أنه ليس مفاجئاً هذا الإجرام الصهيوني في غزة، فإنه ليس مفاجئاً أيضاً سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء في صفوف المدنيين: أطفالاً ونساءً وشيوخاً، ذلك أن الطائرات والصواريخ والمدفعية الإسرائيلية، وكذلك قناصة العدو يمارسون إجرامهم في مناطق مكتظة بالسكان، الذين يعرف العدو الإسرائيلي أنهم يسقطون برصاصه وصواريخه وقذائفه، بل إنه يتعمد أن يتم ذلك من باب الترويع من جهة، وانسجاماً مع عقيدته في اقتلاع من هم غير يهود من أرض فلسطين، وهو الاقتلاع الذي نال دعم وتأييد الإدارة الأمريكية التي تعلن وزيرة خارجيتها بكل وقاحة أن إسرائيل لن توقف عدوانها على غزة إلا بعد القضاء على صواريخ القسام، وهذا التصريح يذكرنا بالدور الإجرامي الذي لعبته هذه الوزيرة في العدوان الأمريكي الإسرائيلي على لبنان في تموز/2006، ولا غرابة في ذلك فما يجري في غزة هو امتداد لما جرى ويجري في لبنان وهو جزء من جهود أمريكا لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة عبر استيلاد الشرق الأوسط الجديد بمقاييس أمريكية تكون فيها اليد العليا في كل شيء لإسرائيل، لذلك فإن الهدف الرئيس للعدوان هو القضاء على جذوة المقاومة في هذه الأمة التي تمثلها حركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين خاب فألهم ودحر كيدهم ونصر الله مقاومتنا في غزة مثلما نصرها في لبنان...

إذن ما يجري في غزة ليس مفاجئاً، فقد كان قرار الهجوم على القطاع قد اتخذ منذ زمن طويل، ونال هذا القرار مباركة الحليف الإستراتيجي في واشنطن، الذي ترك لحليفه في تل أبيب تحديداً لحظة الهجوم، وحجم هذا الهجوم، وإلى الذين يقرؤون نذكرهم بما قاله وزير حرب العدو للجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي من أنه أصدر أوامره لضباطه حول إمكانية شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع، بل لقد أكدت التقارير السياسية في كيان العدو أن القيادة السياسية في هذا الكيان حسمت أمرها مبكراً بشأن الهجوم على غزة، حتى قبل نشر تقرير ''فينو غراد'' الذي أكد هزيمة العدو في عدوان تموز/2006 مطالباً بضرورة القيام بعمل لاستعادة هيبة إسرائيل وقوتها الردعية، ونحسب أن العدوان على غزة يأتي في هذا السياق، لذلك كانت التقارير الاستخبارية الإسرائيلية تطالب بالتعجيل به، وكانت هذه التقارير تتذرع في طلبها تعجيل العدوان على غزة بمنع نقل تصنيع الصواريخ من غزة إلى الضفة الغربية...

لهذا كله نقول أن المذبحة المفتوحة في غزة ليست مفاجئة، فقد سبق للعدو وأن اتخذ القرار بشأنها وظل تحديد التوقيت الذي تحكمت به عدة عوامل من بينها انتظار الأحوال الجوية الملائمة، والعمل على تأمين سلامة الجندي ''شليط'' المأسور لدى حركة حماس، بالإضافة إلى تخوف العدو الإسرائيلي من أن يقوم حزب الله بفتح جبهة أخرى للتخفيف عن أهلنا في غزة، وهو الأمر الذي تكفلت به الإدارة الأمريكية التي بادرت مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بإرسال بوارجها الحربية إلى الشواطئ اللبنانية لاشغال حزب الله ومنعه من فتح جبهة ثانية ضد العدو الإسرائيلي للتخفيف عن غزة...

كما كان العدو يؤجل عدوانه على غزة خوفاً من تحرك خلايا المقاومة في الضفة الغربية وكما تكفلت الولايات المتحدة الأمريكية باشغال حزب الله عبر إرسال بوارجها قبالة الشواطئ اللبنانية تكفلت سلطة عباس وحكومة فياض بملاحقة خلايا المقاومة وتعقب المقاومين في الضفة الغربية كما شهدنا ولمسنا خلال الأسابيع الماضية...

محاذير أخرى أخرت بدء الجريمة الصهيونية بحق أهلنا في قطاع غزة من بينها الخوف من حجم الخسائر البشرية التي سيتكبدها العدو في حالة اجتياحه لغزة، التي كان وما زال هذا العدو يخاف من غرقه في مستنقعها، لذلك عكف هذا العدو على وضع سيناريوهات من شأنها أن تخفف من حجم خسائره، وتنزل في صفوف أبناء غزة أكبر عدد ممكن من الإصابات وفي طليعة هذه السيناريوهات القيام بقصف جوي ومدفعي ثقيل ومكثف على القطاع، وهو ما شهدناه مع بدء الجريمة الإسرائيلية بحق غزة، يلي هذا القصف الجوي والمدفعي هجوم بري واسع واستهدف قادة المقاومة في غزة التي كثرت المطالب الإسرائيلية برؤوسهم إلى الدرجة التي أغضبت وزير حرب العدو، ليس حرصاً على هؤلاء القادة، بل خوفاً من أن يأخذوا حذرهم جراء هذه المطالبة برؤوسهم....

إذن لم تكن هذه الجريمة ضد غزة مفاجئة، فقد سبق وأن أعلن العدو حتى تفاصيلها والمحاور التي ستتم عبرها والأهداف التي تتوخاها، فالهجوم عبر المحور الشمالي من القطاع يستهدف منع إطلاق صواريخ المقاومة على مستعمرات العدو، أما الهجوم عبر جنوب القطاع فيستهدف تدمير مخازن أسلحة المقاومة، في حين يستهدف الهجوم على مدينة غزة تصفية قيادات المقاومة فيها، بالإضافة إلى أن العدوان على غزة يهدف إلى خلق وضع يتيح للعدو الإسرائيلي حرية التحرك الميداني والاستخباري السريع في القطاع والقضاء النهائي على إطلاق صواريخ المقاومة وتدمير البنية التحتية العسكرية لفصائل المقاومة، بالإضافة إلى إغلاق محور فيلادلفي لتقليص عمليات تهريب السلاح للمقاومة ومن ثم تأمين حراسة إسرائيلية لمعابر القطاع، بعد القضاء على سلطة حماس في غزة واستبدالها بسلطة متحالفة مع العدو للقضاء على المقاومة، وهذا هو الهدف الرئيسي للعدوان، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نفصل ما يجري في غزة عن مجمل ما يحدث في المنطقة، وعلامته هذه البوارج الأمريكية التي جاءت لتكسر إرادة المقاومة ممثلة بالمقاومة الإسلامية ونظن أن جهود تعطيل عقد القمة العربية في دمشق تصب في هذا الإطار، ذلك أن الذين يحاولون تعطيل قمة دمشق يتذرعون بذرائع واهية، بل إنهم يقلبون الحقائق، فالقمم وغيرها من الاجتماعات تعقد لحل المشكلات، وإلا تصبح لا ضرورة لها، لذلك نقول أن القمة العربية ضرورية لحل الأزمة اللبنانية، أما اشتراط حل هذه الأزمة لانعقاد القمة أو المشاركة فيها، فإنه وضع للعربة قبل الحصان، علماً بأنه سبق وأن عقدت قمم عربية لم يشارك بها رؤساء عرب لأسباب كثيرة والذين لم تثقب ذاكرتهم بعد يذكرون أن القمة العربية في بيروت عقدت بغياب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي كان محاصراً بالدبابات الإسرائيلية، ومع ذلك لم يحرك العرب ساكناً لفك الحصار عنه، ولم يقاطعوا القمة حتى ترفع إسرائيل الحصار عن عرفات، بل لقد أهدوا من يحاصره مبادرتهم للمصالحة، مع هذا الذي يحاصر واحداً من أعضاء القمة العربية هذه واحدة....

أما الثانية فإن المشكلات والقضايا العربية التي تحتاج إلى قمة ليست محصورة في الأزمة اللبنانية على أهميتها، فهناك قضية فلسطين أم القضايا العربية وما يجري في غزة جزء منها، وهناك الاحتلال الأمريكي للعراق، وهناك البوارج الحربية الأمريكية التي تهدد أمن المنطقة، وهناك مشكلة دارفو وعشرات القضايا العربية التي تحتاج إلى قمم لمناقشتها، فلماذا هذا التهرب بذريعة انتخابات الرئاسة اللبنانية، أم أن الهدف إعطاء الحليف الأمريكي المزيد من الوقت لتحقيق أجنداته في المنطقة، وفي طليعتها الثأر الإسرائيلي جراء هزيمته في عدوان تموز/2006؟....

www.al-liwa.com

رئيس تحرير اللواء الاردنية لزمان الوصل
(123)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي